الخطر القادم من غزة
الجمعة، 13 يناير 2017 12:59 م
بدأ الإرهاب يطرق أبواب سيناء عام 2004 بعيدًا عن أسطورة هدوء سيناء في سنوات اللواء حبيب العادلي، وكان الإرهاب يتخذ موعد الأعياد الوطنية موعدًا للدم على نفس نمط اختيار ثوار الربيع العربي نفس الأيام للتظاهر مثل عيد الشرطة في 25 يناير، وعيد الثورة في 23 يوليو، وعيد النصر في 6 أكتوبر.
في ليل 67 أكتوبر 2004 جرت تفجيرات طابا حيث سقط 34 قتيلًا، بينما وقعت تفجيرات سيناء «طابا ورأس شيطان» في 23 يوليو 2005، وراح ضحيتها 88 شخصًا، من ضمنهم سياح ينتمون إلى بريطانيا وإيطاليا وألمانيا وتركيا والتشيك وإسرائيل وأمريكا، وقد أعلن تنظيم «القاعدة» مسئوليته عن الحادثين.
ثم جرت تفجيرات دهب في 24 أبريل 2006 وراح ضحيتها 23 شخصًا، وأسفرت تحقيقات الأمن عن أن المنفذين مجموعة من الفلسطينيين تلقوا تدريبات في غزة.
وبالطبع كانت لهذه العمليات اختراقات في الداخل، تفجير خان الخليلي في 7 أبريل 2005 ما أدى الى مقتل فرنسيين وأمريكي، وتفجير ميدان عبد المنعم رياض في 30 أبريل 2005 دون خسائر في الأرواح، وفي اليوم نفسه وقع حادث القلعة حيث أمطرت منتقبتان حافلة سياحية بوابل من الرصاص قبل أن تقوم إحداهما بقتل الأخرى ثم الانتحار، وهو أول حادث إرهابي نسائي في تاريخ مصر الحديث.
عملية خان الخليلي في 22 فبراير 2009 مما أدى إلى مصرع فتاة فرنسية، ثم حادثة خان الخليلي في 28 فبراير 2009 حينما حاول رجل طعن سائح أمريكي، وفي نفس اليوم جرت عملية إلقاء قنبلة على إحدى عربات مترو القاهرة – الخط الأول بقرب من محطة حلمية الزيتون دون وفاة.
ثم اختتم الإرهاب عملياته في 1 يناير 2011 عبر تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية، ما أدى الى وفاة 23 شخصًا، وأشارت التحقيقات الى ضلوع تنظيم فلسطيني مرتبط بتنظيم القاعدة في غزة.
وكان ملف سيناء في هذه الفترة في يد الداخلية، ولكن الملف انتقل بالأمر الواقع إلى يد القوات المسلحة يوم دخل الجيش بثقله إلى سيناء نهاية يناير 2011 في أعقاب الفراغ الأمني.
وبكل أسف لم يقدّر المصريون قبل عام 2011 خطورة إعلان تنظيم القاعدة المتكرر تبنيه للعمليات الجارية، أو إعلان الداخلية وجود تورط فلسطيني ووجود معسكرات تدريب في غزة.
لا يوجد شيء اسمه إرهاب محلي، هنالك إرهاب دول ومخابرات تتخذ من التنظيمات الإرهابية ستارًا، تمامًا كما قال جون كيري، وزير الخارجة الامريكية، إن أمريكا استخدمت «داعش» للضغط على النظام السوري من أجل التفاوض بشروط أمريكية، إذن من يقف خلف الإرهاب المتدفق إلى مصر من قطاع غزة؟
يمتلك قطاع غزة ساحلا مفتوحًا على البحر المتوسط، وتنقل البوارج الحربية الإرهابيين الى قطاع غزة عبر البحر حيث المياه الدولية، وتعتبر تركيا اللاعب الأول في هذا الملف، حيث السواحل التركية شمال قطاع غزة، كما تغض إسرائيل البصر عن هذه القوافل البحرية، وأيضًا تنسق ايران في بعض المراحل مع تركيا في هذا الملف كما جرى إبان يناير، 2011.
كما أن التمويل الخليجي ليس غائبًا عن المشهد، وفوق كل هذا بعض القوى الأمريكية والأوروبية التي تريد ضبط إيقاع القاهرة على أجنداتها خصوصًا عقب ثورة 30 يونيو 2013.
يبدو التورط التركي والإيراني مفهومًا في إطار الصراع الإقليمي بين القاهرة وطهران وأنقرة، حيث يعرف أبسط قارئ للتاريخ أن كل حكام الدولتين في إطار سعيهم للصعود الامبراطوري في الشرق الأوسط كان الهدف دائمًا كسر مصر بالاحتلال أو الفوضى أو تنصيب حكومات خائنة موالية للفرس أو العثمانيين،
ولكن ما الهدف الإسرائيلي من الإرهاب في سيناء؟
في بادئ الأمر أنهت هذه العمليات بشكل كامل المقاومة الفلسطينية حيال إسرائيل، حيث تفرغ الفلسطينيون منذ انقلاب حماس لتصدير الإرهاب للداخل المصري، بل كانت سلسلة حروب غزة منذ انتهاء الانتفاضة الفلسطينية الثانية لليوم هي محاولات لتوفير سبب مقنع لسكان غزة من أجل اجتياح سيناء في إطار نظرية آرييل شارون «إن سيناء هي فلسطين».
تطورت لعبة حروب غزة عقب الربيع العربي إلى هدف ثانوي، هو جس نبض القيادات المصرية الجديدة عامي 2012 و2014، بينما كان الهدف الرئيسي الذى نجحت قواتنا المسلحة في إجهاضه هو إظهار مصر باعتبارها فاقدة للسيطرة على سيناء، وأن الإرهاب في سيناء يمطر إسرائيل بالصواريخ، ما يجعل إسرائيل وحلفاءها في موقف دفاع عن النفس يستلزم الرد.
وكان الرد حال سيطرة الإرهاب على سيناء هو تدخل أمريكي – إسرائيلي بغارات جوية تتطور إلى إنزال برى، على غرار العملية التركية في حلب السورية اليوم بدعوى حماية تركيا من تنظيمات إرهابية في سوريا كانت تركيا في الأساس هي من تولى تأسيسها.
قدم أبناء مصر ملحمة بطولية في سيناء أجهضت مؤامرة خروج سيناء عن السيطرة، ما يوفر شرعية دولية للتدخل الأجنبي، هكذا نقلت إسرائيل المخطط إلى مربع ثالث مع استمرار الإرهاب.
خلال حرب غزة الأخيرة عام 2014، شهدت كواليس المسرح الدولي ترتيبات مفزعة، حيث جرى مناقشة نشر قوات من حلف الناتو في قطاع غزة، ليصبح الناتو على أبواب مصر، ولكن تطور العمليات في غزة وعدم تجاوب الشعب المصري مع دعوات التظاهر وتجلد القيادة المصرية المنتخبة الجديدة، لم توفر المناخ اللازم لهذا التحرك.
نهاية عام 2015 بدأت المناقشات تجري لتحويل قطاع غزة إلى إمارة إسلامية كاملة مثل تنظيم «داعش»، وأن تصبح غزة هي عاصمة «داعش» الفلسطينية مثلما الحال مع الموصل العراقية والرقة السورية، ورحبت تركيا وإيران بهذا المقترح، بالإضافة إلى أطراف أمريكية وأوروبية، في لعبة ليست بعيدة عن استخدام «داعش» الفلسطينية في إجبار الرئيس المصري على التفاوض مع أمريكا وفقًا لشروط أمريكية كما جرى استخدام «داعش» السورية مع الرئيس السوري للأمر ذاته.
التطور الأخير هو ما جعل مصر تقرر التحرك في ملف السلام، رغم جمود الموقف وعدم وجود مكاسب مصرية حقيقية ولكن المسعى المصري هو إنهاء الانقسام الفلسطيني وتنصيب حكومة فلسطينية معترف بها في قطاع غزة والضفة الغربية ما يقطع الطريق أمام تسليم القطاع إلى دواعش غزة، وكانت مبادرة «السلام الدافئ» الشهيرة هي واحدة من أهم خطوات هذا الدرب.
كل التنظيمات السلفية في غزة نقلت ولاءها من القاعدة إلى داعش، وهنالك تنافس صوري بين «داعش» في غزة وحماس، بينما العباءة الإخوانية واحدة بعيدًا عن سخف لعبة توزيع وتبادل الأدوار.
إن المقلق في التعامل مع ملف غزة هو أن البعض لا يزال يؤمن بجدوى محاورة حماس ووهم أن حماس سوف تكون حائط صد أمام تنظيم «داعش» في غزة، ولم نتعلم حتى الآن من خيانة حماس لكل الوعود التي قدمتها إلى اللواء عمر سليمان واللواء مراد موافي، كلٌ في زمن ترأسه الجهاز الأمني.
هكذا أصبحت غزة بؤرة عالمية للإرهاب لاستهداف مصر تحديدًا، يوفد إلى أراضيها بشكل دوري عناصر إرهابية من دول شتي، بالإضافة الى التسليح والتمويل اللازم، وتقنيات ومواد بناء الأنفاق بشكل مستمر لا ينقطع، بغية استمرار التوتر في سيناء، ويأمل القائمون على هذه المؤامرة أن يتوفر المناخ اللازم في الفترة المقبلة من أجل تسليم القطاع لداعش الفلسطينية، أو تفجيره في وجه مصر بحرب أهلية غزاوية، أو أن يتحول القطاع إلى قاعدة عسكرية لحلف «الناتو» للتوازن مع الوجود العسكري الروسي والإيراني في سوريا.