المستشار عدلي حسين محافظ القليوبية الأسبق لـ«صوت الأمة»: مبارك كان نظيف اليد ومحبا لبلده.. وثقته في الإخوان كانت خطأ.. وقراره بالتنحي كان للحفاظ على الوطن

الجمعة، 02 ديسمبر 2016 05:27 م
المستشار عدلي حسين محافظ القليوبية الأسبق لـ«صوت الأمة»: مبارك كان نظيف اليد ومحبا لبلده.. وثقته في الإخوان كانت خطأ.. وقراره بالتنحي كان للحفاظ على الوطن
صورة أرشيفية
حوار- هبة شورى .. تصوير- هبة محمود

عدلي حسين:
انحراف السياسة الأمريكية تجاه مصر في عهد مبارك جاء من بوابة الإخوان
سوزان مبارك لم تكن تتدخل في اختيار أي من المحافظين أو الوزراء
كان الأفضل محاكمة مبارك سياسيا وليس جنائيا.. وحزنت لرؤيته في القفص


في مكتبه المطل على واجهة دار القضاء العالي المهيبة، يعمل لوقت ممتد، يعيد قراءة الأحداث بتعمق، ينكفئ على ‏ملفات القضايا المكدسة، فى هدوء يزيح اللثام عن الملابسات، يتتبع النوايا، ثم يُعمل «حاسة القاضي» التى تبلورت ‏على مدار ثلاثة وثلاثين عاما من التربع على منصة القضاء، وعشرين عاما فى منصب المحافظ، وما بين القاضي ‏والمحافظ ظل المستشار عدلي حسين، محافظ القليوبية الأسبق، متدثرا بثوب الوقار، مأخوذا بالعدالة، مسكونا بقناعاته ‏الخاصة، مؤمنا بأن التاريخ وحده قادر على إماطة اللثام عن حقيقة ما حدث فى ثورة 25 يناير. ‏

بوابة «صوت الأمة» تجولت في ذاكرة المستشار ليكشف لنا كواليس حكم الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك في ‏الحوار التالي..‏

شغلت منصب المحافظ على مدار عشرين عاما، كنت وثيق الصلة حينها بالرئيس مبارك، ما الشهادة التي تقدمها حول ‏ذلك؟

‏- صلتي بالرئيس محمد حسني مبارك كانت وظيفية تماما، فعلى المستوى الشخصي كانت تقف صلتي به عند حدود ‏الوظيفة، فلم أكن أعرفه من قبل تعييني كمحافظ، وقد رشحني الدكتور الراحل عاطف صدقي رئيس الوزراء الأسبق، ‏وكان أستاذى فى كلية الحقوق وهو أستاذ مالية، وظلت صلتي به مستمرة، وأيضا صادق على الترشيح الدكتور أحمد ‏فتحي سرور، رئيس مجلس الشعب الأسبق، وقد رُشحت عام 1992 محافظا لبورسعيد ثم ولسبب ما وفي ليلة حلف ‏اليمين اتصل بي رئيس الوزراء وأخبرني بأننا سنغير المحافظة وأن زميلي المستشار عبدالرحيم نافع، محافظ قنا، سيتم ‏نقله إلى دمياط وأنا أذهب مكانه، فاعتذرت عن عدم قبول المنصب لأن ظروفى آنذاك لم تكن تسمح لى بالتنقل إلى ‏الصعيد، مر عام ويكاد يكون في نفس التوقيت في أبريل 1993 رشحني أيضا نفس الشخصيتين كمحافظ ‏للإسماعيلية، فوافقت لأن الإسماعيلة قريبة وكنت سأنتقل يوميا إليها ذهابا وإيابا، وصباح حلف اليمين تم تغيير ‏المحافظة وأبلغوني بأن الرئيس مبارك قرر أن أكون محافظا للمنوفية، وكانت المنوفية ملائمة جدا لظروفي لقربها من ‏محافظتي الغربية، حينها التقيت الرئيس مبارك لأول مرة في اللقاء الذي تلى حلف اليمين، وكانت له ملاحظتان آنذاك، ‏الأولى كانت متعلقة بصفتي كمستشار في منطوق قرار التعيين كمحافظ، ولفت نظره أن بقية زملائي كان معظمهم ‏لواءات فقال لهم «لا يوجد الآن ما يسمى السيد اللواء، فلتكتب السيد فلان، باستثناء الصفة القضائية والأكاديمية تظل ‏مرافقة للاسم»، فكانت ملاحظته أن الصفة لا تنصرف إلا للمستشارين وذوي الألقاب العلمية.‏

ماذا عن الملاحظة الثانية؟

‏-الملحوظة الثانية خصصها لي مباشرة وقال لي «أنا لا أريدك أن تنحاز لأي شخص يأتيك وأنت فى منصب المحافظ ‏ويقول لك أنا قريب الريس فتمنحه امتيازا ما»، ومازحني قائلا «في واحد قريبي كان بيعمل عمرة وهو عائد في ‏المطار أحضر معه تلفزيون وكان عليه جمرك فقال لجمارك المطار إنه ابن عمى وهو كذلك فعلا فأرسلوا إلى الرئاسة ‏يطلبون سداد مبلغ 300 جنيه قيمة الجمرك وقد دفعتهم وانا مغتاظ من ذلك، فلا أريد ان يحدث شيء كهذا معك عندما ‏تمسك محافظة المنوفية كن صارما معهم ولا تنحز لأحد»، فقلت له اطمئن ولا تقلق ستسير الأمور على ما يرام، ‏الشاهد في كلامي أن هذا الموقف كان بداية علاقتي به والتي استمرت طوال عملي كمحافظ للمنوفية ومن ثم القليوبية ‏وكلها كانت علاقة عمل وكان يجد أن تقيمات الأداء تتسم بفعالية وإنجاز ودقة ويقظة ونتيجة لهذا اختارتنى السيدة ‏سوزان مبارك كعضو فى جمعية «الهلال الأحمر» والمجلس القومى للمرأة والمجلس القومى للطفولة والأمومة لأنها ‏وجدت أعمالي شاهدة على الإنجاز في مجالات خدمة المرأة والعمل الخيري في عملي كمحافظ، وأنجزنا عملا رائعا ‏وبدأنا ننجز مشروعات خدمية مهمة، أولها المكتبات العامة والمرأة المعيلة ومشروع القراءة للجميع، والاهتمام بقضايا ‏الطفولة وهذه كانت الصلة.‏
‏ ‏

كيف فسرت نصيحة الرئيس لك في اللقاء الذي كان عقب حلف اليمين؟

-كان هذا نمطا في حياته، لا يسعى للانتفاع من أحد ولا يقبل أن ينتفع أحد من قرابته للرئيس، وكان نظيف اليد ولا يحابي ‏أحدا على حساب المصلحة العامة.‏

هناك واقعة تحكي تفاصيل تغيبك عن مؤتمر للحزب الحاكم كان يحضره نجل الرئيس جمال مبارك.. ما تفاصيل ذلك؟

‏-أنا ذكرت تلك الواقعة مرارا فقد كان جمال مبارك يزور المحافظات بصحبة بعض الوزراء لشرح برامج أمانة ‏السياسات التابعة للحزب الوطني، وحينما حضر إلى مدينة بنها اعتذرت عن عدم حضور مؤتمره، لانشغالي في أمر بدا لي ‏أهم بكثير من حضور لقاء نجل الرئيس، واعتقدت أن هذا الأمر سيترتب عليه أثر نفسى سيئ لدى الأسرة، لكنني ‏التقيت فيما بعد بالرئيس مبارك في افتتاح القناطر الخيرية وتعامل معي بشكل طبيعي ودون أن يعاتبني أو يظهر قليلا ‏من الامتعاض، وأيضا السيدة سوزان التقيت بها فيما بعد في معرض الأسر المنتجة، وتوقعت أن يكون هناك قدر من ‏العتاب أو ما شابه، إلا أن ذلك لم يحدث إطلاقًا وظلت الثقة قائمة كما هي، وظلت تستعين بمشورتي في مشروعات ‏العمل الخيري، وهو ما اعتبرته دلالة على أن أسرة مبارك لم تكن تفرض مسألة التوريث ولم تكن مطروحة.‏


ما حقيقة ما يشاع حول تدخل السيدة سوزان مبارك في اختيار الوزراء والمحافظين؟

‏-هذا محض افتراء، فالسيدة سوزان مبارك لم تتدخل في اختيار وزير ولا محافظ ولا أي قيادة إدارية وكذلك جمال ‏مبارك، وكان للسيدة سوزان مجال عمل خاص بها في العمل العام وحقوق الطفل والمكتبات ونجحت في تنفيذ ‏مشروعات تنموية وتعليمية كبرى بالتعاون مع منظمات دولية، منها مشاريع تمويل تنفيذ الألف مدرسة في كل ‏محافظة، وربما كانت تختار القيادات التى تتعامل معها مباشرة في المشروعات ذات الطابع الأهلي، وفي الحقيقة ‏كانت دولة مبارك دولة مؤسساتية، وكان من يتولى ترشيح الأسماء لمنصب الوزير والمحافظ الأجهزة الأمنية ‏والأجهزة المعنية والمطلعة بناءا على تقارير تقييم الأداء والمتابعة.‏

هل من قناعاتك أن الرئيس مبارك بريء من دم شهداء ثورة يناير؟

-لقد حزنت عندما رأيت مبارك لأول مرة في القفص الذى يقف فيه المجرمون وعتاة الإجرام، وهذا الرجل أستطيع أن ‏أجزم بغريزة القاضي أنه كان نظيف اليد وطنيا يحب بلده ولم ألحظ عليه انحرافا ولا هو ولا أحد من أفراد أسرته، وأنا ‏أتفهم أن في الثورات تحدث أمور استثنائية، وأنا لا أمانع ولا أجد غضاضة في أن تُحاكم أي شخصية عامة، سواء كان ‏رئيسا أوغيره إذا اقتضى الأمر، والدستور نفسه نظم مساءلة الرؤساء والوزراء، وفي مسألة الدم، فصلت فيها ‏المحكمة، فقد قضى في المحكمة الأولى بالإدانة ثم فى الطعن حكم ببراءته، ثم طعنت النيابة العامة كحقها على حكم ‏البراءة والقضية منظورة الآن، وفي مسألة قصور الرئاسة حكمت المحكمة بدفع قيمة الأموال التي سددت لشركة ‏المقاولون من ميزانية الدولة نظير أعمال إنشاء وتجديد قصور خاصة بأسرة الرئيس، وهي بالمناسبة لم تكن دليلا على ‏فساد مبارك فأنا في بيتي قد أعطي صلاحيات لأسرتي أن تتولى تجديد بعض الأثاث او ما شابه ولا أتدخل في ذلك ‏وأتفرغ لما هو أهم، وأعتقد أنه كانت هناك نية مبيتة للإيقاع بمبارك من قبل جماعة الإخوان، ومن الأوفق إذا كانت ‏هناك ضرورة لمساءلة الرئيس الأسبق أن تكون مساءلة سياسية طالما أنه لم يرتكب الخيانة العظمى، وكان يجب أن ‏يُسأل عما أنجزه.‏


هل عقد نظام مبارك صفقة ما مع جماعة الإخوان؟ وهل فعلا كان يقدمهم لأمريكا على أنهم البديل لنظام حكمه؟
‏-فى الحقيقة كانت تلك رؤية سياسية وقتها، بأن يسمح للإخوان ككتلة موجودة أن تأخذ حظها في الاشتراك في العمل ‏العام وألا يلجأوا إلى العمل السري، وهذا التوجه بدأ فى الحقيقة من أيام المرحوم الرئيس أنور السادات الذى أخرج ‏قيادات الإخوان من السجن، وبعدها خطت الجماعة خطواتها الكبرى في عهد مبارك عندما حصدت ما يقرب من 88 ‏مقعدا برلمانيا، وأذكر أن حزب الوفد أيام المرحوم فؤاد سراج الدين ضم الإخوان إليه حتى ينالوا بعض مقاعد مجلس ‏الشعب من خلال قائمة الوفد، وكان حينها غير مسموح للإخوان بالدخول للبرلمان، وكان الهدف من ذلك توسيع ‏المعارضة وتنوعها. ‏

هل كانت مسألة التلويح بأن الاخوان هم بديل نظام مبارك حاضرة طوال الوقت ؟

-أعتقد أن انحراف السياسة الأمريكية تجاه مصر جاء من هذه البوابة «بوابة الإخوان المسلمين» وتحديدا من تصدير ‏فكرة أن الإخوان هم البديل، والإخوان لعبوا جيدا على هذا الوتر وكان هناك اتصالات مباشرة ولقاءات وصفقات بين ‏قيادات الجماعة والإدارة الأمريكية، وظهر أثر ذلك فيما بعد، وأعتقد أن هذا هو الخطأ الذى أودى بنظام الرئيس مبارك ‏وهو ثقته فى الإخوان وإفساح المجال للتواصل مع الأمريكان.‏



‏ البعض يتساءل: لماذا اختار مبارك التنازل عن الحكم للمجلس العسكري وكان يملك خيارات أخرى؟

- عندما أتامل هذه الأحداث الآن، تنمو لديّ قناعة كاملة بأن الرئيس مبارك فطن منذ اللحظة الأولى إلى أنها مؤامرة ‏اشتركت فيها أياد خارجية وأنها تريد الفوضى والدماء للبلاد فكان قرار التنحي، والكثيرون لم يفطنوا للحكمة من تنازل ‏مبارك عن الحكم، وكان يثار دائمًا هذا الأمر، لماذا أعطى مبارك الحكم للمجلس العسكري ولم يُعطِه لنائبه وقتها، عمر ‏سليمان، طبقًا لدستور 71 الذي كان قائمًا في ذلك الوقت؟، ولو كان مبارك ترك الحكم لنائبه في ذلك الوقت وفقًا ‏لدستور 71، فإنه يمتنع على نائب رئيس الجمهورية في المرحلة المؤقتة أن يغير مجلس الوزراء أو أن يحل مجلس ‏الشعب أو الشورى أو يعدل الدستور، وكانت تلك ممنوعات دستورية على النائب، وتقريبا تمحورت حولها مطالب ‏الثورة، ووفقًا للباب الخاص في الدستور بالقوات المسلحة نجد أنها مسئولة عن تأمين الدولة خارجيًا وداخليًا، ويبدو أن ‏مبارك رأى أن الدولة في خطر شديد خارجيًا وداخليًا، فاستعان بهذه المادة وأسند إدارة البلاد للمجلس العسكري، ليفعل ‏ما يراه للحفاظ على الدولة، وبالتالى استطاع المجلس العسكري في ضوء حفاظه على البلد داخليًا، أن يحل مجلس ‏الوزراء ويحل مجلس الشعب والشورى ويعدل الدستور.‏

هل كان الرئيس مبارك يمتنع عن طلب المشورة ؟

-لا فى الحقيقة وهى شهادة للتاريخ أُسأل عليها أمام الله، كان الرئيس الأسبق مبارك يلجأ لطلب المشورة بنفسه، وفي ‏كثير من الأوقات كان يتصل بخبراء وأساتذة، وأذكر أنه اتصل مرات عدة لأخذ المشورة فى الشأن العام، منها مرة ‏اتصل بي ليستشيرني في إلغاء زيارته لدار القضاء العالي في عيد القضاء، وكان ساعتها تيار استقلال القضاء يهاجم ‏الرئيس وكان الرئيس متأثرا، وسألني: هل سيكون من المناسب أن يذهب وهو منزعج من الهجوم؟، فنصحته ‏بالذهاب وعدم التغيب، وأخبرته بأنه ستحسب له هذه الخطوة وطلب منى أن أرتب هذا الأمر مع رئيس مجلس القضاء ‏الأعلى المستشار عادل عبد الحميد وقتها.‏

‏ وماذا غير ذلك من وقائع؟

‏- أذكر أنه طلب رأيي في زيارة كونداليزا رايس، مستشارة الرئيس الأمريكي آنذاك، وتحديدا حول التصرف في موقف ‏يحتاج إلى تفسير وهو تأخر انتخابات المحليات، وأخبرنى بأن السفير سليمان عواد -وكان سكريتر رئيس المعلومات ‏فى رئاسة الجمهورية - أبلغ الرئاسة بأن مستشارة الرئيس الأمريكي في زيارتها للقاهرة ستسأل الرئيس في أمرين ‏مهمين، أولهما: القضية المحكوم فيها بالإدانة على أيمن نور وملابساتها، وإمكانية العفو عنه، والقضية الأخرى: ‏تأجيل انتخابات المحليات، وكلفني بحضور العشاء الذى يعده وزير الخارجية وقتها السفير أحمد أبو الغيط، وتحسبا ‏لطرح القضيتين كان عليّ أن أعد الرد الملائم في المسألتين وقد وفقت لذلك.‏

هل كان الرئيس مبارك في السنوات الأخيرة يترك شئون الحكم لمن حوله؟

‏-الرئيس كان يتابع، ولم يكن ينسحب تماما، ولكن في الفترة الأخيرة كانت مجموعة لجنة السياسات لها كلمتها في إدارة ‏الشئون العامة، وهذا ليس عيبا ولكن العيب أن ينحرف هؤلاء وهذه مسألة يفصل فيها القضاء.‏




‏ ‏

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق