مستقبل حركة النهضة التونسية بعد فوز «ترامب» (تقرير)
الإثنين، 14 نوفمبر 2016 09:55 ص
خلق فوز دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة، مأزقا كبيرا للعديد من بلدان العالم الكبيرة والصغيرة على حد سواء، لتبدأ جميعا في إعادة حساباتها وترتيب أوراقها وفق النظام العالمي الجديد الذى ترسمت ملامحه في البرنامج الانتخابي للمرشح الجمهوري، ولعل حديثه عن رؤيته لمستقبل الاسلام السياسي كان أحد أبرز النقاط التي قد تحدد شكل المنطقة العربية مستقبلا.
وتعد تونس إحدى أهم الدول المعنية بالتداعيات المحتملة لفوز ترامب، لاسيما فيما يتعلق بوضعية حركة النهضة الإسلامية التي تلعب دورا أساسيا في الحياة السياسية التونسية من خلال استحواذها على 69 مقعدا بالبرلمان البالغ عدد أعضائه 217 نائبا، و4 وزراء في الحكومة من إجمالي 26 وزارة.
وقال الدكتور أمين محفوظ أستاذ القانون الدستوري بجامعة سوسة التونسية، «إنه ورغم التحفظات التي نبديها على حركة النهضة الإسلامية في تونس ونهجها إلا أنه من السابق أيضا لأوانه الحديث عن طبيعة العلاقات التونسية الأمريكية مستقبلا أو حتى الأمريكية مع أي دولة في العالم في عهد ترامب فالوعود الانتخابية شئ والممارسة السياسية شئ مختلف.
ولفت إلى أن ترامب لن يحتكر السلطة بمفرده كونه رئيسا لأمريكا فهناك كونجرس وأجهزة وتوازنات دولية ومصالح لبلاده يجب أن يضعها في الاعتبار، كما أن العالم ينتظر معرفة شخصية وزير الخارجية الأمريكي الذي سيحدد أيضا بشكل كبير كيف ستكون علاقات أمريكا بالخارج بشكل عام وموقفها من الإسلاميين على وجه التحديد.
وتوقع أن تختلف طبيعة العلاقات الخارجية الأمريكية وتعاملها مع الملفات الدولية في عهد ترامب عما كانت في عهد الرئيس الحالي باراك أوباما مضيفا: «لكن علينا أن ننتظر لنرى».
وأشار محفوظ إلى أنه وبغض النظر عن مجئ ترامب أو غيره فإن على حركة النهضة التونسية لن تجري مراجعات على مبادئها وليست تعديلات ظرفية وأن تتأقلم بشكل أكبر مع دولة القانون والمؤسسات وتزيل كل ما هو ارتباط ديني بما هو سياسي.
وأضاف أن حركة النهضة مارست السلطة لبعض الوقت، وتيقنت أن المجتمع التونسي له خصوصيته وأكثر من 50% يرفضون مبادئها حتى لو كان الرافضون لهم توجهات مختلفة وليسوا على ارضية واحدة لكن يجمعهم رفض تعميم مبادئ النهضة.
واعتبر أن قيادات حركة النهضة الحاليين الذين عاصروا كثيرا من الحقب والمراحل السياسية باتوا اكثر خبرة في التعامل مع الاحداث، ويبقى عليهم أن يفتحوا قنوات اتصال حقيقية مع اجيالهم الشابه التالية بهدف التوعية وارساء منهجية اكثر مرونة في الفكر قادرة على تقبل أراء وتوجهات الآخرين.
ولفت أستاذ القانون الدستوري بجامعة سوسة إلى أن قيادات حزب النهضة بذلوا بعض الجهد المحمود في الفترة الماضية للتأكيد على أنهم حزب سياسي ووافقوا على عدم إدراج الشريعة الإسلامية كمصدر للتشريع في الدستور وهي بادرة طبية لم تحدث في غالبية بلدان المنطقة من التيارات الإسلامية المشابهة، حتى وإن جاءت بضغط من المجتمع التونسي، لكن يبقى أمامهم الكثير لتحقيقه نحو الفصل الفعلي للخطاب الديني والدعوي عن الخطاب السياسي والا يكون التغيير الحاصل حاليا ظرفيا بل في المبادئ ذاتها.
ونبه إلى أن تونس بذلت خلال الفترات الماضية مجهودات كبيرة في التعامل مع ملف الإسلام السياسي وماضيه نحو إجباره على الابتعاد عن الحياة السياسية، لكن في نفس الوقت يجب خلق ضغط على أي جهات خارجية تسعى فرض برامج على المجتمع بعدم العمل على زعزعة استقرار تونس.
ويرى النائب في البرلمان عن حركة النهضة والوزير السابق بالحكومة التونسية سليم بسباس أن اختلاف الشخصيات والأحزاب التي تتبادل على رئاسة أمريكا لا يعني تغييرا جذريا في ثوابت علاقاتها الخارجية، وعلاقة الولايات المتحدة بالمنطقة العربية لها بعد استراتيجي ومختلف نظرا لطبيعة المنطقة الجغرافي والسياسي والديني.
