وثيقة موسكو.. انتصار لسوريا أم حماية للأسد؟

الخميس، 22 ديسمبر 2016 02:00 م
وثيقة موسكو.. انتصار لسوريا أم حماية للأسد؟
سعيد محمد أحمد

رغم ما تعرضت له الدولة السورية من أخطار وتدمير لبنيتها التحتية والبشرية سواء خلال معالجة الرئيس بشار الأسد للأزمة السورية منذ انطلاقها قبل ست سنوات، واستمراره في مواجهة تلك التحديات رغم تعدد القوى المتصارعة على الأراضي السورية، إلا أن هناك اتفاقًا يبدو فيه شبه إجماع حول أهمية وضرورة الحفاظ على كيان الدولة السورية واستعادة قواها وإبعاد شبح التقسيم عنها.

الانتصار التاريخي الذي حققه الرئيس الأسد والجيش السوري كان بدعم عسكري روسي وقوى إقليمية على الفصائل المسلحة بكل تشكيلاتها ومسمياتها وإجبارها على الرحيل من مدينة حلب أكبر المدن السورية تعدادًا للسكان بعد حروب طاحنة استمرت لأربع سنوات متصلة.

وتشير الخريطة الجغرافية التي رسمتها القوى العالمية، بالتعاون مع دول الغرب بقيادة الولايات المتحدة في مخطط شيطاني تدميري لدول المنطقة، ليسهل تقسيمها بين القوى المتصارعة، فكانت سوريا النموذج والمثال الحي لدولة لم يتخل رئيسها عن الحكم، ولم يخضع لابتزاز الغرب، ولم يرحل، ولم يتنازل عن السلطة، ولم يفكر أيضًا في الهروب، كما لم يساوم، رغم الضغوط التي مورست على النظام والدولة والشعب.

رغم كل ذلك استمر النظام وبتعاون قوى إقليمية في المنطقة برغم الدمار الذي لحق بالشعب السوري وبنيته التحتية في التصدي لكل محاولات إسقاط الدولة وتقسيمها، كان آخرها مقترح المبعوث الأممي الخاص بسوريا «دي ميستورا» في زيارته الأخيرة لدمشق ومطالبته السلطات السورية بإنشاء سلطة محلية في مدينة شرق حلب، رفضتها دمشق جملة وتفصيلا.

الأمر اختلف اليوم عن البارحة، فقبل ست سنوات مضت، كانت المعارضة المسلحة والتي تضم جبهات متطرفة، على رأسها «جبهة النصرة» تسيطر على معظم أحياء مدينة حلب وتحديدًا في شرقها، إضافة إلى تواجد تنظيم «داعش» الإرهابي، وبدعم مالي وعسكري خليجي سعودي وقطري لتعلن الأخيرة جهارًا عن استمرارها في تقديم الدعم على حساب دمار الشعب والدولة السورية.

والمؤكد أيضًا أن الخريطة السياسية التي رسمت للمنطقة برمتها تبدو آخذة في التغيير والتحول لصالح سوريا مع انقسام المجتمع الدولي حول فرز وتصنيف المعارضة ما بين معتدلة ومتطرفة مثل «جبهة النصرة»، الأمر الذي مكّن الروس من التحرك بحرية كاملة في التعامل مع الملف السوري.

ويرى بعض المراقبين أن الرئيس الأسد انتصر في حربه على الإرهاب في مدينة حلب، وهو ما أكدته العديد من الدوائر الغربية التي تراجعت في الكثير عن مواقفها ضد النظام السوري، من الإصرار على الرحيل، إلى القبول باستمراره في مرحلة انتقالية ربما لن تأتي قريبًا، وفي ظل الفشل الذي واجهه المجتمع الدولي في عدم إحراز أي تقدم على المسار السياسي بدءًا من مباحثات جنيف «1 و2 و3»، وموسكو والقاهرة، بين مختلف أطياف المعارضة المتنافرة والتي تعمل وفق أجندات الدول المقيم لديها كل فيصل.

والمؤكد أيضًا أن مباحثات موسكو بين الأطراف الثلاثة الفاعلة في الأزمة السورية «روسيا وتركيا وإيران» والتي انتهت مؤخرًا بـ«وثيقة موسكو»، جاءت كاشفة للجميع عن أن المخرج السياسي للأزمة في سوريا يبدأ وينتهي بأن الأولوية الأولى هي محاربة الاٍرهاب، وليس إزاحة الأسد والتخلي عنه بالرغم من عدم وجود من يمثل سوريا في تلك المباحثات، لتكون الرسالة واضحة أن الأسد باقٍ حتى عام 2021 وبنهاية مدته الرئاسية.

الأمر أثار الكثير من علامات الاستفهام حول موقف أردوغان تحديدًا الذي طالما نادى بإبعاد الأسد وإقصائه، إلا أنه اليوم وتحت ضغط موسكو على خلفية مقتل السفير الروسي في أنقرة وحالة الارتباك التي أصابت تركيا في التعامل مع تلك الأزمة، وقع أردوغان صاغرًا ومنفذًا لكل ما تطلبه موسكو.

كل الظروف والأحداث الجارية في المنطقة والعالم تصب في صالح الأسد، خاصة أن معظم محاربيه إما رحلوا أو في الطريق للرحيل.. أين ساركوزي؟.. أين أوباما؟.. أين ديفيد كاميرون، وأولاند؟، وميركل تتأرجح تحت وطأة الإهاب.. فلم تعد مسألة وجود الرئيس بشار الأسد تشغل بال الغرب كثيرًا وإنما ما أثار انتباه هو إلحاق الهزيمة بالفصائل المسلحة وداعميها من القوى الإقليمية التي تتصارع على الأرض السورية.

لم تتضمن وثيقة موسكو حتى النظر في مقترح «دي ميستورا» ببدء المفاوضات السياسية في شهر فبراير من العام المقبل.. فمنطق الرئيس الروسي بوتين هو محاربة الاٍرهاب ومواجهة كل من يرفع السلاح في وجه الدولة.. وعدم السماح بشرعنة العمل المسلح في وجه الدولة تحت أي مسمى أو مبرر.

وثيقة موسكو لم تكن مجرد رسالة بل كانت صفعة قوية للدول الداعمة للعناصر والتنظيمات الإرهابية من النصرة وداعش، ورغم ما أنفقته من مليارات الدولارات على مدار السنوات الست إلا أنها ذهبت أدراج الرياح لتقر بعض من دول الجوار -وعلى مضض- بقبول بقاء الأسد.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق