تأسيس الإخوان في الجزائر (تقرير)

الأربعاء، 16 نوفمبر 2016 11:42 ص
تأسيس الإخوان في الجزائر (تقرير)
سارة الحارث

على عكس أغلب الأقطار العربية، عرفت الجزائر المشروع الإخواني بشكل رسمي في وقت متأخر، فلم يكن لهم وجود حتى الثمانينات. رغم محاولات حسن البنا ورجاله استثمار تنديدهم بالاحتلال الفرنسي للتقرب إلى الشعب الجزائري.

ويقول القائمون على فرع الإخوان في الجزائر إن هذا المشروع جاء على يد وافدين إخوان من مصر وسوريا قدموا إلى الجزائر ضمن وفود عربية كانت تزور الجزائر لـ«التلقيح الفكري». وبهذا الشكل كانت بداية التعرف على الأفكار فقط في الأربعينات ضمن مشروع مواجهة التغريب.

وتزامن ذلك مع المؤتمرات الإعلامية والقومية التي يقيمها التنظيم في مصر لدعم قضية الجزائر. وكان حسن البنا يقوم بنفسه على استضافة الساسة الجزائريين مثلما فعل مع كل الساسة العرب فترة الثلاثينات والأربعينات الذين كانوا يقصدون مصر.

وتعمد «البنا» حٌسن المعاملة بقصد تقديم نموذج جيد عن الإخوان يسهل من خلاله إقناع هؤلاء الساسة بالفكر الإخوان ومن ثم تحويلهم إلى دعاة في بلدانهم لمشروع التنظيم.

كما كانت الجماعة تفتح صفحات جرائدة أمام مقالات الرموز الجزائرية، فيما خصصت أعداد بكاملها للحديث عن القضية الجزائرية ومشروعية المطالبة بالاستقلال، كما تناولت أهمية الجزائر لبلد عربي إسلامي.

التأسيس الرسمي
أما المستوى الرسمي وبناء كيان ممثل للإخوان في الجزائر فتزامن مع مناقشة ميثاق 1976 التي ظهر خلاله كيان يعرف باسم «الموحدين» وكان الميثاق معني بقوانين سنتها الحكومة الجزائرة ورأت فيها الحركة الإسلامية الجزائرية مخالفة للشريعة، فاجتمع رموز الحركة لرفض الميثاق وتدوين بيان بتحفظاتهم وعند التوقيع اخترعوا اسم رمزي كان «الموحدون» تماهيا مع حركة الموحدين بقيادة المهدي بن تومرت، مؤسس الدولة العريقة في شمال إفريقيا.

لم تستمر الحركة إذ سرعان ما تم اعتقال أبرز عناصرها وعلى رأسهم الشيخ الراحل محفوظ نحناح الذي حكم عليه بخمسة عشر سنة سجنا، بعدما لجا إلى أسلوب استعراضي بقطع أعمدة التلفون في منطقة البليدة تعبيرا عن احتجاج على إقرار الميثاق. في نفس عام الاعتقال 1976 كان «نحناح» قد بايع جماعة الإخوان، وبعد الافراج عنه في 1980 وعودة محمد بن سليماني بدا التحرك الرسمي للإخوان. وكان «سليماني» مشاركًا في تونس لحضور مؤتمر حركة الاتجاه الإسلامي –حزب النهضة حالي- مطلع الثمانينات بقيادة الشيخ راشد الغنوشي،وانتهز هذا الأخير فرصة وجود ضيوف جزائريين لحضور أشغال المؤتمر فعرض عليهم الارتباط الرسمي بتنظيم الإخوان الدولي ولقي الاستجابة من بعض الحاضرين من بينهم الشيخ محمد بوسليماني.

اسم ثالث لمع في بداية نشأة الإخوان في الجزائر بجانب «نحناج»، و«سليماني» الذين قضوا فترة المد الإسلامي في الجزائر في السجن، كان الشيخ عبد الله جاب الله صاحب جماعة البليدة، أحد أفرع الإخوان.

وتبدأ تجربة «جاب الله» بعلاقاته الجيدة بإخوان سوريا، ما طبعه بفكر سيد قطب التي تأسست عليها حركة «البليدة». وبعد خروج «نحناح» و«بوسليماني» من السجن نشب تنافس بين الجناحين، فاتجه «بوسليماني» إلى مساعي توحيد الجبهات حتى يتم الإعلان عن كيان واحد رسمي ممثل للإخوان في الجزائر. وبناء على ذلك كانت المصاهرة بين «بوسليماني»، و«جاب الله»، إلا أن كل محاولات التقريب فشلت بعد الاختلاف علىتقسيم الأدوار وتحديد مفهوم «البيعة» وهل هناك بيعتان في تنظيم واحد؟ لاسيما الاختلاف حول شروط ومواصفات زعيم التنظيم.

وسرعان ما فقد الشيخ جاب الله الحق في التمثيل الرسمي للإخوان المسلمين حتى بعد اتصاله بالقاهرة وطلبة من قيادة التنظيم الدولي للإخوان مراجعة موقفها من الشخص الذي يمثلها في الجزائر، وحسم التنظيم الدولي نهائيا الموقف لصالح محفوظ نحناح في 1985 -1986، وهي الفترة التي أصبح فيها الراحل محفوظ نحناح يتحرك رسميا تحت شعار الإخوان ويدعو لبيعة القيادة المركزية للجماعة في القاهرة.

وبعد استقلال «نحناح» بإدارة الجماعة كمفوض من إخوان مصر قام على تأسيس حركة «مجتمع السلم»، في 1990، وهي الذراع السياسي للإخوان بالجزائر حتى الأن، وترفع شعارات: العلم، العدل، والعمل.

في نفس العام تم الإعلان عن حركات إسلامية أخرى مثل الجبهة الإسلامية للإنقاذ تحت رئاسة الشيخ عباسي مدني، فادرج «نحناح» أن حركته تحتاج إلى منهج يميزها عن غيرها ويضمن استمرارها فتم تدشين حركة المجتمع الإسلامي «حماس»

في مايو 1991 عُقد المؤتمر الأول لـ«لمجتمع الإسلامي»، وتم اعتماد القانون الأساسي والنظام الداخلي واللوائح الضابطة للمسار السياسي، وانتخب الشيخ محفوظ نحناح رئيسا للحزب.

بعد ذلك شاركت الحركة في الاستحقاقات الانتخابية وكانت بدايتها مع الإنتخابات التشريعية- الملغاة - يوم 26 ديسمبر 1991 ورفضت الحركة سياسة الكرسي الشاغر، وسياسة المواجهة. فيما أدركت انها مراقبة من الخارج فأعلنت رفض صريح للعنف وتدعيم الوسطية.

في 1994، شاركت الحركة في ندوة الوفاق الوطني التي جاءت بالسيد اليمين زروال رئيسا للدولة، واقترحت ميلاد هيئة تشريعية بديلا عن «المجلس الاستشاري» الذي شكله الرئيس المغتال محمد، فكان ميلاد «المجلس الوطني الانتقالي» الذي شاركت فيه حركة المجتمع الإسلامي.

بعدها بعام وفي 1995، دخلت «حماس» بمرشحها لرئاسة الجمهورية السيد محفوظ نحناح، وتحصلت على المرتبة الثانية بواقع 3.2 مليون صوت وبنسبة 25 % من الأصوات المعبر عنها، وكان الهدف من هذا الترشح هو التأكيد على وزنها في المجتمع الجزائري.

واستمرت المشاركة السياسية حتى عقد المؤتمر الثاني في 1998، وتعمدت التأكيد فيه على الوسطية.
2002 شهدت الحركة تراجع ربما رد فعل سلبي من حادث 11 سبتمبر، وترجم هذا التراجع في تأخرها إلى المستوى الثالث والرابع، بواقع 38 نائبا بالبرلمان، و38 بلدية وحوالي 1200 منتخبا محليا ممّا عرّضها لكثير من المزايدات السيّاسوية.

في 2003 توفي مؤسس الحركة محفوظ نحناح، ليخلفه أبو جرة سلطاني الذي تعهد بالالتزام بكل الخطوط التي وضعها سابقه. ومنذ وفاة زعيم إخوان الجزائر شهدت حركة مجتمع السلم التي تأسست عام 1990 انقسامات عزاها مراقبون إلى غياب القائد الكاريزمي، وتعدد الخيارات السياسية بعد المشاركة في السلطة، ومن أشهر هذه الحركات التي انشقت:

حزب التغيير كان أول المنشقين عن الحركة الأم أسسه القيادي السابق في الإخوان، عبد المجيد مناصرة، مع عدد كبير من كوادر الإخوان انشقوا عن الحركة الأم في 2008، وذلك بسبب خلافات مع قيادة الحركة حينها التي كان يترأسها وزير الدولة أبو جرة سلطاني، حيث أسسوا حزبا سياسيا بديلا تحت اسم «جبهة التغيير».

واتبعت الحركة في مشاركاتها السياسية منذ ذلك الوقت وحتى العام الجاري أسلوب المقاطعة والمزايدة على السلطة أو المشاركة بتحفظات، فيما تعرضت لتضييق بعد الإطاحة بحكم الإخوان في مصر.

ورغم ذلك أعلنت «مجتمع السلم» في 5 نوفمبر الجاري، عن مشاركتها في الانتخابات البرلمانية المرتقبة. وبررت في بيانها المشاركة بإنها «انخراطا جديا وفاعلا ومسؤولا في مستوى من مستويات مقاربة الحريات والانتقال الديموقراطي المتدرج والمتفاوض عليه من خلال المؤسسة التشريعية وكافة المؤسسات المحلية المنتخبة».

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق