ذكرى استقلال لبنان الـ73.. أمل بانطلاقة سياسية جديدة (تقرير)
الأحد، 27 نوفمبر 2016 08:29 م
الذكرى الـ 73 لاستقلال لبنان، تذخر أملا بانطلاقة سياسية جديدة، تقاطعت على ابرازها كل الطبقة السياسية اللبنانية، وهذا ما تجلى بانتخاب رئيس الجمهورية في 31 تشرين الاول الفائت، وتكليف رئيس لتشكيل الحكومة، وما سبق هذان الحدثان من أجواء مباشرة وايجابية فتحت الدوائر المغلقة والابواب المقفلة على حراك جديد كان الوطن بأمس الحاجة اليه.
وذكرى الاستقلال تكتسب في حياة الاوطان أهمية كبرى، إلا ان هذه السنة لها أهمية استثنائية في حياة اللبنانيين. فللمرة الاولى منذ سنتين ونصف السنة تقريبا، يسد الفراغ الرئاسي وينتخب رئيس جديد تتويجا لتفاهمات سياسية خلطت الاوراق، وأعادت النظر بالاصطفافات السياسية.
فاستقلالنا اللبناني، كان يمنى احيانا بسلبيات وعلل تظهر في اشكالات وفتن وحروب، بعضها قصير، وبعضها الاخر لأشهر او اعوام عدة. ومع كل فتنة كان البعض يتصور بأن الكيان اللبناني الذي نال استقلاله بجهد جهيد آيل الى الضياع، والهوية اللبنانية مهددة بالتمزق. ولكن ارادة العيش الوطنية المغروسة في الوجدان اللبناني، كانت دائما تعيد احياء الآمال، وبالتالي تفتح السبل أمام مراحل من الازدهار والاستقرار والعمل على ازالة سلبيات الحقب السوداء.
قصة الاستقلال
بعد الحرب العالمية الاولى وخروج العثمانيين من لبنان وباقي المنطقة العربية، دخلت فرنسا الى لبنان ليصبح تحت الانتداب الفرنسي. وفي أيلول من العام 1920 أعلن المفوض السامي لدولة الانتداب الفرنسي الجنرال غورو قيام “دولة لبنان الكبير” عاصمتها بيروت، اما العلم فكان عبر دمج علمي فرنسا ولبنان، وضمت ولاية بيروت مع أقضيتها وتوابعها (صيدا وصور ومرجعيون وطرابلس وعكار) والبقاع مع أقضيته الاربعة (بعلبك والبقاع وراشيا وحاصبيا) فاتسعت مساحته من 3500 كلم مربع الى 10452 كلم مربع وازداد سكانه من 414 ألف نسمة الى 628 ألف نسمة. وفي 23 أيار من عام 1926 أقر مجلس الممثلين الدستور وأعلن قيام الجمهورية اللبنانية. لينتخب بعدها شارل دباس كأول رئيس للبنان.
لم تعترف الحركة الوطنية السورية وممثلوها في لبنان من الزعماء السياسيين المسلمين، بالكيان اللبناني. وفي المفاوضات بين الحكومة الفرنسية والحركة الوطنية السورية في مطلع الثلاثينات، اشترطت فرنسا ان تسلم الحركة الوطنية السورية بالكيان اللبناني لقاء توقيع معاهدة تعترف فيها فرنسا باستقلال سوريا ولبنان. ولقد قبل ممثلو الحركة الوطنية هذا الشرط الأمر الذي أحدث تصدعا في صفوف السياسيين المسلمين “الوحدويين” في لبنان، وراح بعضهم “يتلبنن” مثل خيرالدين الاحدب والبعض الآخر يبحث عن صيغة للتوفيق بين ولائه “القومي العربي”، وبين اعترافه بالكيان اللبناني مثل رياض الصلح وبشارة الخوري.
