قاموس «فتحي- فوزية»

الخميس، 26 يناير 2017 11:40 ص
قاموس «فتحي- فوزية»
هبه العدوي تكتب

تعلمنا في مدارسنا أن هناك قواميس عديدة للترجمة بين اللغات المختلفة.. فهناك قاموس «إنجليزي- عربي» و«عربي - إنجليزي» و«فرنسي - عربي» و«عربي- فرنسي »..وهَلُم جرا بكل لغات العالم.

فهمنا أن تلك القواميس كانت بهدف التواصل بين الأُناس المختلفين من شتى بقاع الأرض، في إقرار مسبق ومتفق عليه عالميًا بأن «اللغة» هي إحدى أهم وسائل التواصل بين البشر.

لكنهم أبدًا لم يعلمونا أن هناك قاموس «رجل– امرأة».. و«امرأة – رجل».. فلم نفهم أبدًا أننا كائنان مختلفان تمامًا في طريقة عمل عقلنا وتفكيرنا وإن تشابه منطوق لغتنا.. أما مدلولاتها فدومًا مختلفة.. فقط هم أعطونا رؤية عامة عن الزواج من خلال «الحواديت» ممثلة في الجملة الشهيرة «وعاشوا في تبات ونبات وخلفوا صبيان وبنات».. كيف إذن عاشوا في هذا التبات والنبات؟!.. وترعرع الصبيان والبنات في جو أسري دافئ؟!

تُحدثنا الإحصائيات أن هناك حالة طلاق كل 6 دقائق في مصرنا الغالية علي سبيل المثال!.. وهذا شيء منطقي وبديهي.. فهل تزوج يومًا رجل يتحدث الصينية فقط من امرأة تتحدث الإسبانية فاستطاعا «التفاهم».. دون أن يتعلم «ولو أحدهما» لغة الآخر.. فيستطيع - معه - التواصل!.
فالرجل لغته تتحدث عن «معلومات».. والمرأة لغتها تتحدث عن «مشاعر».

أما عن بداية علاقة فتحي وفوزية فلم تحتج أبدًا لأي ترجمان.. فسهم كيوبيد كان له فعل السحر.. وهرمونات «الأوكسي توكسين والإندورفين» أشعلا هذا الانجذاب الكيميائي بينهما.. وبالطبع للهيب الحب حرارة تذوب معها كل إشارات العقل باحتمالية وجود اختلاف طبيعي بين الجنسين.

ومع اشتعال أول معركة.. وأول اختلاف في الرؤى.. يبدأ كل منهم في الحديث بلغته الخاصة.. دون إدراك أن معانيها مختلفة.. فيدب الخلاف ومعه الشقاق الذي قد يصل– إذا لم يتعلما لغات بعضهم البعض – للطلاق.. فهو ينظر بعين العقل للمعلومة المجردة.. بحثًا عن «حلول» لها.. وهي تنظر بعين القلب للمشاعر المتفجرة.. رغبة فقط في «الفضفضة».. هو يحب «التحديد».. هي تحب «التعميم».

مثلا فوزية لفتحي: إنت عمرك ما حبتني..فتحي لفوزية «لو رد أساسًا»: إيه المبالغة دي.. أمال أنا متجوزك إزاي؟!

ودعونا إذن نلقي نظرة علي حوار بسيط بين فوزية وفتحي وترجمته.. وإلي ماذا انتهى لغياب فهم «معاني ترجمة اللغة بين الاثنين»:

*فوزية بدلال: بقالنا كتير مخرجناش يا فتحي وأنت علي طول مشغول بشغلك عننا..

** «ترجمة فتحي» ستكون أن فوزية تلوم عليه تقصيره ونتيجة لذلك سيقوم بالمدافعة عن نفسه أمامها هكذا..

*فتحي بصوت رزين هادئ: هو أنا بشتغل عشان مين مش عشانكم..

