منير عامر يتحدث عن حليم وناصر وأسرار ممنوعة من النشر
الإثنين، 23 نوفمبر 2015 09:39 م
استطاع بفضل كتابته المميزة أن يجذب الكبار حوله بداية من إحسان عبدالقدوس الذى ما إن قرأ كتاباته بالصدفة حتى طلبه فى «روزاليوسف»، وانتهاء بالعندليب الأسمر عبدالحليم حافظ الذى عرض عليه كتابة مذكراته بالرغم من صغر سنه الذى لم يتعد الرابعة والعشرين وقتها، هو الكاتب الصحفى الكبير منير عامر والد الإعلامى شريف عامر مقدم برنامج «يحدث فى مصر»، والذى خصنا بحوار خاص فى «عين» قرر فيه الكشف عن كل ما يعرفه عن عبدالحليم حافظ وما لم يكتبه فى مذكراته، سواء ما يخص حقيقة الزواج من سعاد حسنى أم علاقته بعبدالوهاب والرئيس جمال عبدالناصر، وتفاصيل أخرى كثيرة نعرفها الآن.
< أين منير عامر من الساحة الإعلامية الآن؟
- موجود، فأنا أكتب مقالا سياسيا فى جريدة «الأهرام» كل أسبوعين، كما أكتب بملحق «الأهرام» مقالا آخر، أيضاً لم تنقطع صلتى بمجلة «صباح الخير» التى أكتب بها حينما يطلبونى، خاصة أننى معجب بتجربة جمال بخيت الحالية لمشاركته الجميع فى اتخاذ القرار، خصوصا الشباب الذى يستمع لرأيهم مثلما كان يهتم إحسان عبدالقدوس برأينا كشباب.
< يقال إن إحسان عبدالقدوس سبب دخولك الصحافة من الأساس على الرغم من عدم تخطيطك لهذا الأمر؟
- صحيح، ففى صيف عام 1957 رأينا إحسان عبدالقدوس مع عبدالحليم حافظ على بعد أمتار فى بلاج «ميامى» الذى كان يعتبر مثل مارينا حالياً، وبمجرد رؤيتهما نادى صديقى عليهما قبل أن أطالبه بالسكوت لأنهما جاءا للاستراحة من إرهاق الأغانى والكتابة، بعدها بثوانى فوجئت بإحسان عبدالقدوس ينادينى، وقال لى إنه مندهش من استيعابى لما جرى، وأنهما جاءا بحثا عن الراحة بالفعل، ثم طلب منى المرور عليه بعد أسبوع فى كابينته ومعى بعض كتاباتى حين علم بحبى للكتابة.
< كيف كان رد فعلك وقتها؟
- بالتأكيد سعدت جداً لأننى سلمت على إحسان وعبدالحليم حافظ، ثم حضّرت كتاباتى التى امتلأت بها غرفتى وأغلبها كان بعنوان «مشاعر»، وتدور حول حبيبتى، وحينما قرأها أعجب بأسلوبى وطلب منى كتابة أخبار الإسكندرية وإرسالها إلى «روزاليوسف»، شارحاً لى الخبر بأنه ما هو إلا قصة قصيرة مثلما أكتب وبالتالى وافقت.
< من بلاج «ميامى».. هل بدأت علاقتك بعبدالحليم حافظ مثلما كان الحال مع إحسان عبدالقدوس؟
- بالطبع لا، لأن ما جمعنى بعبدالحليم يومها لم يتعد السلام، قبل مقابلته بالمصادفة مرة أخرى عام 1959 عند كابينته على البلاج، حينها سمعته يسأل مجدى العمروسى عن لون عين محبوبته الأولى ديدى أثناء كتابتهما جواب لشركة مرسيدس، يطلب فيه إرسال سيارة بلون عينها الذى حيره هو ومجدى، وفى مساء نفس اليوم، رأيت عبدالحليم يدخل سينما فلوريدا باحثاً عن ديدى التى سبقته وكنت أراقب ذلك من بعيد مع حبيبتى.
