فوز «ترامب».. وسياسة جديدة في الشرق الأوسط (تقرير)
الخميس، 10 نوفمبر 2016 10:03 ص
جاء فوز مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب بمنصب الرئاسة الأمريكية على منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون، مخالفًا لكل نتائج استطلاعات الرأي العام التي أجرتها وسائل الإعلام الأمريكية، الأمر الذي يؤكد أن النخبة السياسية الأمريكية باتت تجهل التحولات والتغيرات في المجتمع الأمريكي، ففي الوقت التي أكدت فيه التقارير الأمريكية أنه بين عشرة استطلاعات للرأي كانت كلينتون المرشحة للفوز في تسعة منها، كان الناخب الأمريكي له رأي آخر.
وعلى الرغم من تبني الرئيس الجمهوري دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية خطة اقتصادية من شأنها خفض الضرائب على الأغنياء، إلا أن رؤاه بشأن المهاجرين المسلمين، والنخبة العالمية، والحدود المفتوحة، وأمريكا أولًا، فضلًا عن تكرار توظيفه لمصطلحات نمطية من قبيل: «الأسر العاملة»، «وطبقتنا الوسطى»، و«الشعب الأمريكي»، تجد جذورها في التاريخ الأمريكي على نحو يمكن معه القول إنه «شعبوي» وهو ما يشير إلى أن التغيير قائم في السياسة الأمريكية الداخلية والخارجية.
فشعار «أمريكا أولا» الذى رفعه ترامب، هو فى الواقع الضالة التى يبحث عنها الأمريكيون بعد أعوام طويلة من المتاعب الاقتصادية، وفى ظل تصاعد المخاوف الأمنية والتهديدات الإرهابية.
فاهتمام رجل الشارع الأمريكي يتركز فعليا على القضايا الداخلية وليست العالمية، وهو الوتر الذى لعب عليه الملياردير الأمريكي خلال حملته الانتخابية، فقد ركز على كيفية تحسين مستوى الفرد الأمريكي مقابل تقليص الإنفاق على المنظمات الدولية والقواعد العسكرية الأمريكية التى تهدف لتأمين مختلف دول العالم.
وعلى الرغم من حالة الرفض العالمي لهذه الدعوة الصريحة للانعزال، فإن هذه المعادلة لاقت رواجا ملحوظا لدى المواطن الأمريكي الذى يتصدر الشأن الداخلي أولوياته، ولا يرى فى كوريا الشمالية على سبيل المثال أي تهديد مباشر له.
محدودية التغيير:
وبعد إعلان فوزه في الانتخابات الأميركية الرئاسية 2016، أكد ترامب أنه سيضع مصالح أميركا في المرتبة الأولى، وسيسعى لقواسم مشتركة مع الأمم الأخرى، وأن أميركا ستتعامل بعدالة مع الجميع، ولن تسعى للعداء أو الصراع، وقال "سنتفاهم مع كل الدول الأخرى التي لديها الرغبة في التفاهم معنا".
وإذا كانت السياسة الخارجية الأمريكية لترامب تجاه قضايا الشرق الأوسط، ستشهد تغييرًا خلال الفترة الأولى على الأقل من رئاسته، إلا أن التغيير سيكون محدودًا، فالرئيس الأمريكي ترامب عليه أن يتعامل مع واقع معقد وغير مستقر، يتضمن تحديات غير تقليدية، في ظل قيود مؤسسية تفرض عليه عدم تجاوز حدود الاختصاصات الدستورية، والالتزام بمبادئ الفصل بين السلطات، والتوازن والرقابة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، مما يعوق قدرته على حسم عدد كبير من القضايا، خاصةً إذا لم يتمتع الحزب الذي ينتمي إليه بالأغلبية في الكونجرس.
وفي هذا السياق يرى محللون في العلاقات الدولية، أن السياسة الخارجية الأمريكية «لن تتغير كثيرا» مع الإدارة الجديدة بقيادة الجمهوري دونالد ترامب وأنها ستركز على مقاربة أمنية - اقتصادية تسعى إلى تجاوز «التعثر» الذي ظهر به الديمقراطيون في فترتي حكم باراك أوباما.
فعلى الرغم من الوعود الانتخابية الرنانة التى تلقى أصداء واسعة عالميا ومحليا، فإن النظام الأمريكي ليس نظاما مركزيا أو أحاديا، فالرئيس لا يمكنه تنفيذ أي سياسة لا تحظى بدعم وموافقة الكونجرس، وفى حالة ترامب، فإن الجمهوريين هم أول من سيعارضون سياسات مرشحهم الرئاسي، فأمريكا دولة تصنع قراراتها فى مؤسسات عتيدة ومعروفة، ولا يمكن لأي مؤسسة فيها أن تنفرد باتخاذ القرار أو حتى تنفيذ استراتيجية لا تتفق عليها باقي مؤسسات الدولة.
ولذلك يعتقد المحللون أن ترامب إما أنه جاء ليغير هذه المعادلة المتعلقة بمراكز صنع القرار فى الولايات المتحدة، أو أنه مجرد «زوبعة في فنجان».
والحديث عن الاحتمال الأول أكثر إثارة، فعلى الرغم من قدرة النظام الأمريكي على احتواء وكبح جماح أي رئيس يصعد إلى مقعد السلطة، فإن هذا لا ينفى أن صعود ترامب الصاروخي يعكس حقيقة رفض المجتمع الأمريكي لكل ما هو تقليدي، وشعوره بالحاجة إلى صرخة جديدة تعبر عن عدم شعوره بالأمان سواء على الصعيد الاقتصادي أو الأمني، كما أن هذا الصعود يعكس النزعة العنصرية المتزايدة داخل المجتمع الأمريكي والتي أصبحت ترفض كل ما هو مختلف وتلفظ الأقليات والوافدين.
وتأسيسًا على ذلك، فإنه من المتوقع حدوث هذا التغيير المحكوم في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، ارتكازًا على توجهات ترامب خلال حملته الانتخابية والتي تمثلت في انتقاده الصريح لتخلى الولايات المتحدة عن حلفائها فى الشرق الأوسط، وعلى رأسها مصر، وتأكيده على أن إخفاقات إدارة أوباما المتكررة فى العراق ومصر وليبيا هي السبب الرئيسي وراء صعود التنظيمات الإرهابية فى المنطقة، وتحول الإرهاب إلى وباء عالمي يهدد الأمن فى كافة الدول على حد السواء.
وهذا الاعتراف الصريح بفشل السياسات الأمريكية فى المنطقة، وتحميل إدارة الرئيس باراك أوباما مسئولية ظهور تنظيم «داعش» الإرهابي واتهامه بالفشل فى القضاء على التنظيم أو حتى منع ممارساته الوحشية قد لمس وترا حساسا لدى المواطن الأمريكي، والذي أصبح الأمن يحتل أهمية خاصة فى أجندته، خاصة فى أعقاب سلسلة التفجيرات الإرهابية التى هزت أوروبا وأعادت إلى الأذهان أحزان ورعب اعتداءات 11 سبتمبر 2001.
وحملت مواقف دونالد ترامب من قضايا الشرق الأوسط خلال جولاته الانتخابية أو الحوارات والتصريحات الإعلامية، رؤية أمريكية جديدة خلال الفترة المقبلة والتي ستكون محدودة وفي إطار المصلحة العليا الأمريكية أولًا.
فلم يخف ترامب معارضته القوية للاتفاق النووي الذي وقعته طهران مع الدول العظمى في يوليو 2015، وبدأ تطبيقه مطلع عام 2016، بل يراه «أسوأ اتفاق، لأنه يضع إيران في طريق الحصول على سلاح نووي»، ولم يكتف ترامب بانتقاد الاتفاق، لكنه تعهد بأنه "سيمزقه منذ اليوم الأول" لتوليه مهام الرئاسة، إذا فاز بالانتخابات الرئاسية، الأمر الذي دعا إيران إلى مطالبته باحترام الاتفاقيات الدولية.
أما مسألة الصراع الأميركي- الروسي على الشرق الأوسط، وفي ظل الحروب المندلعة في اليمن وسوريا والعراق، من المنتظر أن تشهد العلاقات الروسية الأمريكية مرونة عالية في تعاملها مع قضايا الشرق الأوسط انطلاقًا من تعزيز المصالح المشتركة للجانبين، ولن تكون عملية إعادة هيكلة العلاقات وهندستها من جديد مع موسكو سهلة وخالية من التنازلات المتبادلة.
وفي إطار وجود القاسم المشترك بين البلدين مصر وأمريكا وهو محاربة الإرهاب والعمل على تجفيف منابعه ومصادره، ستشهد العلاقات الأمريكية المصرية مرحلة جديدة من التعاون البناء لإعادة الأمن والاستقرار في المنطقة من جديد، خاصة أن إدراك ترامب لأهمية مصر المحورية ينبع من حسابات استراتيجية، ولذلك كانت مصر والرئيس السيسي أول رئيس يهنئ ترامب بالفوز، وستنعكس العلاقات القوية بين البلدين على جميع ملفات وأزمات المنطقة وتحويل دفتها للحل بالحوار والتفاوض بما فيها القضية الفلسطينية.
وإذا كان ترامب يحمل توجهات سلبية تجاه منطقة الخليج، وهو ما تبين خلال حملته الانتخابية، فلا شك أن الفترة المقبلة ستشهد إعادة صياغة للعلاقات بين الجانبين، بما يحقق المصالح الاستراتيجية المشتركة، كما أن وجود مصر بثقلها الإقليمي في المنطقة سيعمل على تهدئة الملفات الأمريكية الخليجية.
يبقى القول أن ترامب لن يخرج عن مهمة تطبيق السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية المسطرة على منظور بعيد المدى، حتى وإن كان هناك تغير فلن يكون بالحجم الذي يغير بشكل كامل من ملامح هذه السياسة خلال الفترة القليلة القادمة.