موت الحلم الأميركي
السبت، 28 يناير 2017 01:23 م
لعل من ضمن الأمور –في الماضي- التي جعلت من الولايات المتحدة الأمريكية دولة تُحترم –عربيًا– ولها مكانة مثلى لدى شعوب العالم هو تبنيها النهج الديمقراطي بمثاليته الخالصة على الصعيد الأميركي الداخلي.
وعلى الرغم من بعض الهنات في تطبيق هذا النهج –خارجيًا– في فترة بعض الرئاسات كما جرى في حادثتي «ووترجيت» و«إيران جيت»، إلا أن قدرة النظام الأميركي من الداخل على تصحيح أخطائه وإعادة ضبط مساره الديمقراطي قد حافظ على المكانة الأميركية العالمية والنظرة الإيجابية للحلم الأميركي من قبل أغلب شعوب العالم.
لكن مع بداية الألفية الجديدة، فإن الكثير من القضايا المتعلقة بالديمقراطيات كالحريات وحقوق الأقليات والممارسة السياسية الأميركية على الصعيد الخارجي قد شابها الكثير من الخلل؛ وعلقت بها العديد من الشوائب، وتحديدًا خلال فترة حكم الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش، الذي اختار مساعديه من الصقور وأقطاب الحزب الجمهوري أمثال «بول وولفتز، وكوندليزا رايس» الذين يرون أن الوجود الأميركي الفعلي لا يتم إلا عبر استخدام القوة، وإن فكرة «الكاوبوي» الأميركي هي أقصر الطرق لضمان السيادة الأميركية ولتعزيز فكرة الدولة أحادية القطب التي ستقود العالم؛ والتي عبر عن بعض مناحيها المفكر الأميركي الشهير «فرانسيس فوكاياما» في جزء من أطروحته الشهيرة المتعلقة بـ«نهاية التاريخ».
وكانت البداية مطاردة أسامة بن لادن والقاعدة والعمل على تغيير الوضع السياسي في أفغانستان؛ عبر اختيار حكومة تتسم بالتبعية السياسية للتوجه الأميركي الجديد، ومن ثم التدخل الأميركي في العراق وإسقاط حكومته القائمة تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، ومن ثم العمل على إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط الجديد بما يتفق مع الصالح الأميركي العام.
هذه الردة الأميركية في المسار الديمقراطي في مجال السياسة الخارجية؛ قد مثلتها عبارة بوش الشهيرة أو فلنقل مبدأه الديمقراطي الجديد «من لم يكن معنا فهو ضدنا»!، لكن هل كان جورج بوش الصغير لوحده هو من يمثل الردة الفعلية في المسار الديمقراطي الأميركي على كل المسارات أم هناك من الرؤساء الأميركيين من قد مَثّل هذا النهج كذلك؟.
دعوني أقفز على أزمنة تاريخية بعينها؛ لأصل لما جرى منذ بضعة أيام، وتحديدًا ذلك الأمر المتعلق بقيام الرئيس الأميركي الجديد «دونالد ترامب» بتوقيع قرار لوقف استقبال اللاجئين من الدول ذات الأغلبية المسلمة، إذ إن الأمر ليبدو وكأن أميركا قد تجاوزت كل إشكالياتها الداخلية من بطالة وعنف متزايد ضد الأقليات وإغراق بعض البلدات في العديد من الولايات بالمخدرات، ولم يبق هناك من تهديدات سوى التواجد الإسلامي على التراب الأميركي.
مع العلم بأن أغلب اللاجئين لأميركا من الدول الإسلامية ليس بالضرورة أن اتخاذهم قرار الهجرة واللجوء السياسي لأميركا جراء اختلاف ثيولوجي - ديني- مع الأنظمة الحكومية القائمة في بلدانهم الأصلية.
فهناك من المعارضة في البلدان الإسلامية والعربية ممن هم من أصحاب التوجهات الليبرالية، ومطالباتهم تنحصر، في الغالب، حول الدعوة لإعطائهم المزيد من الحريات وبإجراء محاكمات قانونية للمعتقلين السياسيين وإلغاء قانون الطوارئ ورفع سقف حرية التعبير الممنوحة الصحف ووسائل وقنوات التعبير، وإلى ما هناك من المطالبات الديمقراطية الأخرى.
قرار ترامب –في تقديري– الذي أرى فيه نكوصًا جديدًا في مسار الديمقراطية الأميركية، يَعِدْ مستقبلًا بإزاحة أميركا من قائمة الدول التي تعني بالحريات وتدعم حقوق الأقليات في العالم، كما أن هذا القرار المُتعسف يعزز من قيمة الطرح الشوفوني المنادي بأن «تكون أميركا للأميركان فقط».
في الواقع، لقد كان هذا القرار؛ الذي لا يشي بخير، هو من البدايات السلبية للممارسة الأميركية الرئاسية الجديدة، فهل سيحمل لنا المستقبل تغييرات إيجابية وتعديلات جيدة تضمن عودة أميركا لمسارها الديمقراطي الصحيح؟.. أم أن أميركا في طريقها لاتخاذ مسار مغاير لكل الشعارات والمُثلْ والمطالبات الإنسانية التي رفعتها منذ عقود؟.
حقيقة؛ لا نملك كمراقبين سياسيين سوى أن ننتظر، فيقيني بأن الغدِ سيحمل معه الإجابة المثلى لهكذا تساؤل.
نقلًا عن صحيفة «الحياة» اللندنية