قضية حياة أو موت

الخميس، 17 نوفمبر 2016 11:02 ص
قضية حياة أو موت
سعيد السني


الدكتور أحمد عماد وزير الصحة في تصريحاته لصحيفة الأهرام "الثلاثاء 15 نوفمبر"، بدا كما لو كان مُغيباً في عالم افتراضي، أو أنه يعيش في دولة أخرى غير مصرنا الحبيبة، فقد نفى الرجل نفياً قاطعاً وجود أي "أزمة" في سوق الدواء، مؤكداً أنها مجرد "افتعال" بغرض رفع الأسعار، وقبل أسبوع، أكد في مؤتمر صحفي على ذات المعنى، بأن نقص الأدوية هو "شائعة"، ولا علاقة له بسعر صرف الدولار، مستشهداً بأن أحداً من شركات الدواء العالمية بمصر، لم يأت إلى مكتبه شاكياً، ومُتوجهاً بأصابع الاتهام إلى بعض الشركات الدوائية المحلية والصيادلة بالوقوف وراء هذه الأزمة "المفتعلة".. هذا بينما المرضى يجأرون بالشكوى، قبل تعويم الجنيه بعدة اشهر، من "صعوبة" الحصول على المحاليل الطبية، وأنواع من القطرات للعين، و"الأنسولين" اللازم لعلاج نصف مرضى "السكر" البالغ عددهم نحو ثمانية ملايين مصري، ومستلزمات "الغسيل الكلوي" الذي قد يودي بحياة المريض لو تأخرت جلساته، وأدوية الصداع، وحساسية الصدر، وبعض علاجات السرطان، ومنع الحمل، مع ملاحظة أن جانباً كبيراً من أدوية "منع الحمل"، مضافاً إلى هذا كله غلاء أسعار كافة الأصناف الدوائية بشكل مُبالغ فيه .. المشكلة الأكبر الآن هي في "استحالة" وجود الكثير من هذه الأدوية في الصيدليات، بما يهدد حياة آلاف المرضى، أو تدهور حالاتهم الصحية في حال نجاتهم من الموت، وهذا بخلاف أن من بين عشرة آلاف مستحضر دوائي متداولة في مصر، فإن قائمة نواقص الادوية في ازدياد مستمر، وتزيد عن الف صنف، وأهمها 112 دواءً لأمراض خطرة، بحسب المركز المصري للحق في الدواء.
مع التسليم بما ذهب إليه الوزير من استغلال بعض الشركات والصيادلة موضوع الدولار، لتعظيم أرباحهم ولو على حساب المرضى، دون وازع من أخلاق أو ضمير أو قانون.. فإن واقع الحال يؤكد أن شركات الدواء سواء كانت مصرية أو عالمية، تلجأ إلى الإستيراد لتوفير احتياجاتها من "المواد الخام" اللازمة للتصنيع، وكانت احتياجاتها الدولارية تُحتَسب بالسعر الرسمي الذي كان سائداً (885 قرشاً)، ومع تعويم الجنيه وتضاعف سعر الدولار، فالطبيعي والمنطقي أن "تكلفة" استيراد نفس هذه المواد هي الأخري، قد زادت بمقدار الضعف أو بنفس نسبة الزيادة في سعر الدولار، الذي يدور حول 16 جنيها، ونفس الكلام يمكن أن يقال عن تكلفة جلب الأدوية تامة الصنع المستوردة وغيرها مثل مشتقات الدم، وقد اعترف وزير الصحة في ثنايا تصريحاته للأهرام، بأن الشركات تعاني مشكلة في تدبير الدولار، وسعره الجديد، وأن هذه القضية مطروحة على رئيس الوزراء وأنها "قيد البحث".. هنا تكمن المشكلة، إذ أن الحكومة اقدمت على "تعويم الجنيه"، ورفع "سعر الدولار" رسمياً، دون أن تدرس العواقب وتبحث التوابع المحتملة لهذا القرار.. لا أناقش "التعويم"، فهذا مما لايفيد، بل اتحدث عن العشوائية، وارتجالية القرارات والتعجل في اتخاذها دون الدراسية الكافية لآثارها وأضرارها خاصة على "عوام الناس" الذين يمثلون السواد الأعظم من الشعب، وبينهم مالا يقل عن 40 مليوناً يتراكمون حول خط الفقر، يفتقرون أصلا للخدمات الصحية والعلاجية بالمستشفيات الحكومية، ويعانون الذُل والهوان للفوز ب "العلاج على نفقة الدولة"، فإذا حظي المواطن بقرار العلاج، فإن عليه تدبير غالبية الأدوية اللازمة من خارج المستشفى الحكومي.. لذا فقد كان واجبا ً على الحكومة أن تتحسب لنتائج قرارها القاسي بالتعويم، والمخاطر المترتبة عليه في المجالات المرتبطة بحياة الإنسان على شاكلة "الدواء"، كونه قضية حياة أو موت بالنسبة للمريض، إذ قد تنتهى حياته وتصعد روحه إلى بارئها إن لم يتحصل على العلاج المطلوب في الوقت المناسب.
إن إنكار الدكتور أحمد عماد وزير الصحة للمشكلة يزيد الأمر تعقيداً ولا يساعد على حلها.. إذ أن أوليات حل أي مشكلة هو الاعتراف بها، كما أن عليه إنزال سيف القانون على المخالفين إن كانت هناك مخالفات سواء من الشركات أو الصيادلة.
نسأل الله السلامة لمصر.
[email protected]

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق