«عم محمد».. شقيان بـ «مقشة وجاروف» (صور)
الأربعاء، 18 يناير 2017 02:08 م
خلع نعليه، وافترش الأرض بمحيط رصيف محطة قطار «القباري» بالإسكندرية.. أخرج من «جيب» سترته الرسمية «ورقة»، بقع الزيت تملاؤها، ومن الجيب الأخر «رغيفين»، وألقى إلى جواره سلاحه.. وضع على الأرض الورقة وفتحها فإذا بها تحوي «فلافل»- كما يطلق عليها أهالي الإسكندرية، وبدأ في تناول طعامه، إنه «عم محمد»، عامل النظافة.
يستحي إذا ما اقترب منه أحد، ويتلصص الطريق بين الحين والأخر، خوفًا من تعليقات المشرفين على عمله، وكلما تذكر جذب إلى جواره سلاحه -المقشة- خوفًا من ضياعها، يدعو المارة لمشاركتها الطعام على الرغم من قلته، وبعد الانتهاء اقترب من إحدى أرصفة «القباري»، ممسكًا بـ «مقشته»، وبدأ في جمع المخلفات من الطريق.
مشقة كبيرة وعرق يسيل، وكلما أكثر في العمل يخرج «منديله القماشي»، ويمسح العرق الذي يسيل، رغم البرد القارس، يسحب خلفه «برميل بلاستيكي»، وعلى مسافات متقطعة، ينحني على الأرض ليحمل الأوراق والمخلفات الصلبة ليلقيها في الصندوق.. اقتربنا منه وألقينا عليه السلام.
دعاه خوفه في البداية إلى الحذر واعتقاد أننا أحد المشرفين عليه، فرد بتثاقل: «الحمد لله ياريس.. الشغل عاجب حضرتك»، وعقب أن إطمئن «عم محمد»، فتح خزائن أسراره، وشاركنا جزء من مشقة العمل اليومية التي يعاني منها، بدءا برحلة جمع المخلفات من الطرقات والشوارع، وحتى عودته إلى المنزل مساء كل يوم.
يقول «عم محمد»: «أسكن في عزبة المطار القريبة من النزهة، منزلي مكون من غرفة، ويعيش معي اثنان من زملائي في العمل، ويبدأ يوم العمل في تمام الساعة السابعة صباحًا، أتحرك مع سيارة جمع القمامة في المنطقة المحيطة بمطار النزهة، ونقوم بتجميع القمامة من الشوارع الجانبية في أكوام حتى تأتي السيارة لحملها، ثم أتعلق في أطرافها، أثناء سيرها إلى باقي المناطق التي من المقرر أن نعمل على نظافتها».
«النباشين أكثر مشاكلنا في الحياة».. بهذه الكلمات أكمل «عم محمد» حديثه، موضحًا أن «النباشين» يمزقون أكياس القمامة وفرزها، وترك محتوياتها مبعثرة على الأرض.. «وبسبب نشر القمامة على الأرض تتجمع الحشرات وتنشر الأمراض، وبالرغم من محاولتنا الابتعاد عن الحشرات إلا أننا لا نستطيع أن نترك القمامة، حتى تظل المدينة نظيفة».
ويضيف: «أنا من سكان كفر الدوار، ونظرا لصعوبة سفري يوميًا قمت وزملائي بالسكن في غرفة أعلى أحدى المنازل، وأتناول وجبات الطعام الثلاثة في الشارع، وأسافر إلى أسرتي في نهاية كل أسبوع ليوم واحد، ولدي ثلاثة أولاد أحدهم في الجيش والاثنين الآخرين في المرحلة الإبتدائية».
تملأ عينيه الدموع، ويتذكر أطفاله الثلاثة وزوجته الحبيبة، ثم يخرج صورة من جيب سترته الرسمية، ويقول بحزن وحسرة: «راتبي 1200 جنيهًا، أدفع منهم أيجار السكن والطعام، ومصروفي الشخصي، وما تبقى أعطيه لزوجتي، ولولا ما يمنحه لى بعض المواطنين الذين أقوم بنظافة محلاتهم ومنازلهم، ما تبقى لأسرتي شيئ».
ويضيف: «زوجتي تحملتني كثيرًا رغم مرضها ولعلمها بصعوبة عملي، لكن يحزنني أن أولادي أحيانا يطلبون أشياء لا أستطيع تلبيتها، لكني أتحمل الإهانات والعمل الشاق مضطرا لإعالة أسرتي»، وأثناء الحديث جاءت السيارة، وأسرع «عم محمد» إلى اللحاق بها لتحمله إلى منطقة جديدة، وهو يحمل في يديه «جاروف ومقطف قمامة».