< لماذا لم تكتب وقتها ما رأيته على صفحات «روزاليوسف»؟
- لأن مجال الفن لم يكن ضمن دائرة اهتماماتى وقتها، كما أننى كنت أستمتع بأفضل أجازاتى بعد يوم شاق ومحورى فى حياتى كلها، كما أن العندليب له الفضل فى تعيينى فيما بعد، بعدما اقتنع رؤسائى بموهبتى الصحفية.
< ما الذى فعلته فى هذا اليوم ليكون محورى فى حياتك كلها؟
- يوم 1 يوليو 1959 سمعت أن فتحى غانم يطلب محررًا يذهب إلى الإسكندرية، ولما أخبرته بذهابى على الرغم من أنى لم أكن أنوى السفر، طلب منى أخبارًا يكتبها فى باب «أين يذهب الناس فى روزاليوسف؟!»، وعلى الفور سافرت بصحبة تاكسى دفعت له 10 جنيهات، وهو مبلغ كبير وقتها، على أن يجلس معى للساعة الثانية ليلاً، ثم مررنا على كل كازينوهات البلاج من أول الشاطبى حتى المنتزه استمعت فيها لحكايات من الجارسونات، كما ذهبت لأقسام الشرطة وبعدها تحدثت إلى عمال الإنقاذ.
< ماذا حصدت بعد كل ذلك؟
- 150 خبرًا وحكاية انتهيت من كتابتها فى السابعة صباحاً، ثم أرسلتها بواسطة طائرة وصلت القاهرة 10.30؛ لأن شركة «مصر للطيران» كانت تتيح خدمة البريد، بعدها اتصلت بسكرتيرة إحسان عبدالقدوس من أجل إرسال أحد لأخذ الأخبار، ما أدهش فتحى غانم وقتها من سرعتى ليفاجئنى بأننى سأكون أول المعينين، وبالفعل نفذ وعده وكتب اسمى فى قائمة التعيينات قبل مصطفى محمود رغم أنه أقدم منى.
< وكيف أقنعت عبدالحليم حافظ بكتابة مذكراته؟
- أولاً، أنا لم أقنعه بكتابة مذكراته، لأنه هو من طلب منى ذلك حينما قابلته فى باريس منتصف عام 1963 فى عيد ميلاد صباح بناء على دعوة جمال منصور القائم بأعمال السفير هناك، وبالمناسبة هذا الرجل هو من أطلق اسم الضباط الأحرار على التنظيم، لكن القيادة أبعدته فى هذا المنصب، لأنه من سلاح الفرسان الذى لم يكن على علاقة جيدة بعبدالناصر منذ أحداث 1954 لموقفهم الرافض لاستقالة محمد نجيب عكس رغبة ناصر، المهم أننى تفاجأت بعبدالحليم يثنى على كتاباتى ويعرض على كتابة مذكراته.
< هل كامل الشناوى هو من ساعدك فى رحلة باريس تلك؟
- نعم، فحينما رغبت فى السفر لباريس أول مرة ووافقت الجريدة على ذلك بصعوبة، كان علىّ أخذ الإذن من وزارة الإرشاد، وهناك اصطدمت بموظف يقول لى: دورلك على واسطة أنت فاكر السفر سهل؟! فذهبت حزيناً إلى فندق «سميراميس»، وبالصدفة هناك قابلت كامل الشناوى الذى كان يعرفنى، وأثنى على مقال لى باسم «تجربة بنسيون»، ثم رأى غدائى عبارة عن مكرونة، فأمر الجرسون بتغيير الغداء إلى فيليه عزمنى عليه، ثم علم سبب حزنى فقال لى: «اللى زيك يأمر» وأنهى لى قصة السفر بتليفون.
< هل كان دائم الجلوس فى سميراميس؟
- كان دائماً هناك يعزم الجميع حتى إن حسابه نهاية كل عام كان يقترب من خمسة آلاف جنيه من العزائم فقط، وما أن يعلم حسابه حتى يرسله ثلاثة أضعاف المبلغ.
< نعود للمذكرات.. كيف كان رد فعلك وقتها على عرض عبدالحليم؟
- بالتأكيد اندهشت، وسألته لماذا لا تعرض ذلك على أصدقائك من جهابذة الصحافة، خاصة أننى لم أتعد الرابعة والعشرين من عمرى، فرد بأن أسلوبى مختلف، بعد ذلك عدت إلى مصر واستمرت الاتصالات من جانب عبدالحليم لإقناعى حتى أتى عام 66 الذى بدأت فيه الكتابة، قبل أن نصطدم برفض مسئولى «صباح الخير» نشر المذكرات لأن عبدالحليم كان متهمًا بقضية تهريب عملة.
< حدثنا عن تفاصيل تلك القضية؟
- حليم كان يملك مصنع اسطوانات فى قبرص، حامت حوله الشكوك لدخول أموال مصريين به على أن تذهب الأرباح خارج مصر، مما دفع زكريا محيى الدين إلى اتهامه بتهريب العملة تحت ستار المصنع، ما ضايق حليم جداً، لأنه منع بسبب ذلك من الغناء أمام مجلس قيادة الثورة فى المناسبات المهمة، حتى أبطل عبدالناصر التهمة واتصل شخصياً بعبدالحليم أثناء وجودى بمنزله ليبلغه بذلك، لأنه ابن 23 يوليو، قبل أن تكتشف القيادة السياسية فيما بعد أن أموال الأهالى التى تذهب لهذا المصنع هدفها مساعدة أبنائهم الذين يتعلمون خارج مصر، مما نفى التهمة عن عبدالحليم نهائياً.
< هل صحيح أن عبدالحليم أنقذ حياة شريف عامر من الموت حينما كان طفلاً؟
- بالتأكيد، لأننا بعد 12 يومًا من مولد شريف تفاجأنا بإصابته بالتهاب رئوى حاد يحتاج إلى علاج غير موجود بمصر، فكتبت القصة بمقال دفع عبدالحليم بمجرد قراءته إلى إحضار الدواء من بيروت بكميات كبيرة تكفى لسنوات ومعها ورقة يدعو فيها بالشفاء لشريف، الأمر الذى جعلنى بعد ذلك أفكر فى كتابة المذكرات مرة أخرى.
< ما أهم النقاط التى رفض عبدالحليم كتابتها فى مذكراته؟
- عبدالحليم اتفق معى على أن أنشر ما يختاره، وعلى أن أنشر بعد وفاته ما أريد، ولذلك كتبت فى البداية حلقات سميت «حياتى»، وبعد ذلك كتبت «أسرار حياتى» بعد وفاته، كما منحنى ورقة بتوقيعه تمنحنى الحق فى ذلك، وهى موجودة فى خزينة «روزاليوسف».
< ما قصة زواجه من سعاد حسنى التى لم تتعرض لها فى كل كتاباتك؟
- لم أتعرض لقصة زواج، لأنه لا وجود لأى زواج بينهما، فالأمر لم يتعد قصة حب تخللها نية الزواج عام 63، حينما كانا فى المغرب وذهبا إلى إسبانيا من أجل شراء «العفش» قبل أن يعودا للقاهرة وينهى عبدالحليم القصة كعادته فى كل قصص الحب التى عاشها.
< مع هذا الحب.. لماذا أنهى فكرة الزواج من سعاد حسنى؟
- كان محتارا بين رأى مصطفى أمين الذى أخبره بضرورة عدم الارتباط خوفاً على انهيار شعبيته، ورأى إحسان عبدالقدوس الذى نصحه بالزواج بمن يحب، لكن يبدو أنه فضل الرأى الأول، خاصة أنه كان يعيش مأساة تتمثل فى تليف كبده مما سيؤثر على أى علاقة زوجية.
