حرب أكتوبر المجيدة ستظل حرب انتصار لجيش عظيم لا يعرف هزيمة
الجمعة، 07 أكتوبر 2016 11:02 ص
يمر الزمان ويمضي حاملا أمجاد الأمم والشعوب ، وعلى رأسه مجد أمجاد الأمم ، انتصار الجيش المصري العظيم على جيش الاحتلال الإسرائيلي في حرب السادس من أكتوبر عام 1973 .
حرب أكتوبر التي تعد حرب الحروب ، لما أحدثته من تغيير في تكتيكات واستراتيجيات القتال وفي مقدمته أن الرجال هم صانعو النصر لا الأسلحة ولا التكنولوجيات.
لم تكن هذه الحرب حرب ثأر وانتقام ، لأن الثأر والانتقام هو اعتراف ورد على هزيمة مني بها المنتقم ، ولكن حرب أكتوبر ستظل حرب انتصار لجيش عظيم لا يعرف هزيمة ولا انكسار في ميادين القتال ، جيش يتخذ من نقاط التوقف منصات للانطلاق إلى ساحات النصر ، جيش دولة تحفل صفحات التاريخ وتزدحم وتزهو فخرا بانتصاراتها على كل من هم وحاول الاعتداء والإغارة عليها.
ولقد جمعت حرب أكتوبر المجيدة عباقرة قادة الجيوش ، فقد قال القائد الأعلى للقوات المسلحة الرئيس الراحل أنور السادات ـ خلال اجتماع ضم 30 من قادة الجيش عقب حرب أكتوبر ـ " إنني أجلس مع 900 عام من الخبرة العسكرية".
وحمل لواء الانتصار في هذه الحرب المجيدة كل جندي مصري وصف ضابط وضابط تحت قيادة قادة عظماء نذكر منهم : وزير الدفاع المشير أحمد إسماعيل ورئيس الأركان الفريق سعد الدين الشاذلي ورئيس هيئة العمليات اللواء محمد عبد الغني الجمسي وقائد قوات المدفعية اللواء محمد سعيد الماحي ، وقائد القوات الجوية اللواء محمد حسني مبارك وقائد القوات البحرية اللواء فؤاد زكري واللواء محمد علي فهمي قائد قوات الدفاع الجوي ، وقائد قوات المدرعات اللواء كمال حسن علي ومدير سلاح المشاة اللواء محمد عبد المنعم الوكيل ، وهم أبناء شعب مصر الأبي الذي تحمل أعباء الحرب ليجني ثمار النصر.
بدأت الحرب في يوم السبت 6 أكتوبر 1973 الموافق ليوم 10 رمضان 1393 هـ بهجوم مفاجئ من قبل الجيش المصري والجيش السوري على قوات الاحتلال الإسرائيلي في سيناء وهضبة الجولان.
وحقق الجيش المصري الأهداف الإستراتيجية المرجوة من وراء المباغتة العسكرية لجيش الاحتلال ، بعد أن حطمت قوات المدفعية والمقاتلات تحصينات خط بارليف ، وأنشأ سلاح المهندسين رؤوس كباري مكنت من عبور قوات المشاة والمدرعات ، ونجح جيش مصر خلال ستة ساعات في تدمير خط بارليف ، الذي قال عنه خبراء عسكريون إنه الخط الدفاعي الأصعب في تاريخ الحروب ، فقد أنفقت إسرائيل 300 مليون دولار لإنشاء هذا الخط الذي كان يتكون من سلسلة من الحصون والطرق والمنشآت الخلفية ، وأطلق عليها اسم خط بارليف ، وامتدت هذه الدفاعات أكثر من 160 كم على طول الشاطئ الشرقي للقناة من بور فؤاد شمالا إلى رأس مسلة على خليج السويس، وبعمق 30 - 35 كم شرقاً ، واحتوت هذه الدفاعات على نظام من الملاجئ المحصنة والموانع القوية وحقول الألغام المضادة للأفراد والدبابات.
وتكونت المنطقة المحصنة في خط بارليف من عدة خطوط مزودة بمناطق إدارية وتجمعات قوات مدرعة ومواقع مدفعية ، وصواريخ هوك مضادة للطائرات، ومدفعية مضادة للطائرات، وخطوط أنابيب مياه، وشبكة طرق طولها 750 كم ، وتمركزت مناطق تجمع المدرعات على مسافات من 5 – 30 كم شرق القناة. كما جهز 240 موقع للمدفعية بعيدة ومتوسطة المدى.
وبعد تدمير الجيش المصري لخط بارليف الحصين ، توالت انتصارات قواتنا المسلحة على "العدو الإسرائيلي" جوا وبرا ، وكان أبرز ميادين القتال معركة الدبابات الشهيرة ، وسيطرة الطيران المصري ، بدعم ومساندة قوات الدفاع الجوي ، على سماء الحرب.
وقبل عبور الجيش المصري من غرب قناة السويس إلى شرقها ، تمكنت القوات المصرية من منع القوات الإسرائيلية من استخدام أنابيب النابالم بخطة أذهلت خبراء الحروب.
واقتحم الجيش المصري خط بارليف الدفاعي عن طريق دفع 5 فرق مشاة شرق قناة السويس في 5 نقاط مختلفة ، واحتلال رؤوس كبارى بعمق من 10-12 كم ، وهي المسافة المؤمنة من قبل مظلة الدفاع الجوي ، وبقيت 4 فرق عسكرية (فرقتان مدرعتان وفرقتان ميكانيكيتان) غرب القناة كاحتياطي تعبوي ، كما بقيت باقي القوات في القاهرة بتصرف القيادة العامة كاحتياطي استراتيجي.
وتزامن ذلك مع توجيه القوات الجوية المصرية ضربة قوية ومركزة ونوعية على الأهداف الإسرائيلية خلف قناة السويس ، وتشكلت القوة من 200 طائرة عبرت قناة السويس على ارتفاع منخفض ، واستهدفت بالقصف والتدمير محطات التشويش والإعاقة وبطاريات الدفاع الجوي وتجمعات الأفراد والمدرعات والدبابات والمدفعية والنقاط الحصينة في خط بارليف ومصاف البترول ومخازن الذخيرة.
وأنجزت القوات المصرية في صباح يوم الأحد 7 أكتوبر عبورها لقناة السويس وأصبح لدى القيادة العامة المصرية 5 فرق مشاة بكامل أسلحتها الثقيلة في الضفة الشرقية للقناة، وانتهت أسطورة خط بارليف الدفاعي ، وواصلت القوات المصرية تدعيم رؤوس الكباري لفرق المشاة الخمس ، وقامت بسد الثغرات التي بينها وبين الفرق المجاورة داخل كل جيش طيلة يوم 7 أكتوبر .
وانهزم الجيش الإسرائيلي ـ الذي ردد قادته بغرور ، أنه الجيش الذي لا يقهر ـ وذلك على الرغم من الدعم العسكري الذي قدمته الولايات المتحدة الأمريكية التي طلب رئيسها حينذاك ريتشارد نيكسون ، في 19 أكتوبر 1973 ، من الكونجرس اعتماد 2.2 مليار دولار في مساعدات عاجلة لإسرائيل ، وردت الدول العربية المصدرة للنفط (الجزائر والسعودية وليبيا والامارات والكويت والعراق ) باتخاذ قرار منع تصدير النفط إلى الولايات المتحدة والدول الأوروبية المساندة إسرائيل.
وقد أذهلت قادة إسرائيل بسالة وبطولات الجيش المصري في القتال ضد قوات الاحتلال وآلياته العسكرية ، ووقعت الهزيمة على إسرائيل وقادتها العسكريين والسياسيين كالصاعقة ، فأربكتهم وكشفت هوان غرورهم وزيف أوهامهم ، فشكلت اسرائيل لجنة لتقصي أسباب الهزيمة أدانت رئيس الأركان الجنرال ديفيد أليعازر ، واتهمته بالتقصير في هذه الحرب.