** «ترجمة فوزية» ستكون الشعور بالضيق لأنها ليست تلك هي الإجابة التي تنتظرها فترد هكذا..

*فوزية وقد غابت نبرة الدلال وأصبحت أكثر جدية: لا مش عشاني.. عشان الولاد والبيت..

** «ترجمة فتحي» ستكون مزيدًا من الإحساس الذي يمقته بشدة.. إحساس اللوم عليه والذي يُشعره أنه غير مُقَدر من قِبَل شريكة حياته فيقول..

*فتحي بطريقة حادة: عمرك ما قدرتي ولا حتقدري..

** «ترجمة فوزية» ستكون لحدة لغته قبل منطوق معني كلماته.. فتترغرغ الدموع في عينيها إذا ما كان نمطها الانفعالي «انسحابي» بمعني أنها بطبيعتها تفضل الانسحاب إذا ما اشتعلت المعركة مع أي شخص.. أو تنطلق محتدة عليه في الكلام إذا ما كانت نمطها الانفعالي «هجومي» بمعنى أنها بطبيعتها تفضل الاشتباك إذا ما اشتعلت المعركة مع أي شخص.

*فوزية الهجومية بصوت عالٍ مدافعة عن نفسها: أنا.. مش فاكر سنة 500 قبل الميلاد لما اترفدتي من شغلك إزاي وقفت جنبك.

هي بالفعل كانت زوجة رائعة وقتها.. ولكن «وقت المعركة» والطريقة التي تحدثت بها ستؤدي حتمًا إلى انفصال عقله تمامًا عنها وبالتالي مشاعره.. هو يراها الآن تمامًا كـ«هولاكو» الذي يجلده بسوط اللوم والتقصير في حق بيته..

فإذا كان فتحي «هجوميًا» في انفعالاته.. ستكون تلك بداية اشتعال معركة حامية الوطيس.. الجيران فقط سيعلمون متى تنتهي وكيف انتهت.. أما إذا كان فتحي «انسحابي» في انفعالاته فسيفر من أرض المعركة فورًا مرتديًا أقرب جاكت ومنطلقا للقهوة يكركر دخان الشيشة.. متناسيًا كل ما حدث.

أما فوزية فستحتاج لأن تحكي مع سعاد بنت طنط فكيهة ودودي صديقتها الأنتيم عن كل التفاصيل.. وسيفسرون لها معركتها تبعا لقاموس «فوزية – فوزية».. دون أدنى ترجمة منطقية لهذا «الكائن الفتحي».. وقد تكون إحداهن ذات مُخيلة واسعة.. فتحدثها أنه ربما كان كل ذلك بسبب وجود امراة أخرى في حياته.

وتحت الضغط النفسي ربما صدقت الفكرة.. وإلا لماذا فعل كل هذا وهي فقط كانت تحدثه عن رغبتها في الخروج معه.. وأن يُشعرها بأنه ما زال يحبها كما كان سابقًا.. قبل ضغوط عمله الجديد الذي أصبح يشغل كل وقته.. ومصاريف مدرسة «لولة وفوفو» أولادهما.

قد ينسى فتحي ما حدث معتبرًا إياه زوبعة في فنجان.. أما فوزية فأبدًا لا تنسي.. بل قد تشعل نفس ذات المعركة مرة أخرى.. دون دراية منها ولا منه أنها اشتعلت لعدم معرفتهما بقاموس «فتحي – فوزية».. «فوزية – فتحي»..

عزيزي كل فتحي.. عزيزتي كل فوزية..

خُلقنا مختلفين لنتكامل.. وخُلقت مؤسسة الزواج لتكون جنة الله في أرضه.. جُدرها مودة ورحمة وتفاهم..
فقط لو قرر الزوجان «أو علي الأقل أحدهما» تعلم لغة الآخر..

ألا ترون معي أن الأمر يستحق المحاولة ؟!

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق