رعاة الماشية.. طفولة في أحضان «الأغنام» (صور)

الأحد، 29 يناير 2017 09:57 ص
رعاة الماشية.. طفولة في أحضان «الأغنام» (صور)
«رعاة الماشية».. طفولة في أحضان الأغنام
محمد الشوبري

يبدأ يومهم مع أذان الفجر، يصطحبون الأغنام والماشية إلى الطرق الزراعية بمحافظات الدلتا، خاصة بعد موسم حصاد، فهناك الأراضي التي تمتلئ بالحشائش، التي يسعى الفلاحون إلى التخلص منها تمهيدًا لحرث الأرض وزراعة محصول آخر.

مجموعة من الرعاة امتهنوا هذه الحرفة عن أجدادهم الذين تعود أصولهم إلى محافظات الصعيد؛ فهم يرعون أغناما وماشية يمتلك معظمها آخرون، ولا يمتلكون منها سوى رءوس قليلة، يتنقلون بالماشية والأغنام حيث الأعشاب والمزروعات العشوائية، ولا يمكنهم التوجه بها إلى الأراضي الزراعية إلا بعد استئذان أصحابها.

أربعة من الرعاة وفتاة صغيرة، قالوا إن عمرها 10 أحوال- يقصدون أعوام، اسمها «بثينة»، تحمل معها بعض ما يمكنها جمعه من أعشاب ومزروعات لتطعم بها الماشية في وقت لا يتوافر فيه طعام لهم، ومع طلوع الشمس استعدت «بثينة» لترتدي غطاء الرأس لحمايتها من الأشعة.

أكبر الرعاة سنًا «منصور عمران»، يؤكد أنه يعمل في هذه المهنة منذ أن كان طفلًا أصغر من «بثينة» نجلة ابنه «محمد»، الذي يبلغ من العمر 24 عامًا، وأنه لا يعرف أي مهنة أخرى، ويستطيع أن يقود الأغنام والماشية بإشارة من «عصاه الخشبية» يمسكها بيديه، فهو طول الطريق يحملها على كتفيه وقليلًا ما يمسكها بيد واحدة.

الساعة الحادية عشرة، طلب «راضي»، 35 عامًا، أحد الرعاة، من الجميع أن يتوقفوا لتناول طعام الغذاء، قائلًا: «الوكل يا أسيادنا»، أسرعت «بثينة» إلى الحمار الذي يحمل متاعهم من الطعام وأخرجت من «الخرج» (جيب كبير في كيس يحمله) بعض ثمار الطماطم، والخس والجبن المصنوع من «الصمغة»- الحليب الذي يأتي بعد ولادة الغنم.

اختار «راضي» لحظة التوقف لأنهم كانوا بالقرب من «طلمبة مياه» تابعة لإحدى الأراضي الزراعية بنطاق قرية «دفرة»، بمركز طنطا في محافظة الغربية، وخشي أن يمتد بهم الوقت ليصلوا إلى مكان أقرب، فهو يريد أن يضمن الماء لهم ويروي ظمأ الماشية والأغنام.

يرفع الشيخ «منصور»، أكمامه ويجلس على الأرض ويتبعه الثلاثة الباقين، بينما «بثينة» مشغولة في إحضار الطعام بعد أن فرشت منديلًا كبيرًا على الأرض، لتضع عليه الطعام، وجلست بجوارهم وبدأنا تناول الغذاء.

يرد «منصور»، على سؤال حول طبيعة عمله قائلًا: «نترك بيوتنا، ونعيش في الخيام، وتنتهي رحلتنا مع نهاية فصل الشتاء بدفع قطعان المواشي إلى الحظائر؛ لفرزها وفصل العجول الصغيرة عن الكبيرة، وتسليمها لأصحابها، بعد الحصول على مقابل التربية والرعاية.. وخلال تلك الرحلة نواجه صعوبات عديدة، لأننا نبيت في الخلاء، وكثيرًا ما تعرضنا لأعمال البلطجة، ومحاولات سرقة الماشية والأغنام».

وحول صعوبة المهنة أكد أنها حرفة لابد وأن تمارس منذ الصغر لينشأ الراعي على الصبر وشدة تحمل الصعاب والحكمة في التعامل مع الأمور، مضيفًا أنه ليس من السهل التعامل مع الماشية التي لها لغة لا يفهما سوى الراع وغنمه.

ويقول «منصور»: «عندما نريد أن نقوم بحلب الغنم، نشاور بالعصا ونقول (صاف)، ومعناها أنه على إناث الماعز الوقوف في صفين متقابلين، ليتم حلبها، ونقول لإناث الغنم (عييه)، ونسمي هذه العملية بـ (التشبيق)، ويقصد استعدادها لعملية التزاوج، ولكي لا تتحرك نقوم بربط أرجلها بقطعة من القماش أو الخيش، فتتجمع الأغنام كلها وتلتصق ببعضها».