وبعد الهزيمة ، تبادل قادة إسرائيل الاتهامات فيما بينهم بعد أن اعترف وزير الدفاع موشي ديان بالهزيمة ، حيث قال: « أصبح العبور الآن حقيقة واقعة" ، وكشف ديان ـ في مذكراته الصادرة في إنجلترا بعنوان «قصة حياتي» ـ مدى الارتباك والخوف الذي وقع فيه هو وصانعو القرار في إسرائيل ، ووضح ذلك في حديثه عن اجتماع الوزراء بعد عبور الجيش المصري القناة ، حيث قال : «أبديت ملاحظاتي وبينت رأيي لكنني لم أشعر بالراحة ولا الوزراء الحاضرون أيضًا، كنت قلقًا ومرهقًا وشعرت بفجوة بيني وبين زملائي في الوزارة ، فلم يعجبهم ما ذكرته عن نجاح المصريين ولا عن انسحابنا إلى الخط الثاني، وكانوا يريدون من الجيش أن يرد المصريين عبر القناة فورًا، وهكذا لم نكن نستخدم في حديثنا موجة واحدة».
وأضاف: «لقد جاء يوم الغفران (كيبور)، وقوات إسرائيل غير معبأه ولا موزعة كما يجب، ومع أننا لم نكن غافلين عن احتمال نشوب الحرب، فإنها اشتعلت في اليوم الوحيد الذي لم نكن نتوقعها فيه».
ورد عليه الجنرال ديفيد اليعازار رئيس الأركان بأنه لا مجال للأعذار ، وأن إسرائيل كانت على علم باقتراب موعد الحرب ، وأضاف " بعد انتهاك سوريا لوقف إطلاق النار، واستفزازها لقواتنا المواجهة لها 7 مرات، منذ 25 سبتمبر 1973، وحتى أول أكتوبر في نفس العام، كذلك فإن مصر قامت بانتهاك وقف إطلاق النار في نفس الفترة 4 مرات، أصبحت كل الشواهد تدل على أن هناك نية مؤكدة لدى مصر وسوريا للقيام بعمل عسكري ما ضد إسرائيل».
ولقد سجل التاريخ الإسرائيلي ، من خلال مذكرات قادته في حرب أكتوبر ، أنهم كانوا على علم بالعبور، وأنهم كانوا على وشك التوسع في الأراضي المصرية والسورية لولا السادس من أكتوبر وروعة الملحمة التي قدمها الجيش المصري.
وعنها ، قال الصحفي الإسرائيلي حنوخ يدطوف: «في مساء ذلك اليوم، وقع زلزال مروع وعاصفة مباغتة.. وقعت حرب قاسية .. لا أجد الكلمات لوصفها».
وجاءت وجهة نظر الأدباء الإسرائيليين والتي عبرت عنها الأديبة الإسرائيلية عينات كوهين بأن حرب أكتوبر كانت نقطة تحول درامية مذهلة ، فقد كانت هذه الحرب زلزالا هز أركان المجتمع الإسرائيلي.
وتصدرت انتصارات حرب أكتوبر الصفحات الأولى بالصحف العالمية حينذاك ، ومنها صحيفة (الديلي تليجراف) البريطانية ، والتي قالت يوم 7 أكتوبر : لقد غيرت حرب أكتوبر مجرى التاريخ في الشرق الأوسط عندما عبر الجيش المصري قناة السويس واجتاح خط بارليف.
استلهام روح انتصارات حرب أكتوبر ضرورة لمواصلة بناء مصر
وانطلاقا من أيمانه بعظمة الانتصار الذي حققه جيشه بجنوده وقادته في حرب السادس من أكتوبر عام 1973 ، فإن علي الشعب المصري مواصلة استلهام روح هذه الانتصارات في العمل الجاد من أجل رفعة مصر اقتصاديا وسياسيا وثقافيا واجتماعيا ، والتي تتحقق بالوحدة والتلاحم والتصدي لأي عابث أو ماكر بأمن واستقرار الوطن الحبيب.