< ما تفسيرك إذن لما يردده مفيد فوزى حول تأكيد الزواج بينهما حتى اقتنع الغالبية بذلك؟
- كل شخص حر فيما يقول، لكن الحقيقة هى ما أقوله، خاصة أن مفيد فوزى قال إن دليله تسجيل بصوت سعاد حسنى، وحينما سئل عنه أعلن أنه احترق، ولذلك لن أعلق على كلامه.
< ما حقيقة استعانة المخابرات المصرية بسعاد حسنى مما أغضب عبدالحليم ودفعه لتركها؟
- أولاً، ما لا يعلمه الكثير أن عبدالحليم هو من أنقذ سعاد حسنى من أنياب المخابرات حينما لجأت له عام 1965، حينما عرضت عليها المخابرات تجنيدها، ليسارع عبدالحليم إلى مكتب عبدالحكيم عامر الذى أجرى اتصالاته حتى أتى أمر من مكتب عبدالناصر يمنع فيه اتصال المخابرات بسعاد حسنى بعد ذلك، لكن ذلك كان بعد فترة من انتهاء علاقة عبدالحليم بسعاد أصلاً.
< هل يعنى ذلك أن عبدالناصر كان على دراية باستعانة جهاز المخابرات بالممثلات من خلال غرف النوم؟
- لا يوجد جهاز مخابرات فى العالم أجمع لا يستخدم كل الوسائل القذرة من أجل صالح بلده، حتى الحكم الإسلامى فى السودان استعان بذلك حينما قبض على القاتل المحترف كارلوس من خلال امرأة أرسلها له حسن الترابى الذى يعتبر زعيم الإخوان المسلمين هناك.
< ماذا عن نادية لطفى.. هل استعان بها صلاح نصر رئيس المخابرات أم لا؟
- تم عرض الأمر عليها من خلال أحد الضباط ولكنها ضربته بالجزمة ليكون أبلغ رد على المخابرات التى لم تطلبها بعدها، لكن للأسف فى مصر نحن نحب تدليس ما نملك من ثروات.
< نعود لعبدالحليم.. ما الذى دفعك لكتابة «نساء فى حياة عبدالحليم» بعدما كتبت «حياتى» و«أسرار حياتى»، خاصة أنه اعتبر من وجهة نظر البعض فضيحة آنذاك؟
- ما دفعنى لذلك هو علمى بأن عادل حمودة نائب رئيس تحرير مجلة «صباح الخير» وقتها، كان يهتم بصحة رئيسه صلاح حافظ لدرجة أنه حين مرض كان يغير له ملابسه، لذلك على الرغم من وجود فجوة وقتها بينى وبين حمودة، إلا أننى فاجأته بنيتى فى كتابة «نساء فى حياة عبدالحليم» على صفحات «صباح الخير» لرفع توزيعها لاحترامى موقفه تجاه معلمه، وبخصوص الفضيحة، فأبرز من هاجمونى مجدى العمروسى، حينما قرر رفع قضية علىّ، لكننى لم أهتم لأننى أعرف عن عبدالحليم ما لا يعرفه أحد مثلما قال طبيبه الخاص، بأننى الوحيد الذى كان يدخل له غرفة نومه ويحدثه فى أى وقت بينما البقية كانوا يعرفونه «من بره».
< لماذا هذه المكانة الخاصة؟
- لأن معاملتى معه اتسمت بالندية، فمثلاً حين عزمنى فى كازينو «الليدو» بباريس للاستمتاع بعرض استعراضى أشبه بالفيديو كليب حالياً، ودفع لى 150 فرنكًا، أسرعت فى اليوم التالى إلى صديقى على السمان واقترضت منه 500 فرنك لأعزم عبدالحليم فى أغلى مطاعم باريس، حتى إننى دفعت يومها 400 فرنك جعلته ينظر لى باختلاف عن البقية الذين كان يلقبهم بأسماء منها «محمد 30»، لأنه كان ينتظر منه 30 جنيها، وآخر «شرابات» وثالث «ستائر» وهكذا. أيضاً هناك سبب آخر لاحترامه لى.
< ما هو؟!
- قبل نشر المذكرات سألنى عبدالحليم عما سأتقاضاه نظير كتابتى للمذكرات؟ فسخرت منه بحجة أننى أحصل على راتبى من الجريدة نظير عملى، وبالفعل منحتنى الجريدة بعد صدور المذكرات حوالى 10 آلاف جنيه إلى جانب 4 رحلات لخارج مصر على حسابهم نظير ارتفاع التوزيع إلى 180 ألف نسخة يومياً، وذلك بسبب حيلة ذكية استخدمتها حينما استعنت بإعلان صوتى لحليم فى الإذاعة عن مذكراته.
< من وجهة نظرك.. هل كان عبدالحليم حريصا على الاتصال بكل الصحفيين حتى يبقى فى الصورة؟
- حين كنا فى باريس أخبرنى بأن المطرب خارج مصر له مكتب إعلامى مسئول عنه، بينما عندنا لا بد أن يكون الفنان مؤسسة إعلامية فى حد ذاته، لذلك انتبهت لحرصه على الاقتراب من الكل كبارا وصغارا، وبالفعل كان ذكياً فى ذلك.
< هل تعلم ذلك من محمد عبدالوهاب؟
- عبدالحليم ميزته أنه تعلم من الكل، لكن عبدالوهاب يبقى مؤسسة مثلما كانت مبدعة كانت قاتلة لأى موهبة قد تنافسه، ولعل أبسط جرائمه قتله موهبة ابن أخيه سعد عبدالوهاب الذى عينه مدير الموسيقى والغناء فى إذاعة جدة مقابل مرتب مغر ليترك التلحين، لأنه كان أفضل منه، وعلى فكرة إحسان عبدالقدوس حذر الموجى وكمال الطويل وحليم منه لكنهم كانوا أذكى.
< كيف تغلبوا عليه؟
- ذات مرة أعطى عبدالوهاب 50 جنيهًا للموجى مقابل ربطه جملتين عبر لحن مثلما كان يفعل مع ملحنين كثر، ويدعى أنها ألحانه، وحينما علم حليم غضب وحذر الموجى من تكرار الأمر.
< بمناسبة الموجى.. هل تزوج من إحدى محبوبات عبدالحليم بالفعل؟
- صحيح، وكانت تلك المرأة هى الراقصة ميمى فؤاد التى جمعتها قصة حب بعبدالحليم، وحينما رفض زواجها عاقبته بالزواج من صديقه لمدة 15 يوما فقط، فعبدالحليم –كما ذكرت- كلما اقترب من الزواج كان يرفض ربما لأنه تربية ملجأ ولم يعتد على جو العائلة فى الصغر.
< هل هناك فى حياة عبدالحليم ما لم تكتبه وتنوى كتابته فى الفترة المقبلة؟
- على الرغم من أننا نتكلم عنه منذ وفاته، إلا أن فصول حياته ما زال بها الكثير، لذلك أنوى كتابة القصة الكاملة إذا سمحت حالتى الصحية، خاصة أننى فى السادسة والسبعين من عمرى.
< نذهب إلى الرئيس عبدالناصر.. ما قصة جيرتك له قديماً؟
- منزل والده فى الإسكندرية كان فى شارع كنانة الموازى لشارعنا، وبالتالى نحن على معرفة بعائلته مثلما كانوا يعرفوننا، ولذلك حين قابلته بالصدفة فى مكتب قيادة الثورة عرفنى بنفسه وهو يسلم على بقوله «جمال عبدالناصر»، فقلت له طبعاً يا افندم غنى عن التعريف، وأخبرته بأننى منير عامر ليقول لى: «أنت ابن الأستاذ منير مش منير»، وقد كان محقًا، لأن إحسان عبدالقدوس هو من اختصر اسمى من محمد باشا منير عامر إلى اسم أبى.
< ما الذى دار بعد ذلك؟
- سألنى بعد ذلك عن أخبار العائلة ومعاش الوالد، قبل أن أخبره بعدم وجود معاش، لأن الوالد توفى قبل بلوغ الستين، ولذلك لم نحصل إلا على مكافأة بحسب القانون الذى أقره إسماعيل صدقى سابقاً، وما إن خرجت حتى علمت أنه أصدر قرارا بمنح المعاشات لأسرتنا وكل الأسر التى تشبهنا فى لفتة طيبة تعبر عن إنسانيته.
< هل هناك مواقف أخرى جمعتك بالرئيس الراحل عبدالناصر؟
- أرسل لى يشكرنى مرة على مبادرتى فى السويس لتشغيل كل العاطلين، حينما سألت شعراوى جمعة محافظها ونائب مدير المخابرات السابق: فى مؤتمركم ما عدد العاطلين بمحافظتك؟ ليجيبنى بعدم علمه ويطلب مقابلتى فى اليوم التالى لسؤالى عن دوافع السؤال، فأخبرته أننا نحارب فى اليمن ونبنى السد العالى، مما يجعلنا نحتاج لأيد عاملة تتعلم فى الورش التى تملأ السويس، وفوراً أرسل عربة تطلب من العاطلين كتابة أسمائهم لتعليمهم الحرف.
< هل عرض عليك شعراوى جمعة أى أموال نظير كتابتك عن التجربة فيما بعد، خاصة أنه اشتهر بذلك مع الصحفيين؟
- لا، لأنه علم من المقربين منه أننى لست من تلك النوعية، خاصة أنه اعتاد على أتباع أحمد طلعت المحافظ الذى سبقه فى منحه ثلاثين جنيها لكل صحفى يسافر السويس ليكتب عنه جيداً، ولذلك أصبحنا أصدقاء.
< ما قصة اتهامك من قبل المخابرات فى قضية بسبب أحد السفراء وضعت على إثرها تحت المراقبة لفترة؟
- حينما سافرت باريس أول مرة أعطانى السفير عبدالمنعم النجار خبرا يؤكد أن الجنرال ديجول منع تسليح إسرائيل، فأرسلته بسرعة إلى إحسان عبدالقدوس الذى رد على بعد خمسة أيام برسالة فيها نص الخبر وقصاصة ورقية من «الأهرام» تحمل خبرا يؤكد تسليح إسرائيل من قبل فرنسا بأسلحة جديدة، بالإضافة لورقة أخرى كتب فيها «أخى منير استمتع برحلتك ودقق فى أخبارك»، مما سبب لى إحراجا كبيرا.
< ما الذى فعلته بعدها مع السفير؟
- اندفعت إلى السفارة ومعى الرسالة، حتى فتحت باب غرفته أثناء اجتماعه وسألته أمام الجميع «مين عينك؟»، فقال لى عبدالناصر، فقلت له: ظلمك، لأن آخرتك مدير استقبال الجنازات فى عمر مكرم، فهددنى بقدرته على ترحيلى، فقلت له: ولا 15 زيك، ومن كلامى ظن الرجل أننى على صلة قرابة بعبدالحكيم عامر.
< كيف تطور الأمر بعد ذلك؟
- بعدما اطمأن أننى لست على أى صلة بعبدالحكيم عامر، كتب فى شخصى تقارير وصفنى فيها بأبشع التهم، منها تعاملى السيئ مع الهيئات الأجنبية، مما جعل ضابط مخابرات يدعى أنه مستشار بالسفارة وطلب منى مقابلة أهم الشخصيات فى باريس، فوافقت بشرط الاستفادة بها فى مقالاتى فوافق، وأتاح لى فرصة مقابلة العقول المفكرة فى فرنسا بصحبة المترجم على السمان.
