ترشح مانويل فالس للرئاسة الفرنسية.. إصلاح أم انتحار
الثلاثاء، 06 ديسمبر 2016 11:01 ص
"نعم سأكون مرشحا للرئاسة... لدي القدرة للقيام بذلك... فأنا أريد أن أعطي كل شيء لفرنسا التي أعطتني الكثير"، بهذه الكلمات العاطفية أطلق رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس حملته للوصول إلى قصر الإليزيه عن تيار اليسار الوسط أمس الإثنين، لخلافة الرئيس الفرنسي الحالي فرنسوا أولاند، والذي أعلن مؤخرا أنه لن يخوض الانتخابات القادمة المقررة في إبريل القادم، للحصول على فترة رئاسية ثانية.
قرار أولاند بعدم خوض الانتخابات الرئاسية في بلاده يأتي على خلفية انعدام فرصته للحصول على فترة رئاسية ثانية، بحسب الكثير من استطلاعات الرأي، وذلك من جراء حالة عدم الرضا الشعبي عن أدائه خلال السنوات الأربعة الماضية، في ضوء تدهور الأوضاع الاقتصادية وكذلك زيادة مخاطر الإرهاب بصورة كبيرة، خاصة بعد الهجمات الإرهابية التي ضربت باريس مرتين خلال عام 2015، كانت الأولى في يناير عندما تم استهداف مقر صحيفة "شارلي إيبدو" الفرنسية، والتي أدت إلى مقتل 12 صحفيا بينما كانت الثانية سلسلة من الهجمات التي شهدتها العاصمة الفرنسية في نوفمبر من نفس العالم، والتي خلفت حوالي 130 قتيلا.
الرئيس الفرنسي أكد، قبل أيام قليلة، أن قراره ربما يأتي ليمنح نسمة حياة لتيار اليسار الوسط خلال الانتخابات القادمة في ظل الزحف اليميني إلى سدة السلطة في العديد من الدول الغربية بشكل عام، وارتفاع حظوظ مرشح اليمين الوسط في فرنسا فرنسوا فيون، والذي ترشحه كافة الاستطلاعات بالصعود إلى الرئاسة الفرنسية، بعد جولة إعادة أمام مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان، في حين أن مرشحي اليسار يبتعدون تماما عن دائرة التوقعات.
حماية اليسار
انسحاب الرئيس الفرنسي فرنسوا أولاند ربما لا يأتي فقط بسبب انخفاض حظوظه بصورة كبيرة، ولكنه جاء أيضا لإنقاذ التيار الذي ينتمي إليه من جراء انقسام محتمل، في ضوء طموحات فالس التي أعرب عنها في الأسابيع الماضية في عدة حوارات، حيث أكد في حوار الأسبوع الماضي مع "راديو فرنسا" أنه لا يستبعد الخوض في معركة الانتخابات التمهيدية لتيار اليسار الوسط أمام رئيسه، وهو الأمر الذي كان سيضع اليساريين أمام حالة انقسام غير مسبوقة ربما كانت ستبقيهم بعيدا عن الأضواء لسنوات طويلة.
يقول أوليفر فور، المتحدث باسم التيار اليساري الفرنسي، إن وقوف أحد اليساريين أمام رئيس يساري في انتخابات تمهيدية يبدو أمرا غير معتاد، وكان سيمثل حالة من الانقسام داخل الحزب، ستضع أعضاء الحزب أمام اختيار خطير للغاية، وهو الأمر الذي يتزامن مع صعود شعبية التيار اليميني داخل فرنسا بصورة كبيرة.
وأضاف فور، في تصريحات أبرزتها صحيفة "التيليجراف" البريطانية، أن "مثل هذا الموقف ربما كان سيؤدي إلى إقصاء التيار اليساري عن المشهد السياسي في فرنسا لفترة غير معلوم مداها".