ومن عام 1930 إلى عام 1943، راحت “صيغة” رياض الصلحبشارة الخوري وغيرهم من طلاب الاستقلال ـ تتبلور، إلى ان تحولت إلى ما سمي بالميثاق الوطني اللبناني، وهو يقوم على المعادلة التالية: من أجل بلوغ الاستقلال، على المسيحيين ان يتنازلوا عن مطلب حماية فرنسا لهم، وأن يتنازل المسلمون عن طلب الانضمام إلى الداخل السوري- العربي.
الحرب العالمية الثانية
في بداية الحرب العالمية الثانية، ازداد الوضع العسكري سوءا أمام الفيشيين، وقلت امداداتهم العسكرية وقل اهتمام هتلر بجبهة الشرق الاوسط ما اضطر الفيشيون لان يقبلوا بشروط الحلفاء لوقف القتال والاستسلام في 8 تموز 1941. وجرت مفاوضات بين الجانبين (الانكليز والفيشيين ) في عكا، انتهت بتوقيع اتفاقية الهدنة في 14 تموز 1941 التي قضت بانسحاب الفيشيين من لبنان وسوريا، بعد ذلك تسلم الفرنسيون السلطة في لبنان وسوريا وحلوا مكان الفيشيين، وتولى الجنرال كاترو سلطة المفوض بصفة مندوب عام لفرنسا الحرة. وكان الجنرال كاترو قد وعد اللبنانيين بالاستقلال في بيانه المؤرخ في 8 حزيران 1941 قبل بدء الحملة العسكرية، الا ان اللبنانيين بمختلف طوائفهم احتجوا على هذا النوع من الاستقلال واعتبروه مزيفا لأن الدستور ما زال معلقا والفرنسيون هم الذين عينوا رئيسا للجمهورية (الفرد النقاش ) واحتفظوا لأنفسهم بحق التدخل في شؤون لبنان الداخلية، وعملوا على ربط البلاد بمعاهدة شبيهة بمعاهدة 1936. لذلك، كان الاجتماع الوطني الكبير الذي عقد في بكركي في 25 كانون الاول 1941، برعاية البطريرك انطوان عريضة وفي حضور ممثلين عن مختلف الطوائف والمناطق، وكان الشيخ بشارة الخوري (زعيم الكتلة الدستورية) ورياض الصلح (زعيم بارز في الحركة الوطنية ) من أبرز المحتجين على استقلال كاترو المزيف. وطالب المحتجون باستقلال لبنان التام وعودة الحياة الدستورية اليه واجراء انتخابات نيابية حرة وتشكيل حكومة وطنية صحيحة.
ومع شعور اللبنانيين بأن الانتداب تحول الى احتلال، وفوز الشيخ بشارة الخوري برئاسة الجمهورية بتاريخ 21 ايلول 1943 وتأليف حكومة برئاسة رياض الصلح ضمت الى الصلح: كميل شمعون، حبيب أبي شهلا، عادل عسيران، الامير مجيد ارسلان وسليم تقلا، أعلن الاستقلال التام، وعمدت الحكومة الجديدة الى اعتماد اتفاق غير مكتوب بين المسيحيين والمسلمين، يعبر عن صيغة عيش مشترك بين اللبنانيين ضمن لبنان الحر المستقل. وقد انبثق هذا الميثاق من خطاب بشارة الخوري، ومن البيان الوزاري الذي ألقاه رياض الصلح أمام النواب.
وتضمن الميثاق المبادئ الآتية:
– لبنان جمهورية مستقلة ترفض الحماية الاجنبية او الانضمام الى أي دولة عربية.
– لبنان وطن لجميع اللبنانيين على تعدد طوائفهم ومعتقداتهم وهو جزء من العالم العربي.
– لبنان موطن الحريات العامة يتمتع بها اللبنانيون على أساس المساواة.
– يتخلى المسلمون عن المطالبة بالوحدة أو الاتحاد مع الشرق العربي، وفي المقابل يتخلى المسيحيون عن المطالبة بالحماية من الغرب الاجنبي.
احالة مشروع تعديل الدستور الى المجلس النيابي، اعتبر في حينها تحديا للمفوض السامي الذي علق الدستور وامر باعتقال رئيسي الجمهورية والحكومة وبعض الوزراء والزعماء الوطنيين أمثال عادل عسيران وكميل شمعون وعبد الحميد كرامي وسليم تقلا واحتجزهم في قلعة راشيا. فقام رئيس مجلس النواب آنذاك صبري حمادة وبعض النواب باجتماع مصغر في بشامون جنوب بيروت وشكلوا حكومة موقتة ورفع العلم اللبناني المكون من ثلاث أقسام الاحمر في الاعلى والاسفل والابيض في الوسط حيث تتوسط الارزة الخضراء. فأعلن الاستقلال بتاريخ 22 تشرين الثاني 1943 وأطلق المعتقلون وتم الاعتراف به في 1 كانون الثاني 1944 وتم جلاء القوات الفرنسية في 31 كانون الاول 1946 وفي عام 1947 انتسب لبنان الى جامعة الدول العربية وهيئة الامم المتحدة.
بعد الاتفاق على صيغة بيان العيش المشترك لم تقم حكومة الاستقلال بزيارة المفوض الفرنسي، كما كان متبعا في السابق لأن ذلك يتنافى مع مفهوم الاستقلال، وقد اعتبرت الحكومة المفوض سفيرا لبلاده في لبنان، لذا عليه، حسب البروتوكول، أن يقوم هو بزيارة رئيس الحكومة للتهنئة، لكن ذلك لم يحصل. وقيام الحكومة بتحديد البيان الوزاري بدون اشراك المفوضية الفرنسية، واصدار الحكومة مذكرة بوجوب استعمال اللغة العربية فقط في الادارات الرسمية، مما عطل دور المستشارين الفرنسيين فيها، فضلا عن اقدامها على تعديل الدستور في 8 تشرين الثاني 1943 بدون موافقة الفرنسيين لانهاء الانتداب وتحقيق الاستقلال واحالة هذا التعديل الى المجلس النيابي لاقراره، كل هذه الامور مجتمعة أدت الى غضب الفرنسيين، فأقدم هيللو في فجر 11 تشرين الثاني 1943 على تعليق الدستور، واعتقال رئيس الجمهورية بشارة الخوري، ورئيس الوزراء رياض الصلح، والوزراء: عادل عسيران، كميل شمعون، سليم تقلا، والنائب عبد الحميد كرامي، وسجنهم في قلعة راشيا، وقضى القرار الذي أصدره هيللو بابطال مفعول التعديل، وحل المجلس النيابي.
وفور سماع نبأ الاعتقال توافد النواب والوزيران الباقيان خارج الاعتقال، حبيب ابي شهلا، والامير مجيد ارسلان، الى منزل رئيس الجمهورية، فعقدوا جلسة تقرر فيها ان يمارس حبيب ابي شهلا بصفته نائب رئيس الوزارة، مهام رئيس الجمهورية، وأن يشكل حكومة موقتة برئاسته يشاركه فيها الوزير مجيد ارسلان، لتقوم مقام الحكومة المعتقلة، بعد ذلك دعا صبري حمادة، رئيس مجلس النواب في ذلك الوقت، النواب الى الاجتماع في المجلس النيابي، فلم يتمكن من الحضور سوى سبعة منهم، فقرروا تعديل العلم الى شكله الحالي وأرسلوا مذكرات احتجاج الى بعض الدول الاجنبية والعربية.
ونظرا لمضايقة الفرنسيين للنواب المجتمعين، توجهوا الى منزل صائب سلام وهناك منح النواب المجتمعون الثقة الى حكومة أبي شهلا الموقتة وأكدوا أن الدستور ما زال قائما رافضين بذلك اجراءات هيللو، انتقلت الحكومة الثنائية الموقتة، المؤلفة من حبيب أبي شهلا ومجيد ارسلان والتي اعتبرت شرعية، الى بشامون، بعد ان انضم اليها صبري حمادة. وهناك أصدرت أمرًاالى مدير مصرف سوريا ولبنان، والى أمين صندوق الخزينة بالامتناع عن صرف أي مبلغ الابعد موافقتها، وأصدرت مراسيم تنكر شرعية اميل ادة، وتأمر الموظفين بعدم اطاعته، وأنشأت الحرس الوطني للدفاع عن مقر الحكومة الشرعية الموقتة.كما ارسلت مذكرات احتجاج الى ممثلين الدول الكبرى والدول العربية.
من جهة أخرى، عين هيللو الرئيس اميل ادة رئيسا للدولة وللحكومة، وطلب منه تشكيل حكومة جديدة، لكن اللبنانيين لم يتعاونوا معه، واندفعوا في الشوارع غاضبين، فقاموا بالمظاهرات وأعمال الشغب، واصطدموا مع الفرنسيين، فأضربت المدن اللبنانية إضرابا عاما، وقام الشباب الوطني بحماية التظاهرات وتنظيمها فضلا عن اشتراك اللبنانيين طلابا ونساء ورجال أعمال ومهن مختلفة في التعبير عن رأيهم الرافض لما يجري، فكان الاستقلال الفعلي الذي أراده اللبنانيون.
الاستقلال
وفي 22 تشرين الثاني من عام 1943 اضطرت حكومة فرنسا الى اطلاق المعتقلين والاعتراف باستقلال لبنان التام بعد صمود اللبنانين حكومة وشعبا، وقد أصبح هذا اليوم عيدا للاستقلال.
عروض عسكرية
ولا يمكننا التحدث عن الاستقلال من دون ذكر الجيش. فمن التقاليد التي تمارس في هذا العيد، العروض العسكرية التي تنظمها قيادة الجيش، والتي تشارك فيها الالوية العسكرية كافة والقوات الجوية والبحرية، والوحدات المؤللة، بالاضافة الى الدفاع المدني والصليب الاحمر وغيرها من الحركات الكشفية، فتغطي سماء الاحتفال البالونات الملونة بألوان العلم اللبناني وعلم الجيش وأسراب الحمام.
وللمناسبة ايضا، توضع اكاليل الزهر على أضرحة رجال الاستقلال والشهداء الذين ساهموا في هذا الانجاز. كما يوجه رئيس الجمهورية كلمة الى اللبنانيين، يشدد فيها على معاني هذا اليوم، داعيا الى الوحدة الوطنية والعيش المشترك.
بدورها، تحتفل المدارس والمعاهد بهذا العيد الوطني حيث توزع الاعلام اللبنانية على الطلاب، وينشد النشيد الوطني.
وفي ذكرى الاستقلال ال 69، شارك محرك البحث العالمي “غوغل” اللبنانيين بعيد استقلالهم عبر تزيين موقعه بأعمدة بعلبك والعلم اللبناني. وظهرت في الصورة اعمدة قلعة بعلبك ملفوفة بالعلم اللبناني مكان حرف “L” من كلمة google التي كتبت بطريقة متداخلة مع صورة للسماء.
واليوم وللمرة الاولى منذ عامين ونصف العام، سيكون هناك عرض عسكري، هو بشارة لعودة عجلة الدولة الى الدوران. المشهد يعكس في طياته فتحا لصفحة جديدة في الحياة السياسية اللبنانية والتفاهمات الوليدة، وضعت الى حد بعيد نهاية لحقبة سياسية تجاوز عمرها العقد من السنين. والواضح ان هذه التفاهمات ستفتح الابواب الموصودة بين المكونات السياسية محورها ضبط التناقضات التي عصفت بالبلاد طوال أعوام عدة، وبالتالي الاحتكام الى الدستور وللعمل السياسي الراقي والحضاري الذي يخدم الدولة ويخدم الانسان في هذا الوطن.