أسطورة الروهينجا المسلمين
الإثنين، 09 يناير 2017 02:19 م
زخر وسائل الإعلام بصور وأفلام قصيرة عن مجازر بحق المسلمين في ميانمار، ومع أبسط بحث سوف تكتشف أن 99.99 % من هذه الصور والأفلام لم تجرى في ميانمار أصلاً، بينما الدول الكبرى تندد، وتنظيمات الإسلام السياسي تروق للمأساة ولمدى العار الذى لحق برؤوسنا جميعًا.
عقب الاحتلال البريطاني لشبه الجزيرة الهندية، أدركت لندن أهمية الهند، سواء المساحة أو الموقع الجغرافي والثروات والتنوع السكاني، وأنه لا يجب قط أن تصبح الهند يومًا ما دولة موحدة سواء تحت التاج البريطاني أو بعيدا عنه، ومن أجل تحقيق هذه الأهداف عمدت بريطانيا إلى سياسة فرق تسد المعتادة.
للأسف تجاوبت الطوائف المسلمة أكثر من باقي الطوائف الهندية للأجندة البريطانية، وقد قبل المئات من الهنود المسلمين على سبيل المثال المحاربة في صفوف الثورة العربية الكبرى التي أطلقها العميل البريطاني لورانس العرب في قلب شبه الجزيرة العربية ضد الدولة العلية العثمانية عام 1916 في زمن الحرب العالمية الأولى، فكانت البواخر البريطانية تنقل المجاهدين الهنود من الهند للحجاز.
لاحقا أسست بريطانيا الجناح الهندي لتنظيم الإخوان المسلمين في الهند تحت مسمى الجماعة الإسلامية بقيادة الشيخ أبو الأعلي المودودي، وكان للتنظيم دور تاريخي في الحركة الإسلامية التي قادت عملية فصل باكستان عن الهند، ثم فصل بنجلاديش عن باكستان.
كانت ميانمار حتى ثلاثينات القرن العشرين جزءاً من الهند، وتم التعاون بين الزعامات الإسلامية وتلك الولايات الهندية سريعا من أجل إشعال فتنة داخلية أدت إلى اقتتال ما بين البوذيين والمسلمين، ما يعطي لبريطانيا الذريعة في إعلان توصيات لتهدئة هذه الولايات بإعلان انفصالها عن باقي الولايات الهندية تحت مسمى بورما في إبريل 1937، هكذا كان عنف الإسلاميين في بورما سببا لفصلها عن الهند بتدبير بريطاني.
من أهم هذه الولايات كانت ولاية أراكان، التي أصبحت لاحقا تسمى ولاية راخين، والخلاف ما بين سكان باقي ولايات بورما وسكان هذه الولاية كان قديماً، إذ يعتبر أغلب سكان ولايات بورما انفسهم امتدادا للعرق الصيني بينما ولاية أراكان يغلب عليهم الانتماء للهند.
الصراع كان سياسيا بامتياز في بادئ الأمر، خاصة أن نسبة من سكان ولاية أراكان كانوا بوذيين، ولكن الأغلبية المسلمة كما جرت العادة بأوامر بريطانية حولت الأمر الى صراع ديني وان المطلوب هو استقلال الولاية الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة عن بورما ذات الأغلبية البوذية، ثم جرى تنظيم المسلمين في هذه الولاية تحت تسمي قومية الروهينجا.
عقب اشتعال الحرب العالمية الثانية، وقف شعب بورما مع اليابان ضد بريطانيا نظرا لمعاناة بورما من الاحتلال البريطاني، ولكن مسلمي ولاية أراكان أو ما يطلق عليهم الروهينجا المسلمين وقفوا مع الاحتلال البريطاني، وأمام انسحاب بريطانيا التكتيكي من بورما أمام الجيش الياباني، قامت بريطانيا بتسليح الروهينجا المسلمين.
ميلشيات الروهينجا المسلمين في الأربعينات قامت بذبح 50 ألف بوذى بورمي في زمن الحرب العالمية الثانية، ويردد الروهينجا مقولة ليس لها سند تاريخي أن البوذيين قاموا بالرد لاحقا بقتل 40 ألف مسلم.
حينما عاد الاحتلال البريطاني اإلى بورما عقب سقوط اليابان في ختام الحرب العالمية الثانية وتأكد بريطانيا من عدم قدرتها على استئناف السيطرة على الهند، قامت لندن بالاشراف على لعبة فصل باكستان وبنجلاديش من الهند، ثم قامت بتسليح و تمويل الروهينجا من أجل تقسيم بورما أيضا، واتفقت بريطانيا مع الحركات الإسلامية في باكستان والقيادة الباكستانية الجديدة بقيادة محمد على جناح على دعم التمرد الإسلامي في بورما.
منذ عام 1947 حتى اليوم، على مدار 70 عاما، هنالك تمرد عسكري إسلامي يقوده الروهينجا المسلمين في ولاية راخين من أجل فصلها وإعلانها دولة مستقلة أو ضمها إلى بنجلاديش، تمرد عسكري يموله ويدعمه ويدرب كوادره استخبارات غربية على رأسها الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا، بالإضافة الى الدعم السعودي والباكستاني.
يمكن القول إننا أمام عملية شديدة الشبه بما قامت به نفس الدول في ثمانينات القرن العشرين في أفغانستان وتأسيس تنظيم «الأفغان العرب» من أجل ضرب الاتحاد السوفيتي، وفي المسألة البورمية لم تكن الهند وبورما هي المستهدفة فحسب، ولكن بورما تمتلك حدود مشتركة مع الصين أيضا، و هذا هو سر الاهتمام الغربي حتى اليوم بهذه اللعبة.
كما رغب الرئيس الأمريكي ليندون جونسون يوما في نجاح حرب فيتنام لنسخ التجربة داخل الصين، وكما سعى الرئيسان جيمي كارتر ورونالد ريجان في نجاح حرب أفغانستان لنسخ التجربة داخل الجمهوريات الروسية المسلمة (وهو ما جرى في الشيشان لاحقا) ، فإن أمريكا وبريطانيا وباكستان والسعودية سعوا إلى تفجير بورما حتى اليوم لنقل الفوضى إلى داخل الصين، ولا تزال حتى اليوم قواعد تدريب المجاهدين الروهينجا منصوبة جنوب بنجلاديش وتضخ المسلحين إلى الداخل البورمي.
اذل حزب المجاهدين ناصية الحكومة البورمية، ورد الجيش بانقلاب عسكري أزاح الحكومة الفاشلة ونظم عملية عسكرية واسعة النطاق لإنقاذ بورما من المصير الذي ذهبت إليه أفغانستان على يد حركة طالبان لاحقا.
تحول حزب المجاهدين إلى حزب تحرير الروهينجا عام 1972، ثم الجبهة الوطنية لـ الروهينجا عام 1974، ومنظمة تضامن الروهينجا، والمنظمة الوطنية لأراكان الروهينجا، والجبهة الإسلامية لأراكان الروهينجا، وجيش الروهينجا الوطني.
وقد أعلنت الجماعة الإسلامية الباكستانية (الذراع الباكستاني لتنظيم الإخوان المسلمين) دعمها لهذا التمرد، بالإضافة الى حزب المجاهدين في جاوا و كشمير المدعوم من باكستان في الهند، وحركة المجاهدين الباكستانية المرتبطة بالشيخ أسامة بن لادن، والحزب الإسلامي الأفغاني بقيادة قلب الدين حكمتيار رئيس وزراء أفغانستان الأسبق ذو العلاقات الوثيقة مع تنظيمات بن لادن وأيمن الظواهري.
ثم أعلن تنظيم القاعدة دعمه للتمرد وأغدق بن لادن على التنظيمات الروهينجية بالتمويل والسلاح اللازم، وكما سيطر الإسلاميين في أفغانستان حتى اليوم على صناعة وتهريب الأفيون لتمويل الإرهاب فإن الروهينجا سيطروا على السوق السوداء لتهريب زراعة الأرز في بورما حتى اليوم ما يسبب خسائر فادحة لبورما.
وأمام الارتباط المادي والفكري لتمرد الروهينجا مع تنظيم القاعدة، لا عجب أن التمرد صمت بغتة عام 2001 على وقع سقوط حكومة طالبان في أفغانستان التي كانت تأوي تنظيم القاعدة، والحاصل أن تلاميذ الملا محمد عمر وبن لادن قاموا باستدعاء العشرات من مقاتلي الروهينجا إلى داخل أفغانستان للانخراط في العمل العسكري ضد الاحتلال الأمريكي وقوات حلف الناتو بعد أن انقلبت أمريكا على الإسلاميين في أفغانستان واستخدمتهم ذريعة لاحتلال الدولة الأفغانية لأسباب ليست بعيدة عن تطويق روسيا وإيران والصين، والسيطرة على بحور النفط الأفغانية.
وفي عام 2012 اشتعل الموقف مجددا في ولاية راخين حينما اختطف بعض الشباب المسلم فتاة بوذية وتم اغتصابها، فردت الجموع البوذية الغاضبة بقتل 10 مسلمين ما فجر الموقف مجددا، وفى عام 2016 أعلن تأسيس «حركة الايمان في أراكان»، وقد أعلنت منظمة مجموعة أزمات دولية – بقيادة الملياردير الأمريكي جورج سورس – الداعمة للربيع العربي تأييدها للحركة و لنضال شعب الروهينجا.
خلال عام 2016 جرى تسريب معلوماتي من منظمة سورس وتحديدا تقرير يفيد دعم باكستان والسعودية للتمرد، بالإضافة إلى وجود معسكرات تدريب للمتمردين في باكستان وأفغاستان برعاية أمريكية، ما يعني أننا أمام فصل جديد من المؤامرة الغربية التي بدأت عام 1947.
بالطبع هذا لا يعني أن هنالك أبرياء سقطوا من الجانبين، ولكن لم يكن الصراع في ميانمار يوما هو بطش حكومي بالأبرياء المسلمين، هنالك تمرد ذو طابع عسكري يقوم به الروهينجا المسلمين خدمة للأجندة الأمريكية على نفس النمط الإرهابي الذى جرى يوما في أفغانستان و يجرى اليوم في سوريا والعراق وليبيا.