الامبريالية الجديدة.. الغياب والحضور

الأحد، 01 يناير 2017 11:13 ص
الامبريالية الجديدة.. الغياب والحضور
حسن مشهور يكتب:

في كتابه «الاستشراق»؛ أشار الدكتور «إدوارد سعيد» إلى أن الاستعمار وإن خرج بجيوشه من العالم العربي والإسلامي إلا أنه لا محالة سيعود؛ وإن كانت هذه العودة ستتخذ أشكالًا أخرى وفي قوالب مغايرة للمألوف عنها.

فقد رزحت معظم البلدان العربية لعقود تحت نير الامبريالية الغربية، وعانت حينها هذه البلدان من ويلات آلة القمع الوحشية لهذا المستعمر ومن استنزافه لثرواتها الطائلة، ويكفي أن نأخذ بلدًا عربيًا واحدًا كالجزائز كأنموذج، وسنجد أنه ليس فقط بلد «المليون شهيد»، وإنما هو ذلك البلد الذي نُهبت خيراته وثرواته من قِبل المستعمر الفرنسي خلال الاحتلال الذي خضع له لعقود.

وإن كانت الدول العربية قد تمكنت من التخلص من الاستعمال وصوره الشتّى سواء أكانت معاهدة أو اتفاقية حماية أوصاية أو غيرها من التسميات «المموهة» لتمرير الثقل اللفظي لمفردة «الاحتلال» على أذن المتلقي، إلا أنه مما اتضح لاحقًا فإن خروجه كان فقط بعنصره البشري وبآلته العسكرية القمعية ليس إلا، في حين أنه كان قد نجح في غرس فكرة الحدود الجغرافية والمناطقية في عقلية وذاتوية الفرد العربي- حاكمًا أو محكومًا- والذي هو بالتالي قام بتمريرها لعقلية جيل تربى على مفهوم انفصالي قاصر بعيد عن كل ما يمت لعروبته وقوميته بصلة، أبرز سماته الأنانية في أقبح صورها، وكذلك الإيمان بمفهوم أشد قباحة وهو «أنا ومن بعدي الطوفان».

الأمر الباعث على السخرية، أنه يبدو أن وجود الامبريالية الغربية كحضور فكري في عقلية المواطن العربي؛ أو في أشكال أخرى كاتفاقات أمنية غير معلنة لم يعد كافيًا لها؛ فوجدناها تعود كاحتلال عسكري مسلح في هيئتها الشخصية وبعتادها العسكري.

جرى ذلك تحديدًا، عقب الحادي عشر من سبتمبر، حيث تمت الإطاحة بنظام «طالبان» الذي تزعمه «الملا عمر» في أفغانستان وتم استبداله بنظام «كرزاي» الموالي للغرب والمعادي للوجود العربي السني هنالك.

ثم وجدنا الميديا العالمية تردد بشكل ببغاوي تلك العبارة الممجوجة، وأعني بها «أسلحة الدمار الشامل» وبأن العراق يمتلك منها الكثير، بل إن المبالغة في التخويف قد وصلت للادعاء بأن العراق قد كان يسعى لامتلاك قنبلة ذرية، وأنه قد صار قاب قوسين أو أدنى من ذلك لامتلاك واحدة كتلك التي استخدمت في الحرب العالمية الثانية وألقيت على مدينيتي هيروشيما وناجازاكي.

لكنا كعرب لم نلتفت لحقيقة الأمر حينذاك، وأن كل ذلك هو جزء من لعبة أممية تهدف لخلق شرق أوسط جديد يدين بالكامل للغرب ولا يستطيع بأي حال الانفكاك من التبعية له، وإن كل تلك الادعاءات عن أسلحة الدمار الشامل ماهي إلا مقدمة وإيذان بالتغيير الثاني الذي تمثل في اجتياح العراق وتعيين «بريمر» حاكمًا لفترة انتقالية تم خلالها تطبيق أطروحة «النفط مقابل الغذاء والدواء».

وهو في الحقيقة مشروع وإن بدا إنسانيًا في ظاهره، إلا أنه في الأصل كان يهدف لامتصاص المليارات من خيرات العراق، ليتم لاحقًا تنصيب جملة من الحكومات المتعاقبة التي اتسمت بالضعف، والتي أزكم فساد بعضها الأنوف، إذ قد كان الهم الرئيس لبعض عناصرها فقط، هو استنزاف ثروة العراق وتغليب طائفة دينية على أخرى، الأمر الذي أسهم في تأجيج الفكر الطائفي على حساب المواطنة الحقة، فكان من تداعيات كل ذلك ولادة التطرف الديني في أشكاله العدوانية المجرمة والقبيحة كجماعة «الزرقاوي» ثم جبهة النصرة وانتهاء بداعش وأفاعيلها المقيتة.

حقيقة أن فلسفة التاريخ تنبؤنا بأن الأمم الحضارية لا تكون في كامل قوتها، ولا تتمكن من فرض وجودها على الآخر إلا إذ كانت على قلب رجل واحد؛ متحدة وموحدة، ونحن كعرب نمتلك ذات التاريخ وذات الحضارة.. فاتحاد فيدرالي أو حتى كونفدرالي لن يكون بالحلم الصعب.


 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق