أكذوبة 7 آلاف سنة حضارة
الأحد، 04 ديسمبر 2016 12:01 م
يمكن القول إن الحضارة المصرية القديمة وتاريخ مصر عمومًا نالته حملات تشويه لم تحدث لتاريخ أو حضارة دولة أخرى، هناك ميزانيات تصرف في دول بعينها سنويًا من أجل إثبات أن حضارتهم وتاريخهم أقدم من مصر، وهناك مؤسسات على مستوى العالم متخصصة في هذا المضمار، بالإضافة إلى طابور طويل من المؤرخين تحت الطلب، وانتهاء بخبراء آثار لديهم هوس الإعجاز العلمي للكتب السماوية ما جعل كلا يحبذ تفسير جزء من تاريخ الحضارة المصرية القديمة بما يجعل دينه هو من سبق الجميع.
خبراء العرب قبل الغرب، ومؤسسات إسلامية قبل المؤسسات الصهيونية، تلعب في هذا المضمار، وخبراء آثار حتى لو كانوا علمانيين فإن لديهم تفضيل لتفسير تاريخ مصر وفقًا لرؤى العهد القديم أو الجديد وقاموا بترجمة البرديات وكتابات القدماء المصريين وفقًا لتفسيرهم، ثم اختتم هذا المشهد بما نراه من المصريين حكومة وشعب.
الحكومة تقدم الفتات من التاريخ في المناهج الدراسية العامة، وفي المناهج المتخصصة هنالك العشرات من الأخطاء التاريخية، أما الشعب فحدث ولا حرج، يظن الناس سواء في حقل السياسة أو التاريخ أن منهج البحث العلمي هو البحث عبر شبكة الإنترنت، دون معرفة أن لهذا البحث متخصصين، لديهم القدرة على قراءة الإطار التاريخي والسياسي والعلمي للحقائق، فالحقائق لا يمكن قراءتها مجردة عن سياقها التاريخي والاجتماعي والديني أيضًا.
اليوم أصبح لدينا ما يمكن تسميته تاريخ موازٍ للتاريخ الحقيقي، ومعلومات مشوهة ومبتورة أصبحت حقيقة لا تقبل الجدل، يكتبه أنصاف مثقفين في مقالات تُنشر في صحف مهمة قبل أن تجد طريقها في الكتاب السنوي المجمع في سوق معرض الكتاب ولتصبح هذه القصاصات المبتورة مرجعًا بينما يتوارى التاريخ الحقيقي في المجلدات التاريخية الضخمة التي لا يقرؤها أحد.
وأصبح كل من يقترب من تصحيح هذه المعلومات يواجه أسطولا وجيشًا من المؤرخين تحت الطلب والصحفيين أنصاف القراء قبل أن يكونوا أنصاف مثقفين، أقلام مأجورة من دول الجوار قبل أن تكون مأجورة من الدول البعيدة والغرض هو طمس هوية وحضارات هذا الشعب وجعل تاريخه مجرد نسخة «مسخ» تفيد في مسخها أساطير عربية وعبرية وحتى أوروبية عن تفوقهم الحضاري عن الحضارة المصرية القديمة.
أول الأخطاء التاريخية اعتبار أن تاريخ توحيد القطرين عام 3200 ق.م هو تاريخ بداية الحضارة المصرية القديمة، بينما توجد حقبة تاريخية كبري يطلق عليها عصر ما قبل الأسرات، تبدأ منذ عام 10 آلاف عام قبل الميلاد وهو التاريخ الحقيقي لبدء الحضارات المصرية القديمة، وكانت مصر في كثير من عصوره موحدة أيضًا، وهنالك اكتشافات أثرية تعود إلى عام 5000 ق.م تشير إلى تبادل تجارى مع شعوب فلسطين ما يعني أننا نتحدث عن حكومات وشعب منظم لديه القدرة على التواصل السياسي والتجاري مع دول الجوار.
تُعرف هذه الحقبة باسم «حضارة بداري (Badari culture)، وكعادة المصريين منذ فجر التاريخ المعروف كانوا يأمنون بالبعث والحياة الأخرى والخلود والثواب والعقاب وكانوا يصدرون الفاكهة لشعوب ما يعرف اليوم بشبه الجزيرة العربية، كما عرف عنهم عادة الأخذ بالثأر وكانت عاصمة هذه الحضارة في محافظة أسيوط اليوم، وكانت لهم لغة وأبجدية كتابة ولوائح قوانين تسري على الجميع.
