محمد والمسيح.. لقاء الأنبياء
الإثنين، 02 يناير 2017 10:27 ص
محمد والمسيح عليهما السلام شقيقان وحبيبان في الرسالة والنبوة، مما حدا بمحمد إلى أن يهتف قائلا: «أنا أَوْلى الناس بابن مريم.. الأنبياء أولاد علات وليس بيني وبينه نبي.
وفى رواية لمسلم يقدم شقيقه الأقدم فى الرسالة، قائلا: «أنا أَوْلى الناس بعيسى بن مريم فى الأولى- أى الدنيا- والآخرة»، قالوا: كيف يا رسول الله؟ قال: «الأنبياء إخوة من علات.. أمهاتهم شتى ودينهم واحد، وليس بيننا نبي»، والإخوة لعلات هم الأشقاء من أب واحد وأمهات شتى.. وهذا يعنى توحدهم فى أصل رسالاتهم لتوحيد الله وعبادته وطاعته وهداية الخلق إلى الحق.
أما أمهاتهم فشتى، «وتعنى اختلاف شرائعهم التى تناسب أقوامهم وزمانهم، والأهواء والأدواء التي وجدوها في زمانهم.
فبين الرسولين الشقيقين المتعاقبين من المودة والمحبة والتواصل أكثر مما بين الشقيقين المتباعدين في العمر.. وهذا يفسر العلاقة الحميمة بين محمد والمسيح عليهما السلام.. إنها أخوة النبوة والرسالة في ركب الإيمان المتواصل.. فمحمد أَوْلى الناس بعيسى عليه السلام، وأقرب إليه من أي أحد ليس فى الدنيا فحسب ولكن في الآخرة أيضا.
فقلوب الأنبياء الطاهرة لا تعرف الغيرة أو الحقد أو الحسد.. فقد صنعهم الله على عينه، واختارهم لنفسه واصطفاهم لرسالته.
ولذا تجد كل نبي يبشر بالآخر ويقدمه للدنيا كلها سعيدا ومسرورا بمن يكمل الرسالة من بعده.. فهذا يحيى المعروف في الأناجيل بيوحنا، وهو ابن خالة عيسى عليهما السلام، يقدم عيسى ويبشر به قائلا: «سيأتي من هو أقوى مني»، ولو كان هذا من أهل الدنيا لقال: «أنا أَوْلى وأكبر وأقدم وأحق منه»، أو انطوى قلبه بالحقد عليه.
وهذا عيسى عليه السلام يبشر بشقيقه الذى سيخلفه فى الرسالة: (وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يأتي مِن بَعْدِى اسْمُهُ أَحْمَدُ)، وهذا درس عميق «للذين يريدون أن يفرقوا بين الله ورسله» أو يريدون أن يفرقوا بين رسل الله.. إنه يبشر بشقيقه ومحبه الذي سينقل الرسالة من بني إسرائيل إلى أمة العرب ومنها إلى العالم كله.
إنه نفس الناموس الذي أنزله الله على عيسى وموسى ينزل بعدهما على شقيقهما محمد عليهم السلام. كما قال ورقة بن نوفل وهو يطمئن الرسول الخائف من روح القدس جبريل ويرتجف من لقائه: «أبشر، فهذا هو الناموس الذى أنزله الله على موسي».
وعلى نفس المنوال وبذات الطريقة يهاجر الرسولان عيسى ومحمد عليهما السلام.. فالمسيح تهاجر به أمه العذراء مريم، خشية أن يقتله اليهود أو الرومان وهو مازال صبيا.. فلم تجد مكانا آمنا سوى مصر التي احتضنت الرسل وأتباعهم منذ أن وطئها يوسف.
تنتقل أسرة المسيح من فلسطين إلى مصر عابرة سيناء.. وتنتقل فيها آمنة حتى تصل إلى القوصية بمحافظة أسيوط، حيث تعيش هناك فترة.. ولعل رحلة هجرة العائلة المقدسة يطول شرحها، كما يطول شرح أسباب ودوافع وطرق سير النبي مهاجرا من مكة إلى المدينة.. مودعًا مهد طفولته وصباه وبداية رسالته وهو يسح دموع الفراق، قائلا: «إنكِ لأحب البلاد إلىَّ، ولولا أن قومك أخرجوني منكِ ما خرجت»، ويبشره الله يومها بالعودة حتى لا يحزن.. فيعود بعدها بقليل منتصرًا عفُوًّا وفاتحًا رحيمًا.. وكذلك يعود المسيح إلى الأرض المقدسة في فلسطين، بعد أن شب عن الطوق حاملا رسالة السماء التى سبقه إليها يحيى بن زكريا ابن خالته.. إنها سنن النبوة والاصطفاء التي أدركت محمدًا والمسيح عليهما السلام.