وأضاف أنه ليس من مصلحة أمريكا ولا أي جهة زعزعة الاستقرار الحاصل في تونس أو التوافق بين التيارات السياسية حاليا، كما أنه لا يوجد اختلاف بين ما أعلنه الرئيس الأمريكي الجديد في حملاته الانتخابية من محاربته للإرهاب الديني وبين توجه حركة النهضة في تونس.
وأكد أن حركة النهضة تضع محاربة الارهاب والتطرف الديني في طليعة أولوياتها وكانت أول حزب إسلامي يعلن أن تنظيم أنصار الشريعة تنظيما إرهابيا، ما يعني أن حركة النهضة ليست هي المعنية بالوعيد الذي أطلقه ترامب، فنحن متوافقون معه في الهدف الأساسي وهو محاربة الإرهاب والتطرف الديني، وهذا يزيد اطمئنانا على أن الفترة المقبلة ستشهد مزيدا من التعاون بيننا في محاربة الإرهاب.
من جهته، يقول سليم لاغوني الخبير السياسي إن طبيعة الحكم في تونس الىن تبدلت وصار التيار المدني هو الحاكم بقيادة الرئيس الباجي قائد السبسي، وهو ما يعني أنه لا مأزق يحوم حول مستقبل البلاد، والرئيس السبسي أكد في خطابه لترامب مواصلة تونس محاربة الإرهاب، بما يعني أنه لا خلاف بين توجهات تونس وتوجهات أمريكا في ظل إدارة ترامب.
وأضاف أن حركة النهضة تحولت من حركة إسلامية في السابق وانتزعت جلبابها الديني لتتحول إلى تيار مدني سياسي وهو ما يصر قادة الحركة وزعماؤها على تأكيده مرارا وتكرارا كما أن هناك تحالفا وطنيا بين النهضة وبقية الأحزاب من أجل استقرار تونس.
وقال وناس لاغة المسئول بحركة النهضة بولاية المنستير الساحلية، إن تعامل الغرب مع الإسلام السياسي واحد لكن هناك اختلافات في الأسلوب، وهو ما يعني أنه حتى لو كانت هيلاري كلينتون تبدي ظاهريا تفهمها للتيارات الإسلامية إلا أنها في الباطن تكن أشياء أخرى.
وأضاف أن تونس نجحت خلال السنوات الأربع الماضية في إيجاد حالة من التوافق بين التيارات السياسية سواء المدنية أو العلمانية أو الاشتراكية أو تلك التي كانت ترفع شعارات إسلامية.
وأوضح أن حركة النهضة غيرت تماما في السنوات الأخيرة ومن قبل مجئ ترامب من لغة ولهجة وأساسيات خطابها إلى الخطاب المدني بعيدا عن الخطاب الديني، حيث فصلت بين الخطابين بشكل تام الآن وهو ما أدى إلى نجاحها في المساهمة في استقرار تونس خلال العامين الماضيين.
وأشار لاغة إلى إن الفكر النهضوي تغير بشكل كامل في السنوات الأخيرة ضاربا مثالا بالتعامل بين مسئولين في النهضة ويهود في تونس، كما أن محرزية العبيدي وهي قيادية بارزة في النهضة زارت قبل سنوات مصنعا للخمور في فرنسا في زيارة علنية وهو ما يؤكد على التغير في الخطاب لدى الحركة.
وأشار إلى أن التوافق في تونس الآن هو السمة الأبرز حيث وضعت النهضة يدها في يد «نداء تونس» والأحزاب الأخرى من أجل دولة تونس، ولا يوجد رغبة لدى أي طرف في الاستحواذ على كل شئ وإقصاء الأطراف الأخرى.
واستبعد أن تستقوى الأحزاب المدنية العلمانية في تونس بأمريكا وترامب من أجل إقصاء النهضة من العمل السياسي، لأن الأمر لا يستدعي ذلك من الأساس فالحاكم حاليا هو رئيس مدني ورئيس الحكومة مدني ورئيس البرلمان مدني وتونس دولة مدنية وهناك توافق بين كافة التيارات السياسية والحزبية على ذلك ولا احد من داخل تونس يريد ان يعود عدم الاستقرار الى تونس.
وأكد على أهمية وحدة الصف التونسي من أجل استكمال مسيرة النمو خاصة أن البلاد تعاني من أوضاع اقتصادية صعبة ولا حاجة إلى خلق مزيد من الصعوبات.
وتقول إيمان سليم الباحثة السياسية أن حركة النهضة دأبت ومنذ عام 2013 على إجراء إصلاحات جوهرية في الخطاب السياسي وربما في الاستراتيجيات بعد سقوط حكم الإخوان المسلمين في مصر، مشيرة إلى أن قياديي الحركة يؤكدون مرارا وتكرارا على مدنية الحركة وحزبها السياسي.
وأضافت أن هذا التعامل كان ذكيا منهم، من أجل إحداث توافق في الحياة السياسية في تونس والمشاركة في البرلمان والحكومة، حتى لا يكون مصيرهم مثل مصير إخوان دول أخرى.