تاريخ هذه الحقبة لا تجده بشكل كامل الا في كتاب صدر عام 1928 بعنوان: «The Badarian Civilisation and Predynastic Remains near Badari»، وذلك في بريطانيا، وهو بحث مشترك بين اثنين من أهم خبراء الآثار في عصرهم هما:Guy Brunton» & «Gertrude Caton-Thompson
وأسماء بعض حكام مرحلة مصر ما قبل الأسرات معروفة، كما أن هنالك اكتشافات وآثار عديدة لهذه المرحلة ما بين عامي 10آلاف ق.م و3200 ق.م، ومن أجل حماية مصر في هذا الزمن السحيق جرى تنظيم أول جيش مصري في التاريخ لحماية البلاد وحفظ الأمن الداخلي، ما يعني أن معلومة تأسيس الجيش المصري في زمن توحيد القطرين هي معلومة خاطئة فالجيش تأسس أولا قبل هذا التاريخ بأزمنة سحيقة قبل أن تقوم الحرب بين مملكتي الشمال والجنوب وكان لكل منهم جيش مستقل قبل أن يظفر الملك مينا بقيادة جيشه لتوحيد القطرين.
وبالتالي نحن لسنا حضارة 7 آلاف سنة حضارة فهذه أكذوبة صنعها الجاهلون بالتاريخ، بحسب علم المصريات الذى يشير إلى بداية حضارة مصر الأولي عام 10 آلاف قبل الميلاد، نحن حضارة 12 ألف سنة.
ولكن ماذا عن اسم هذا البلد؟ هل هو فراعنة أم مصر أم كيمت كما خرج علينا بعض المثقفين هذه الأيام؟
في البداية مصطلح «كيمت» ليس له وجود في تاريخ الحضارة المصرية القديمة، بل هو «رت ن كمت»، ولاحقا «كيمتو»، وكلاهما مصطلحات أطلقها المصريون على أنفسهم لفترة بمعنى «أهل مصر»، وحتى اليوم غير معروف الوقت الذي ظهرت ثم اختفت فيه هذه المسميات والأكثر ترجيحًا أنها كانت مسميات فرعية مثلما سميت مصر بلقب المحروسة في بعض العصور وكانت هناك بعض المراسلات الرسمية تسمي مصر بالمحروسة في عصور ما بعد انهيار الخلافة العباسية.
ولكن عكس المحاولات المشبوهة لتدشين قومية كيمت على حساب القومية المصرية فإن هذه البلاد في الفترة من 10 آلاف ق.م إلى سنوات طويلة بعد توحيد القطرين كانت تعرف باسم مصر وفقًا لعالم اللغويات وصاحب المعاجم اللغوية البريطاني إدوارد ويليام لين «1801 – 1876» والذي قضى سنوات طويلة في مصر لفهم لسان المصريين وأصل كلامهم.
أما مصطلح فرعون فلم يُلقب به أحد من حكام مصر وكان لقبهم منذ عصر ما قبل الأسرات وحتى فناء الأسرة الثلاثين هو «الملك» فحسب، ولم يظهر إلا في بعض سجلات الدولة المصرية الحديثة، وإن حاول بعض خبراء الآثار نسبه إلى بعض سجلات الدولة القديمة وهذا النسب نفيه خبراء آثار ذوو مصداقية معترف بها في المحافل الدولية عن المجموعة الأولى ذات السمعة الضعيفة في المحافل العلمية وبالتالي أن نسمي حضارة على مسمى مصطلح مشكوك في أمره ظهر في طورها الأخير هو أمر منافٍ لأبسط قواعد مناهج البحث العلمي.
ولا يخفى على أحد النوايا العبرية لإطلاق مصطلح فرعون على حكام مصر القديمة في بعض المراجع غير الموثقة أو حتى قيام بعض خبراء الآثار بترجمة كلمة ملك في اللغات المصرية القديمة إلى مصطلح فرعون.
لو كانت هذه الحضارة اسمها حضارة فرعونية أو حضارة كيمتية لتم إطلاق اسمها على العلم الذي يدرسها، بينما علم الحضارة التي قامت في بلادنا اسمه علم المصريات (Egyptology) وليس علم الفراعنة أو علم كيمت، ذلك لأن مؤرخي وعلماء الآثار حول العالم يعرفون أن مصطلح مصر هو الأكثر ترجيحًا عن «فراعنة» الذى لم يطلق يومًا على شعب أو حكام مصر، أو مشتقات مصطلح كيمت الذي أطلقه المصريون على أنفسهم في بعض فترات التاريخ.
ولكن من أين أتى المصريون وأين ذهبت شعوب هذه الحضارة وهل لنا علاقة بهم؟.. هذا موضوع المقال المقبل.