«أنصار الدين» في مالي.. جماعة سلفية أسسها «يساري» في صفوف «القذافي»
السبت، 12 نوفمبر 2016 05:07 م
عمليات إرهابية متكررة ضربت القطاع الشمالي لدولة مالي والجنوبي في بعض الأحيان، من قبل جماعة «أنصار الدين» الإرهابية، أخرها هجومًا مسلحًا على سجن عمومي في الجنوب أسفر عن إخراج 21 محتجزًا من أحد السجون.
منذ مايو الماضي، شنت الجماعة أكثر من 60 هجومًا على أهداف للأمم المتحدة وغيرها وتوسعت جنوبا إلى مناطق كانت تعتبر آمنة.
يعود تاريخ تلك «أنصار الدين» إلى عهد قريب، حيث ظهرت إلى النور بعد سقوط النظام الليبي بقيادة العقيد معمر القذافي، في 2011، وتعتبر تلك أول الحركات الجهادية تنبع أصولها من قبائل الطوارق في الجنوب الليبي.
تأسست تلك الحركة على يد «زياد أغ غالي»، الذي أعلن في بيان مصور له في 2011، عن عزمه إقامة ما أسماه « دولة الخلافة الإسلامية»، وأنه يهدف إلى تطبيق الشريعة وفق مفهومه.
وذلك بعدما سقط نظام «القذافي» وفر المقاتلون بجانب العقيد من أبناء قبيلة «الطوارق» إلى إقليم الأزواد بشمال مالي، محملين بترسانة من الأسلحة وبعد مفاوضات مع «أغ غالي» أعلنوا عن تأسيس الحركة.
أياد أغ غالي
ينتمي «غالي» صاحب الـ 56 عامًا إلى قبيلة «إيفوغاس» التي تنحدر أصولها من مدينة «كيدال» في الشمال المالي، كان طفلا عندما نزع الرئيس المالي الراحل موديبو كيتا، الزعامة من قبيلته إيفوغاس في إطار مساعيه للقضاء على المشيخات القبلية.
في فترات الجفاف التي شهدتها «مالي»، ازدادت حركة هجرة شباب الطوارق، وكان من بينهم «آغ غالي» الذي هاجر إلى ليبيا ثم لبنان وتشاد، وكان أحد أفراد كتائب العقيد الليبي الراحل معمر القذافي.
عاد «غالي» إلى إقليم «كيدال» في التسعينيات من القرن الماضي، وقاد حركة المقاومة ضد الحكومة المالية، فقد كان أقرب إلى الفكر اليساري القومي منه إلى الإسلامي، وبعد عام من المعارك دخل الطوارق في صلح مع حكومة «باماكو» بوساطة إقليمية، ليتقلد «آغ غالي» مناصب حكومية كان بينها منصب قنصل عام في السعودية.
بعد اتفاق 1991 - الذي رعته الجزائر - اختفى «غالي» من الساحة، لكنه عاود الظهور مع بداية 2000، ولعب دورًا هاما في وساطات أثمرت عن الإفراج عن رهائن أجانب، احتجزوا لدى تنظيم القاعدة.
وعام 2003 ساعد إياد «غالي» في إطلاق 14 أوروبيًا أغلبهم من الألمان، كانوا مختطفين من قبل مجموعة مسلحة مرتبطة بالقاعدة في الجزائر.
بعد التمرد الذي قام به الطوارق عام 2006، قام رئيس مالي السابق بتشكيل مليشيا مشتركة من العرب والطوارق وجعل على رأسها محمد آغ غامو، وهو من قبيلة تابعة لقبيلة «إيفوغاس» التي ينتمي إليها «غالي»، أصبح غامو ورجاله سادة منطقة «كيدال».
وهذا ما دفع بإياد إلى محاولة استرجاع مجد قبيلته من خلال تأسيس حركة مسلحة هي «أنصار الدين».
من هنا اعتبر «أغ غالي» أحد قادة «الطوارق» التاريخيين، باعتباره مجدد عصر الأجداد وعودة الإقليم إلى سيطرتهم مرة أخرى، بخلاف قيادته للعمليات المسلحة في التسعينيات.
خلال فترة اتصاله بالقاعدة وتحرير الرهائن، اقتنع غالي بالفكر القاعدي، وبدأ يُعرف عنه ذلك، ومع سقوط نظام القذافي وعودة مقاتلي الطوارق في الجيش الليبي إلى مناطقهم محملين بترسانات أسلحة، استقبلهم «غالي» ليكونوا نواة تنظيمه الجديد حركة أنصار الدين.
رفع «غالي» راية القاعدة السوداء، مطالبًا بتطبيق الشريعة الاسلامية، وباتت جماعته من أكبر الجماعات المتشددة والمسلحة في الصحراء الكبرى، بعد أن أمددته "القاعدة" الأم بالمال والرجال، وعرفّ المتحدث الرسمي للجماعة، سنده ولد بو عمامه الجماعة بأنها: جماعة إسلامية مسلحة، ذات توجه سلفي، تسعى إلى تطبيق الشريعة الإسلامية على كامل التراب المالي، لكن لا تطالب باستقلال شمال البلاد.
تقول مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية، إنه في بداية عام 2012، تقرب «غالي» من تنظيم القاعدة حتى يحصل منه على الدعم، وبدأ في تحقيق حلمه بفرض الشريعة الإسلامية وتم حظر الموسيقى والتدخين في المناطق الخاضعة لسلطته في شمال مالي.
ووفق المجلة الأميركية فإن قوات أنصار الدين تعاقب النساء اللاتي لا يرتدين لباسا محتشما. ووضعت الحركة قوائم بأسماء غير المتزوجات وتقدم الأموال للرجال والنساء ليتزوجوا، ومن لا ينصاع لمطالبهم يواجه العقاب بالرجم وقطع الأيدي وغيرها.
شن «غالي» عمليات عسكرية عنيفة ضد قوات ال بعدها شن حربا على قوات الجيش المالي وحركة تحرير أزواد بعد تحالفه مع فروع القاعدة في الصحراء الكبري.
تحالفات إرهابية
عقد التنظيم تحالفات مع أفرع القاعدة الممتدة عبر الصحراء، المتمثلة في القاعدة في بلاد المغرب العربي وتنظيم التوحيد والجهاد وكتيبة الموقعون بالدماء، وقام بطرد حركة تحرير أزواد بعد فك التحالف القديم معها حتى استطاع السيطرة في وقت من الأوقات على مدينة "تمبكتو" الأثرية، شمال غرب مالي.
شرعت بعدها الجماعة في هدم الأضرحة والعتبات الدينية، التي أدرجتها اليونيسكو على لائحة التراث العالمي عام 1988 فأتت على 7 مزارات من أصل 16.
ولم يكتف «غالي» بالسيطرة على شمال مالي، حتى طمح في التمدد داخل الجنوب في تحدٍ للقوى الغربية، فخاض بمليشيا «أنصار الدين» معارك ضارية في «كونا» ختمها بهجوم شرس على معسكر أُعد لتدريب الجنود الماليين على أيدي عسكريين فرنسيين وأوروبيين، بخلاف الهجمات الأخيرة خلال الشهر الجاري.