السلفية التركية بين الانتشار وتآكل العلمانية (تقرير)
السبت، 14 يناير 2017 06:42 م
تعيش الدولة التركية حالة من العلمانية، التي تعود أصولها إلى الروابط المتصله تاريخيًا بمؤسس الجمهورية مصطفى كمال أتاتورك، الذي طوى صفحة الدولة العثمانية في 1928، ورغم ذلك فإن الحالة الدينية التركية، حافظت بقدر كبير على مشربها الصوفية، ومذهبها الحنفي المتجذر في البنية العقائدية للأتراك، على مدار قرون متوالية، أصّل لها علماء الدولة العثمانية وفقهائها.
بيد أن ظهور الحركة «الوهابية» مع منتصف القرن الـ18، كان لها عميق الأثر في التحولات الفكرية، التي حدثت بعد ذلك مع مطلع القرن الـ19، خاصة مع تعاظم التيار السلفي الوهابي في الجزيرة العربية، وتمدده في المشرق والمغرب على حد سواء، الذي كانت لتركيا نصيبًا لا بأس به منه حتى وإن كان بالنذر اليسير.
وفي كل الحالات، كان النموذج السلفي المتاخم للحدود للتركية، مرفوضًا في كل حالاته وخاصة القريب منهم إلى «الوهابية»، الذين جسدوا صورة الخوارج في عقل الأتراك.
ومع مرور الوقت، بدأت السلفية تشق طريقها داخل دروب أنقرة واسطنبول، عن طريق شباب تعلق بالفكر السلفي الجهادي، حينما احتكوا بها في ميادين القتال أثناء حروب البوسنة والشيشان وأفغانستان، وهو ما أردف بـ«الجهادية السائلة»، التي بدأت مع تعاطفهم للفكر الجهادي.
تجلى الحضور السلفي في انتماءات فكرية، تطورت على مر العقود الماضية، وهو ما أصبح مصدر تخويف للنخبة التركية والمراقبين للحالة الدينية، يقول مصطفى زهران، الباحث في شؤون الإسلام السياسي، إن التخوف يكمن في إسهام البيئة الداخلية في خلق ما يسمى بـ«السلفية الجديدة»، تلك التي ترتسم ملامحها في مخيلة الأتراك بأنها سبب إفساد الذوق الإسلامي في المجتمعات، بعد ظهور نسختها الأكثر راديكالية «جهادية».
الاحتكاكات التركية مع بؤر القتال الطائفي، جعلت أثرا كبيرًا في نفوس الأتراك وخاصة ممن ذهبوا للجهاد في بؤر الصراع، فتأثروا بالتيّار السلفي الجهادي، نتيجة تعاملاتهم مع العرب والأدبيات السلفية التي جلبوها من بلادهم.
يوضح «زهران» لبوابة«صوت الأمة»، أن المجتمع التركي يحاول التمسك قدر الإمكان بالتقاليد الصوفية المتجذرة فيه، في ظل ازدياد التخوف من تآكل العلمانية، التي ينظر إليها على أنها حاجز دفاع تركيا ضد التطرف.
السلفية الجديدة في تركيا، زادت مع الوقت وخاصة الجهادي منها وهو ما كشفت عنه مواقع إلكترونية حول وجود كتب لكبار منظري التيار الجهادي، أبي قتادة الفلسطيني، وأبي محمد المقدسي، حيث ترجمت كتبهم إلى اللغة التركية وتم تداولها على مواقع الإنترنت بشكل واسع، كذلك الداعية السعودي أبو الوليد الغامدي، وكان ذلك أحد أسباب تآكل العلمانية.
يرى «زهران» أن التوجه الإسلامي القائم في السلطة «الإسلام الليبرالي»، يدفعها نحو المسار الصحيح، وبذلك تكون أنقرة محمية من الاستبداد العلماني، وأيضا من الممكن استخدامه لتحقيق مكاسب سياسية، وهذا هو الدفاع الوحيد ضد التطرف الناشئ في تركيا والعالم الإسلامي، إلا أنه أبدى تخوفه من أن ينقلب السلفيون على الدولة التركية.
وانتشرت داخل المجتمع نوع من السلفية وهم الذين درسوا في الجامعة الإسلاميّة في المدينة، وتأثروا بالمنهج السلفي، كوضوح أهمية الحديث الصحيح في البناء الفكري، والمسألة العقائدية، وتبنّي ذات القول في الشيعة، وخطر المشروع الإيراني على المنطقة.
وأشار إلى أنه يتم استهداف المؤسسات الإدارية والمباني ومقار الأحزاب السياسية الرئيسية والفرعية وغيرها من قبل النسخة أنصار الفكر الراديكالي، لما في ذلك من مظاهر لا تناسب شكل وملامح الدولة الإسلامية التي في مخيلة هؤلاء السلفيين.
الحرب الأخيرة التي تشنها تركيا على السلفيين المتشددين قد تدير دفة هؤلاء الإرهابيين للداخل التركي، ما يجعل من تركيا رهينة المستقبل، فتقاتل باسم الغرب وتبقى في مواجهة فوهة المدفع السلفي، بحسب «زهران».
يتابع الباحث: هناك بعض الأصوات التركية ترى أنه لمواجهة السلفية بتنويعاتها، خاصة الجهادي منها، أوجب النظر في الأوضاع الصوفية في المشهد السياسي بأن تتخلى عن إطارها النظري الوعظي، وتخلق لها كيانا سياسيا بالتوازي مع تفعيلها دينيا، بأن يواكب خطابها الإرشادي أسئلة الساعة والمعطيات الواقعة والمغايرة، والتحولات الدينية والمجتمعية.
على مدار السنوات الماضية التي تلت الثورة السورية وفتح الحدود للاجئين وتسهيلات دخول الجهاديين إلى الداخل السوري، حملت في طياتها عناصر تركية آمنوا بالجهاد دفاعا عن السنة كما روج لها المعارضون لبشار الأسد، لكن «زهران» يرى أن الحالة السلفية بنسختها القاعدية لم تكن لها حاضنة مجتمعية تسهم في إنتاج أجيال تركية قاعدية، والحال نفسه ينطبق على الحالة الداعشية.