وقد أكد قائد مصر وراعي نهضتها الراهنة الرئيس عبد الفتاح السيسي ـ في كلمته أول أمس الأربعاء ، وبعد أن هنأ الشعب المصري والقوات المسلحة بمناسبة مرور 43 عاما على ذكرى نصر حرب أكتوبر ـ على قدرة شعب مصر على تجاوز مختلف الصعاب والتغلب على كافة التحديات.
واستنهض الرئيس السيسي روح انتصار أكتوبر في همم أبناء الشعب لمواصلة تحقيق أهداف الوطن دون إبطاء في عملية البناء والتعمير التي يسابق الزمن من أجل إنجازها والتي تهدف إلى الرقي بحياة شعب مصر.
وقال " لقد أكد نصر أكتوبر قدرة شعب مصر على تجاوز مختلف الصعاب والتغلب على كافة التحديات أيا كانت طبيعتها ومهما كانت صعوبتها إذا ما تحلى بعزيمة راسخة لتحقيق تطلعاته المشروعة وتسلح بقيم الانضباط والعمل والإصرار للوصول إلى غاياته وتحقيق آماله".
وأضاف " إني على ثقة بأن شعب مصر سيتمكن من تجاوز كل ما يواجه الوطن من تحديات تنموية واقتصادية راهنة ، فكما حققنا النصر عام 1973 بالتضحية والانضباط والإصرار سنحقق التنمية والتعمير والبناء بعزيمة المصريين وعملهم الجاد وتصميمهم على تشكيل مستقبل أفضل لهم وللأجيال القادمة ، وأؤكد لكم في هذه المناسبة أننا نعمل جاهدين على تحقيق آمال المصريين في توفير الواقع الأفضل الذي يستحقونه ، ونسابق الزمن من أجل تحقيق الإنجازات التي طال انتظارها ، إذ قمنا على مدار العامين الماضيين بإطلاق مشروعات قومية في مختلف المجالات والقطاعات ، بالإضافة إلى تعبئة جهود الدولة من أجل تحسين الظروف المعيشية للمواطنين ، ولا يخفى عليكم أن حجم التحدي كبير وأن علينا بذل جهود مضاعفة من أجل تعويض ما ضاع من وقت خلال السنوات الماضية ، ولاسيما في ظل الظروف الاقتصادية التي يمر بها الوطن ، فضلا عما يشهده عالم اليوم من متغيرات وتحديات كبيرة تؤثر على الجميع ، إلا أنني على ثقة في أن ما يتم بذله من جهود ضخمة من جانب أبناء مصر المخلصين كفيل بتحقيق التقدم والتنمية الاقتصادية والاجتماعية التي يطمح إليها الشعب المصري".
واستطرد الرئيس عبد الفتاح السيسي قائلا : لقد علمتنا حرب أكتوبر العظيمة أن العلاقة التي تجمع الشعب المصري بقواته المسلحة هي مفتاح النصر ، حيث تضامنت جميع أطياف الشعب مع قواته المسلحة ، وضحت العديد من الأسر بأحبائها فداءً لهذا الوطن ، فتحية وتقدير للقوات المسلحة وأبنائها الشرفاء الذين يضحون بحياتهم لحماية حدود الوطن ، ويجابهون الإرهاب الأسود جنباً إلى جنب مع أشقائهم من الشرطة المصرية الباسلة".
وقال الرئيس إن حرب أكتوبر المجيدة ستظل تذكرنا دائماً أن الأوطان تعيش بتضحيات شعوبها ، وأن مصر لن تنهض سوى بجهود شبابها الأوفياء ، وستظل مصر دائماً عزيزة قوية بشعبها الأبيّ الكريم.