< متى اكتشفت أن هذا الشخص ضابط مخابرات؟
- هو من أخبرنى باسمه الحقيقى بعدما انتهيت من عملى، واكتشف أننى برىء، لأنه أعطانى ظرفا أخبرنى أنه يحمل تكاليف مواصلاتى، فاستنكرت فعلته وأخبرته بأن الفارق بين المواطن والعميل هو «القذارة» دى، ثم رميت الظرف متفاخراً بعملى داخل إذاعة فرنسية أعرض بها كتاب أسبوعيا مقابل 500 فرنك، أقيم بـ47 منها، أما طعامى وترفيهى فلا يكلفنى زيادة على 200، ثم أوفر الباقى، ليعتز الرجل بى جداً ويخبرنى فى النهاية أنه كان يراقبنى بناء على تقارير السفير الكاذبة حولى، ثم طلب منى الذهاب لشعراوى جمعة بعدما علم أنه صديقى ليساعدنى فى محو آثار كلام السفير.
< كيف ساعدك شعراوى جمعة فى تلك الأزمة؟
- أرسلنى إلى زغلول كامل، مدير الخدمة السرية ومسئول الشبكات، والذى أرسل بدوره جوابا للسفير عاتبه فيه على ما كتب من معلومات مغلوطة تجاهى، ثم أصبحنا أصدقاء قبل أن ينتقل عام 1965 إلى مكتب الرئيس عبدالناصر وتتوطد صلتى بهذا المكتب أكثر.
< ما علاقة عائلتكم بالملك فاروق؟
- لسنا أقاربه، فالصلة الوحيدة التى تربطنا به هى أن الفيللا الملكية الخاصة به كانت تبتعد 2 كيلو فقط عن أرضنا بالشرقية، مما كان يجعلنا نذهب لنشاهد غرفة نومه من بعيد، وكنا نرى صورة كبيرة معلقة فى الغرفة لناهد رشاد إحدى وصيفاته.
< الكثير حالياً يرون أن الملك فاروق ظلم من جانب إعلام 23 يوليو الذى حرص على تشويه صورته.. فما تعليقك؟
- الملك فاروق لم يكن يحتاج لتشويه صورته، لأنه شوهها بما فيه الكفاية فى حياته، وقد كان عبدالناصر رحيم به، حينما لم يعدمه مثلما كان طنطاوى والسيسى رحماء بمبارك الذى لا يقل بشاعة عن فاروق، لأنه ارتكب من الجرائم الكثير.
< ما أكبر جريمة استحق مبارك عليها الإعدام من وجهة نظرك؟
- كل ما يحدث فى سيناء مسئولية مبارك الذى أوقف خطة تنميتها التى بدأت فى أواخر عهد السادات، حتى أثمرت أرض سيناء الخوخ والنخيل، ولكن مبارك أوقف كل ذلك لتصبح سيناء خاوية على عروشها وبيئة صالحة للجماعات الإرهابية.
< «والدى لم يساعدنى ولكنه جهزنى كى أعتمد على نفسى».. هذا كل ما قاله شريف عامر بخصوص علاقتك به فى عمله فهل تتفق معه؟
- بالتأكيد، فمنذ أن كان صغيراً ولم أتدخل فى أى قرار فى حياته وليس لى علاقة بما وصل له إطلاقاً، فحينما كان شريف فى الصف الأول الثانوى عمل مشكلة مع مدير نادى الصيد منع على إثرها من الدخول بصحبة «شلته»، فحاولت استغلال وجوده بجوارى عبر عرضى عليه ترجمة الكتب مقابل 2 جنيه خلاف مصروفه الذى كان يتمثل فى جنيه واحد، واستطاع شريف ترجمة أكثر من كتاب أهمها I never know I have choice الذى أثر فى حياته، وطبع 22 مرة.
< هل يخفى شريف شقاوته خلف وجهه الذى يتسم بالوداعة منذ أن كان صغيراً؟
- لا فمشكلته القديمة كانت ظلم، لأن مدير النادى اعتاد كل إجازة دراسية فصل مجموعة من الطلاب، وكان الدور على شريف وأصحابه متهماً إياهم بالتسبب فى دوشة كبيرة، وهذا غير حقيقى.