ويتابع: «نقول (دري) لذكر الغنم- الكبش، و(تع) للحمار عندما نريده أن يأتي إلينا، و(هوش) عندما نطلب منه أن يقف، ونقول للكلب (يله) كي نبعده عن مهاجمة شخص قادم إلينا».

بعد أداء صلاة الظهر استعد الجميع للانطلاق مجددًا، لاستكمال الرحلة على الطريق؛ بعد أن جمعت «بثينة» بقايا الخبز لتضعه في نفس مكانه حيث أتت به، وقالت: «كل شيء يمكن أن يصنع من الحليب، و(الزبدة والسمن(، وهو ثقيل الدسم، و(القريشة)، والتي يصنع منها أنواع من الجبن، بخلاف (الجبن) الذي نتناوله على الإفطار، ويستخدم - أيضًا - في صناعة (الفطير)»، لافتة إلى أن «لبن الماعز» كامل الدسم، وهو أغلى أنواع الألبان، ويستخرج خلال عملية «الخضّة» التي تصنع من جلد الماعز، ليبقى في النهاية رائبا من الحليب، وتساعد من يشربه في تقليل حر الشمس، وهو شراب مفضل لديهم خاصة في الصيف.

بعد ساعتين أوشك أذان العصر على النداء، توقف الجميع للوضوء استعدادًا لأداء الصلاة في الخلاء بمحازاة قطعة أرض زراعية، وانتهوا من أداء الصلاة، ثم واصلوا الرحلة، حيث اقتربوا من قرية «نفيا» في نفس نطاق مدينة طنطا.

سألنا «مراد مسعود»، 36 عامًا، أحد الرعاة، عن أهم الأشياء التي يحتاج إليها ليبدأ رحلته، فقال: «لا بد للراعي أن ترافقه ثلاثة أشياء مهمة، أولها (الكلب)، ولو كان أكثر من كلب يكون أفضل، لحماية القطيع ليلًا من الذئاب، والنبح على اللصوص، والتنبيه من اقتراب الغرباء من الماشية والغنم، ولجعلها تسير ضمن القطيع».

توقف قليلًا ثم تابع: «الحمار الذي يسير في مقدمة القطيع ويحمّل عليه طعام الراعي، وخلف الحمار يأتي (المرياع) وهو (كبش) ذو صوف كثيف، ولا يأكل مع القطيع، بل يكتفي بقطع من الخبز يقدمها له الراعي بيديه، وخلفه يسير القطيع، ولا يستطيع أي من الماشية أو الغنم تجاوزه على الإطلاق، فالكل دائمًا خلفه».

ويضيف: «عمل راعي البقر يتبدل مع تغير فصول السنة، ففي الخريف نجمع الأبقار والعجول، ثم نفصل بينها، حيث نفطم العجول عن الأمهات، وهكذا يصبح بالإمكان بيع العجول أو الاستمرار في تربيتها لمدة سنة أخرى، إلى أن تباع في نهاية الأمر، وخلال فصل الشتاء تنتهي رحلتنا، وتعود المواشي للمزرعة الخاصة بكل شخص منا وبأصحابها».

ويستكمل «مراد»: «تبدأ عمليات ولادة العجول في أواخر فصل الشتاء أو أوائل فصل الربيع، الذي يتم فيه توليد العجول ووضع علامة عليها؛ لإثبات ملكيتها بوضوح، والإعداد لنقل المواشي إلى المراعي الصيفية».

استعدت الشمس للرحيل وأوشك آذان المغرب، وبدأ الرعاة يتشاورون في أكثر الأماكن أمانًا للمبيت، واتفقوا على قطعة أرض فضاء خالية من الزراعة بجوارها طلمبة فكانت أكثر الأماكن المناسبة لهم وتبعد عنهم نحو 100 مترًا، ليعلنوا نهاية رحلة اليوم.

اسقر الجميع ثم تحدث «الشيخ منصور»، عن الصفات التي يجب أن يتحلى بها الراعي قائلًا: «الأمانة والإخلاص وتقوى الله، والقوة»، ثم حل الصمت قليلًا وبدأ حديثه مجددًا مضيفًا: «تكون قويا عندما تعرف مقدار ضعفك.. وتكون ضعيفًا عندما تستخدم قوتك من غير حدود وفي غير موضعها».

وبينما الآخرون ينصبون خيمة للمبيت داخلها بعد أداء صلاة المغرب وتناول طعام العشاء، تابع: «اجعل من الدنيا صفحة بيضا ومن تصرفاتك قلمً، واكتب من أول السطر واجعل العنوان الكرامة، والمقدمة الحب، والأسلوب التسامح.. وصلب الموضوع الصدق ونهايته التواضع والتفاؤل، تنعم بحياة هنية ما تعرف الهموم طريقها إليك».

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة