وثائق بريطانية تكشف: كيف تحققت نبوءة «تاتشر» بشأن ألمانيا؟ (تقرير)
السبت، 31 ديسمبر 2016 01:48 م
قبل شهرين من سقوط حائط برلين، قالت رئيسة الوزراء البريطانية السابقة «مارجريت تاتشر» للرئيس الأخير للاتحاد السوفيتي «ميخائيل جورباتشوف» إن بريطانيا وأوروبا الغربية لا تريدان رؤية ألمانيا موحدة، وطالبته ببذل أقصى ما في وسعه لمنع حدوث مثل هذه الخطوة، حيث كانت السياسية البريطانية المخضرمة، ترى أن زعزعة الاستقرار في أوروبا الشرقية وانهيار حلف وارسو لن يصب إطلاقًا في مصلحة الغرب.
ولم يتم الكشف عن كل تفاصيل اللقاء بين تاتشر وجورباتشوف في العاصمة الروسية موسكو، والذي يعود تاريخه إلى عام 1989، إلا أن عددًا من الوثائق المملوكة للحكومة البريطانية، والتي تم الكشف عنها مؤخرًا، أبرزت نفس الحقيقة وهي عدم تحمس رئيسة الوزراء البريطانية السابقة، والتي لُقبت بـ«المرأة الحديدية»، لفكرة ألمانيا الموحدة على اعتبار أن مثل هذه الخطوة قد تغير حدود ما بعد الحرب، وبالتالي تقويض الوضع الدولي بأسره.
ليست جديدة
الحقائق التي كشفتها الوثائق البريطانية ربما ليست جديدة تمامًا، حيث سبق وأن تم الكشف عنها بواسطة الكرملين، في التسعينيات من القرن الماضي، حيث إنه تم تسريب بعض مما قالته رئيسة الوزراء البريطانية خلال محادثاتها مع جورباتشوف، وذلك في أعقاب خروج الرئيس السوفيتي السابق من السلطة.
من جهته، قال الكاتب البريطاني مايكل بينيون إن «تاتشر» كانت تدرك خطورة الكلمات التي تحدثت بها إلى آخر الزعماء السوفيتيين، ولذا طالبته بعدم تسجيلها، وهو ما وافق عليه جورباتشوف، إلا أنه تم تسجيلها عن طريق المحاضر التي تمت كتابتها من قبل الكرملين، حيث قامت الرئاسة الروسية بالكشف عن بعضها منذ التسعينيات من القرن الماضي، خاصة ما يتعلق بالقلق العميق الذي أبدته رئيسة الوزراء البريطانية جراء التغييرات العميقة التي كانت تشهدها ألمانيا الشرقية في ذلك الوقت.
محاولات شاقة
بحسب الوثائق التي نشرها الأرشيف الوطني البريطاني، فإن مهمة إقناع تاتشر بجدوى خطوة توحيد ألمانيا كانت شاقة للغاية، حيث إن مستشاريها دأبوا على التأكيد بأن ألمانيا الموحدة سوف تكون حليفا لبريطانيا، وأن توحيد الألمانيتين سوف يصب في صالح المعسكر الغربي، والقائم على سياسات الرأسمالية العالمية، وكذلك سياسات البيروسترويكا التي بدأت موسكو في الاتجاه نحوها.
وأظهرت الوثائق المكتشفة حديثًا إفادة كتبها أحد مستشاري تاتشر، قبيل لقائها بالسفير الألماني في لندن، يرجع تاريخها إلى أكتوبر 1990، أكد خلالها أنه من الضروري استخدام كلمات «صديق وشريك وحليف» خلال اللقاء بقدر استطاعتها.
رؤية صائبة
المخاوف البريطانية خلال الحقبة التاتشرية كانت ترجع بالأساس إلى التخوف من احتمالات عودة ألمانيا إلى عصورها النازية التي توسعت سياساتها خلالها على حساب جيرانها الأوروبيين، وهو الأمر الذي يمثل تهديدًا مباشرًا للأمن الأوروبي بشكل عام، ولذا كانت هناك حالة من التخوف غير الطبيعية لدى مارجريت تاتشر جراء ذلك.
وقال الكاتب البريطاني أندرو روبرتس، في تقرير منشور له بصحيفة «تيليجراف» البريطانية، إن تاتشر كانت ترى أن ألمانيا الموحدة سوف تصبح أكثر قوة وبالتالي سوف تتخلى عن حلف شمال الأطلسي «ناتو»، وهو ما يمثل تهديدًا لبقاء التحالف الذي يمثل أحد أحجار الزاوية فيما يتعلق بالأمن الأوروبي ككل، وبالتالي اختلال توازن القوى في القارة لصالح الألمان، وهو ما ينعش أحلامًا قديمة لدى الألمان في عصور ما قبل الحرب العالمية الثانية.
وأضاف روبرتس أن التخوف الآخر لدى بريطانيا في ذلك الوقت هو الإحساس بأن ألمانيا قد تحل محلها كحليف أول للولايات المتحدة، بسبب القوة الكبيرة التي قد تتمتع بها ألمانيا الموحدة إذا ما قورنت بحالها قبل الوحدة، موضحًا أن مخاوف تاتشر كانت حقيقية، في ضوء ما يتحقق في الوقت الحالي، حيث يواجه الـ«ناتو» تهديدات حقيقية في ضوء توجهات الإدارة الأمريكية الجديدة التي يرأسها الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، نحو التخلي عن الحلف في المرحلة المقبلة، إضافة إلى تحول ألمانيا إلى الحليف الرئيسي لأمريكا في أوروبا، وهو ما تجلى في زيارة أوباما الأخيرة لألمانيا، حيث التقى بعدد من القادة الأوروبيين هناك ليعكس الأهمية الكبيرة التي تحظى بها برلين لدى بلاده.