< شريف فى الأصل خريج سياحة وفنادق، فكيف دخل المجال الإعلامى؟
- كان يبكى من أجل دخول سياحة وفنادق، وتخرج من العشرة الأوائل فى الكلية، لكنه فور العمل لم يرغب فى الاستمرار بتاتاً، ومرة كنت أتحدث إلى أحد أصدقائى فى الإذاعة وأبلغته عن أمنيتى فى أن يعمل ابنى فى الترجمة، فقال لى: «هو أنا عامل شركة سياحة!»، فذكرت له أن ابنى فى الأصل خريج سياحة وفنادق وأنى لا أبغى واسطة، ليطلب منى أن أجعل شريف يتقدم للامتحانات التى لم يتقدم إليها أحد، وحينما امتحن أبهرهم جميعاً لأن شريف متمكن من اللغة الإنجليزية مثل العربية.
< وكيف وصل إلى تقديم البرامج؟
- التقى حسن حامد أثناء تأسيسه لقناة «النيل للأخبار»، فعرض عليه الأخير أن يعمل معه، فوافق شريف على شرط ألا يخبرنى حسن بذلك نهائياً، قبل أن يتمكن شريف وحده من التألق والوصول من الإعداد إلى تقديم البرامج.
< ما أحسن حلقة تفضلها فى تاريخ شريف عامر؟
- أنا معجب بشريف دائماً ولا أجد مذيعا محايدا ولديه القدرة على استنباط خريطة الموضوع الذى يبحث عنه من خلال الشخصيات التى يستضيفها، مع احترامه الكامل لها دون البحث عن فضيحة، سوى شريف الذى يتميز أيضاً بأنه لا يضع المشاهد فى درجة توتر، وإنما يحاول تهدئته بالمعلومة، كما لا يهتم بالنجومية.
< استضافة شريف للراقصة صافينار، اعتبرها الكثير سقطة فى تاريخه المهنى، خاصة أن «سى بى سى» وقتها كانت تستضيف الرئيس عدلى منصور.. فما تعليقك على ذلك؟
- لا أخفيكم سراً، أننى انتظرت تلك الحلقة لمعرفة المرأة التى أثارت صخباً كبيراً عند الناس، كما أن عدلى منصور سيتكرر مرات إنما صافينار لا.
< هل كنت سببا فى زواج شريف المبكر فى سن الخامسة والعشرين؟
- أنا لا أتدخل فى حياة أبنائى إطلاقاً طوال حياتى لا فى عمل ولا فى زواج، كما أن شريف تزوج عن قصة حب طويلة منذ أن كان طالباً فى المدرسة وكان معجبا بزميلته، ولما أخبرنى تركته يتخذ قراره حتى اتخذ قرار الزواج منها.
< حرصت على ترجمة أكثر من كتاب حول تربية الأبناء.. ما أكثر كتاب ساعدك فى تربية شريف؟
- بعد أن أنجبت اكتشفت أن الأولاد هم من يربونا لا العكس، ولذلك حرصت على القراءة حولهم، وأهم كتاب ترجمته كتاب «دكتور سبوك»، والذى ساعدنى فى تربية شريف، لأنه يناقش نفسية الطفل بقدرة بارعة.
< نذهب إلى الشيخ الشعراوى.. ما علاقتك به؟
- عام1977 رأيت الشيخ الشعراوى يشرح رحلة الإسراء والمعراج ببرنامجه، وتكرر المشهد أثناء قراءتى للكاتب دانتى اليجيرى الذى ألف «الكوميديا الإلهية»، والذى يعتبر منبعها الإسراء والمعراج، فقررت لقاء الشعراوى الذى أعجبت بأسلوبه جداً، ثم استأذنته فى تحويل حلقاته إلى روايات مكتوبة تحت عنوان «من فيض الرحمن فى تربية الإنسان»، ومن يومها صرنا أصدقاء، وتعرفت على أولاده خاصة سامى الذى دوماً ما كنت أمزح مع والده بأنه لو دخل الجنة سيدخل بسبب دعوة من سامى.