الخروج عن خط الاشتراكيين
إلا أن التساؤل الذي ربما يثور حول قرار فالس بخوض الانتخابات الرئاسية الفرنسية، يدور حول ما إذا كان رئيس وزراء أولاند قادرا على تبرئة نفسه من تركة السياسات التي تركها أولاند، والتي كانت سببا في تقويض فرصته للحصول على فترة رئاسية جديدة، وكذلك الانخفاض الكبير في شعبية الحزب الذي يمثله، وفي المقابل ارتفاع حظوظ اليمينيين بصورة كبيرة، أم أن محاولته هي بمثابة انتحار سياسي.
يقول الكاتب الفرنسي نيكولا فينكور إن رئيس الوزراء الفرنسي كان حريصا منذ أن تولى منصبه، على أن يثبت لكافة الساسة داخل حزبه أنه لم يمت سياسيا بعد، وأنه لا يوجد أحد في مأمن من ضرباته، حتى وإن كان الرئيس الفرنسي نفسه، وهو الأمر الذي يفسر خروجه في بعض الأحيان عن نمط السياسات الاشتراكية، من بينها تحديد ساعات العمل بحوالي 35 ساعة أسبوعيا لبعض الفئات، وهو الأمر الذي برره فالس بأن هذا الأمر لا يمثل انتهاكا للقانون الفرنسي.
وأضاف، في مقال منشور له بمجلة "بوليتيكو" الأمريكية، أن "سياسات فالس كانت تعكس طموحاته السياسية الكبيرة، حيث كان الهدف منها تحييد أقرب منافسيه إيمانويل ماكرون، والذي يشغل حقيبة وزير الاقتصاد في الحكومة الفرنسية الحالية، والذي يتم تصويره بالإصلاحي داخل الحزب الاشتراكي، بالإضافة إلى عزل نفسه بعيدا عن السياسات الفاشلة التي تبناها أولاند خلال سنواته في السلطة".
يساري بثوب يميني
محاولات فالس لم تقتصر على إصلاح سياسات الاشتراكيين، في بلاده، بل امتدت إلى السعي نحو تغيير اسم الحزب الاشتراكي، مؤكدا أن الزمن قد تجاوزه، وسعى في الوقت نفسه لمغازلة اليمينيين من خلال تبنيه خطابا مناوئا للتيار الإسلامي المتشدد والتركيز على ضرورة الحفاظ على الهوية الوطنية لبلاده، وهو ما يتشابه إلى حد كبير مع خطاب مرشحة الجبهة الوطنية الفرنسية مارين لوبان، والتي تمثل التيار اليميني المتشدد.
ففي مقال منشور له في صحيفة "جورنال دي ديمانش" في أغسطس الماضي، وهي مجلة أسبوعية تصدر كل يوم أحد في فرنسا، يقول فالس إن هناك حاجة ملحة لإعادة تعريف الدور الذي يلعبه الدين الإسلامي في فرنسا من خلال "ميثاق" يمكن من خلاله خفض التمويل الأجنبي الذي تحصل عليه المساجد مع تدريب الدعاة ليكون خطابهم متوافقا مع المبادئ الديمقراطية.
يقول فينكور إن الدعوة إلى "ميثاق" يعيد إلى الأذهان الاتفاق الذي أبرمه نابليون بونابرت مع اليهود في فرنسا في عام 1801، والتي تأسس من خلالها هيئة يهودية مركزية لإدارة العلاقات الفرنسية مع اليهود، إلا أن كافة المحاولات لإنشاء هيئات تمثيلية للمسلمين فشلت تماما، حيث تم تأسيس اتحاد للمنظمات الإسلامية في عام 1983، ولكنها كانت فاشلة وعاجزة تماما عن تحقيق أي من أهدافها، وكذلك المجلس الفرنسي للعقيدة الإسلامية، والذي تأسس في عام 2003، لم يحقق الكثير وإن كان أفضل حالا من سابقه.