في الذكرى الـ16 لوفاة «محمد الدرة».. «الطفل» صاحب الانتفاضة الفلسطينية الثانية.. «إسرائيل» تنفي وفاته.. أطلقت عليه النيران 45 دقيقة كاملة.. و«اطمن يا أبي فأنا بخير» آخر كلمات شهيد الغدر
الجمعة، 30 سبتمبر 2016 02:55 م
«طفلٌ يدافعُ بالحجارة عالَما لما رأى الأقصى يُباعُ ويُشترى! يا درّة الشهداء كيف يضمه صدر الزمان؟! وكيف يحويه الثري؟!».. كلمات من قصيدة «درة الشهداء» ترثى حال أطفالنا في فلسطين والوطن العربى، كتبت للطفل في ثاني أيام انتفاضة الأقصى، لطفل أقوى من الرجال كلهم ليقول بعد ضربه بالرصاص مطمئنن أبيه والعالم: «اطمن يا أبي فأنا بخير» آخر ما نطق الطفل «محمد الدرة».
في مشهد حي نقلته عدسة مصور وكالة الأنباء الفرنسية لجميع العالم، جعل من الانتفاضة شئ هين، خرج الطفل محمد الدرة مع ابيه في شارع صلاح الدين بين نتساريم وغزة، فدخلا منطقة بها إطلاق نار عشوائي من قبل الصهاينة، فقام الأب بطبيعية البشر وأخذ الطفل بين أحضانه وقاموا بالاحتماء خلف إحدى البراميل، واستمر إطلاق النار ناحية الأب وابنه، وحاول الأب الإشارة إلى مطلقي النار بالتوقف ولكن استمر الإطلاق ناحية الأب وابنه لمدة 45 دقيقة متواصلة دون رحمة، وحاول حماية ابنه من القصف ولكنه لم يستطع، أصابت عدة رصاصات جسم الأب والأبن وسقط محمد الدرة شهيدًا.
نشأ «الدرة» وسط مخيم البريج في قطاع غزة الذي تقطنه أغلبية كبيرة من اللاجئين، عاش في أسرة تعود في أصلها إلى مدينة الرملة، والتي احتلت وطرد أهلها منها عام 1948، وهي مكونة من أبيه وأمه وستة من الأبناء سواه، عرف محمد بالشجاعة والجرأة، فكان عنيدًا لا يعرف الكذب، يهابه الأطفال في سنه ومن هم أكبر منه سنًا، هكذا قالت أسرته.
وقعت حادثة قتل الصبي محمد الدرة في قطاع غزة في الثلاثين من سبتمبر عام 2000، في اليوم الثاني من انتفاضة الأقصى، وسط احتجاجات امتدت على نطاق واسع في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية، وقامت كاميرا المصور الفرنسي شارل إندرلان المراسل بقناة فرنسا 2 بالتقاط مشهد احتماء جمال الدرة، وولده محمد البالغ من العمر اثنتي عشرة عامًا، خلف برميل إسمنتي، بعد وقوعهما وسط محاولات تبادل إطلاق النار بين الجنود الإسرائيليين وقوات الأمن الفلسطينية، وعرضت هذه اللقطة التي استمرت لأكثر من دقيقة، مشهد احتماء الأب وابنه ببعضهما البعض، ونحيب الصبي، وإشارة الأب لمطلقي النيران بالتوقف، وسط إطلاق وابل من النار والغبار، وبعد ذلك ركود الصبي على ساقي أبيه.
وبعد تسع وخمسين ثانية من البث المبدئي للمشهد في فرنسا، بتعليق صوتي من رئيس مكتب فرنسا 2 بإسرائيل، شارل إندرلان، الذي لم يشاهد الحادث بنفسه، ولكنه اطلع على كافة المعلومات المتعلقة به، من المصور عبر الهاتف، أخبر إندرلان المشاهدين أن محمد الدرة ووالده كانا "هدف القوات الإسرائلية من إطلاق النيران"، وأن الطفل قد قتل. وبعد التشييع في جنازة شعبية تخلع القلوب، مجّد العالم العربي والإسلامي محمد الدرة باعتباره شهيدًا.
ولايزال الكيان الصهيوني يخرج بأكاذيب حول مقتل «محمد الدرة» إلى يومنا هذا، تارة يصرحون أن من قتله هم فلسطينيون، وتارة أخرى ينفون موته من الأساس، والمهم لديهم أن يبعدوا عن أنفسهم جريمة تلوث أيديهم بدماء «محمد الدرة».
كما صرح وزير الحرب "موشية يعلون" لوسائل الإعلام، عام 2013، بأن الفيديو الذي تم بثه للعالم، كان ضمن حرب إعلامية على إسرائيل، وأن الدرة لا يزال حيًا، ثم قام بتشكيل لجنة هدفها معرفة ما إذا كان حي أم أنها أكاذيب، وأصدرت اللجنه تقارير كاذبة تفيد بأن الدرة ما زال على قيد الحياة.
كما أعلن بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، في صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»: «أن الجيش الإسرائيلي بريء من قتل محمد الدرة في بداية انتفاضة الأقصى عام 2000 وأن لجنة حكومية يرأسها وزير الحرب الحالي، موشيه يعلون، حققت في سبتمبر الماضي، عن مقتله، بتقرير بثته قناة "فرانس 2"، ولم تجد ما يدين إسرائيل، بل استنتجت أنه لا يزال حيًا من نهاية الفيديو وأنه كان مختبئا في حضن أبيه، وظهر فيه بوضوح وهو يحرك يده».
هكذا وفي النهاية مات الدرة، وانتفض العالم، لكن ذلك لم يمنع جيش الاحتلال من ممارسة جرائمه، تجاه الشعب الفلسطيني المناضل، والتي راح ضحيتها مئات الأطفال والنساء والشيوخ، فالدرة يموت كل يوم، وسط صمت عربي وعالمي، فشل في إيقاف العدو، أو حتى إدانة جرائمه الإرهابية.