كيف تصبح أسطورة ؟!
الأحد، 31 يوليو 2016 05:15 م
وقف الرجل فى عربية المترو وهو يحاول الاتصال بابنه ، ليخبره بأنه رسب فى امتحانات الثانوية العامة ، ويبدو أن الابن أستقبل الخبر بمنتهي البرود ، وأغلق الخط فى وجه أبيه ، فعاود الأب الحزين الاتصال مرة أخري والدموع محتبسة خلف زجاج نظارته الطبية المتهالكة ، والحزن خانق صوته ، يا بني قولي ،ليه تسقط فى أربع مواد وتجيب فيهم الدراجات ديه ، إنت ما كنتش بتكتب حاجة ، أنا إلي أعمل إيه مش أنت ، فكر هتعمل إيه لحد ما أرجع أنا مش عارف أفكر، ولو ما لقتش حل خد هدومك وأمشي أنا ما بقاش عندي حاجة ممكن أديهالك تاني ! وللأسف فشلت كل محاولاته للسيطرة علي دموعه وجلس علي أرض عربة المترو يبكي وسط حزن وذهول من ركاب العربة ..
فيما أخرج أخر تليفونه فى سرية وهاتف زوجته بصوت يتصنع الهدوء ، أدي الواد 25 جنيه وخليه يشحن موباليه ويجيب النتيجة من علي النت بيقولوا فيه ناس كتير ساقطة ربنا يستر ..
فيما قرر رجل عجوز يبدو علي مظهره الاحترام الشديد ، أن يمنح ركاب عربة المترو المتجه لحلوان نصيحة لعلها تخفف الأجواء المتوترة نتيجة صدور نتيجة الثانوية العامة ..
صاح الرجل قبل أن يغادر عربة المترو .. ما تعلمهومش فى مدارس وتضيعوا فلوسكم علي الدروس الخصوصية ، علموهم أزاي يبقوا أسطورة ؟!
والحقيقة أن مصر لا يتطلب فيها أن تتحول لأسطورة بأن تكون متفوق دراسياً ، فالنماذج الذى يختارها الإعلام والمجتمع لتتصدر المشهد ، كأساطير خارقة فى النجاح والشهرة والمال ، لا يوجد فيهم شخص واحد متفوق دراسياً ؟! فكيف يطلب الآباء من أبنائهم أن يتفوقوا دراسياً ، بينما محمد رمضان يفاجئ جمهوره من المراهقين والتلاميذ ، بصور جديدة مع سيارتين جديدتين له يتجاوز سعرهما ال7 ملايين جنيه ، وبالطبع رمضان لم يتجاوز مجموعه فى الثانوية العامة 60 % علي أقصي تقدير ، والنموذج الأخر من أساطير عصرنا الحالي ، هو محمد رمضان ، نجم النادي الأهلي ، الذى تم بيعه مؤخراً بأكثر من 60 مليون جنيه، ورمضان الذى تصادف وقت بيعه بهذا الرقم الخرافي ، دخوله امتحانات الثانوية العامة ، وظهرت النتيجة وحصل رمضان فيها علي 60 % ، وفى اليوم الثاني لظهور النتيجة ، نشر رمضان صور جديدة له أثناء تواجده بلندن بقميص فريقه الانجليزي الجديد ستوك ستي ، هذه هي نماذج النجاح المبهرة ، التى تسيطر علي عقول وأمال الأجيال الجديدة ، لم يعد للعلم مكان أو قيمة ، في مجتمع يريد أن يحاكم فتاة من أوائل الثانوية العامة ويتهمها بالخيانة والانضمام لجماعة إرهابية ، لأنها قالت أنها ترفض حضور تكريم للرئيس السيسي ، لأن والدها محبوس فى قضايا سياسية ؟! الأمر الذى دفع محامي لتقديم بلاغ فى الطالبة بنيابة أمن الدولة العليا !!
لا يستطيع أحد أن يخدعك ويؤكد لك أنه يمتلك إجابة السؤال الذى من الممكن أن يغير حياة أولادك ، ولم تعد أنت كأب تستطيع أن تجد أى حافز تقدمه لأبنائك ليجتهدوا دراسياً ويحصلوا علي مجموع كبير يمكنهم من الالتحاق بكليات القمة ، فكل هذا لن يحقق أحلامهم بركوب سيارة لامبرجيني وأمتلاك تاون هاوس بالتجمع الخامس ، وشاليه بالساحل الشمالي ، التعليم فى مصر لم يعد الطريق لبناء وضمان مستقبل الأبناء ، فالأفضل لك ولهم إن كانوا صبيان ، أن تجبرهم علي تعلم فنون كرة القدم ، لعل وعسي يخرج من بينهم محمد رمضان جديد يباع ب60 مليون جنيه ، وإن كانوا فتايات ، إبحث لهم من الآن عن شباب موهوب فى كرة القدم ليتزوجوا منهم ، وتوفر عليهم نغمة صعود السلم درجة درجة ، أو أن تذهب للحل الأسهل والأفضل بأن تجبر أمهاتهم بالدعاء لهم ليل نهار ، مرددين ثقة فى الله نجاح وفلوس ، لعل وعسي يستجيب الله هذا الدعاء ، ليتحولوا إلي أساطير دون أن يمتلكوا أي موهبة تذكر !