مبدأ أوباما الجديد
الإثنين، 18 يوليو 2016 04:49 م
فى يوم 10 مارس الحالى 2016، قامت الدنيا ولم تقعد عند المسؤولين من أهل الخليج عموما وفى المملكة العربية خصوصا ، حيث نشرت بعض الصحف الأمريكية والمواقع الالكترونية ، بعض اللقطات والأقاويل والعبارات، التى وردت على لسان رئيس الدولة العظمى الست" أمريكا" ، لمحررى صحيفة ذى أتلانتك الأمريكية عن العلاقات الأمريكية الخارجية والسياسة الدولية تجاه الأوضاع فى منطقة الشرق الأوسط، وخصوصا عن التنافس بين السعودية وايران، والأوضاع المحزنة القائمة فى سوريا واليمن والعراق وليبيا .
أيضا تناول ذلك الحديث المهم، دور أمريكا الجديد فى العالم. تناول الحديث كذلك بعض الأوضاع التى قد لا تهم العرب ولا المسلمين، رغم أهميتها من منطلق السياسات والاستراتيجيات، وأهميتها القصوى لفهم العالم والدور الأمريكى فيه. أعنى بذلك الأوضاع فى بلاد مثل أوكرانيا والعلاقة مع روسيا الرئيس بوتن بشكل خاص.
كثير من خبراء السياسة والمراقبين نظروا الى مبدأ أوباما الجديد على أنه من اسوأ قرارات أوباما فى مدة رئاسته، ومن أسوأ قرارات الرؤساء الأمريكان عموما منذ التأسيس ، ولعلهم هنا نسوا القرارات البوشوية سواء للأب أو الابن، وكلاهما جورج بوش. وقد أشار القرآن الكريم الى ذلك بقوله تعالى "كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ أَن رَّآهُ اسْتَغْنَىٰ".
قال معظم خبراء السياسة الأمريكان والعلاقات الدولية ذلك، لأن أوباما رفض أن يضرب سوريا بالصواريخ والطائرات فى صيف 2013، بعدما تخطى بشار الأسد، ولا أدرى إذا كان هذا اللقب ينطبق عليه أو ينطبق عليه لقب أخر- تخطى- الخط الأحمر، بضربه الشعب السورى بالأسلحة الكيمياوية. وتذرع هنا بالمعارضة . نعم نحن ضد المعارضة المسلحة وضد العنف والتكفير، ولكننا مع المعارضة السياسية السلمية لأنها جزء من الديموقراطية المستوردة من الغرب.
من يقرر الخط الأحمر ؟ سؤال مهم يجب الالتفات إليه عند الحديث عن أمريكا وعلاقاتها الدولية. الخط الحمر(red line )فى أمريكا ، تعنى تخطى أى دولة خارجية أو أن يتجاهل المسؤولون فيها الحدود التى وضعتها أمريكا لكى تقاوم أو تتدخل فى تلك الدولة، مثل استخدام الاسلحة الكيمياوية، على سبيل المثال لا الحصر.
هناك أمر آخر يجب ادراكه، عند الحديث عن هذه المسائل الحيوية، وهو ما يسمى كتاب "لعبة واشنطن"، وهذا يذكر القارئ المتابع بكتاب " لعبة الأمم" لما يلز كوبلاند وأحداثه التى سبقت نكسة 1967. كتاب "لعبة واشنطن" يشتمل على تفاصيل الأدوار الدراماتيكية فى السياسة، وعلى التكيتكات المهمة المحتملة للفوز فى التنافس والصراع .
المقابلة التى أجرتها صحيفة ذى أتلانتك، مع أوباما ستكون قصة غلاف الصحيفة فى أول أبريل عام 2016 وتغطى 19 صفحة، وهى ليست كذبة ابريل، بل هى لحظة مراجعة أو لحظة إستدراك قبل المغادرة، أى مغادرة أوباما - البيت الأبيض، التى يدعو المسؤولون السعوديون ويبتهلون الى الله تعالى أن تكون قريبا، حيث صدمتهم قرارات أوباما أو لنقل مبدأ أوباما. وكذلك هى إجابة على سؤال مهم كيف يفهم أوباما العالم؟.
ورغم كثرة المسؤولين المخالفين لأوباما عن تصريحاته الجريئة – وبعضها فى ظنى من العقل والحكمة- وبعضها من الشعور بالقوة والسيطرة، إلا أن أوباما لم يضع أحدا من المخالفين وراء الأسوار ، رغم قسوة النقد والمخالفة ، وكذلك لم يفكر أى من المخالفين مع كثرتهم وقوتهم فى الانقلاب على الرئيس، تحريك الكونجرس أو البرلمان أو الشعب نحو ثورة أو نحو إنقلاب ضده ولا حتى البنتاجون، ولا غير ذلك من المؤسسات، لأنها مؤسسات قومية للدولة وليس لحزب من الأحزاب، ولا كادر من الكوادر.
المخالفون لأوباما يون أن مبدأه هو تراجع إنهزامى عن أعراف أمريكا فى فترة ما بعد الحرب ، وكأنه يحتقر كتاب " اللعب" وفى كتاب "اللعب " تقاليد السياسة الخارجية وكيفية الاستجابة لشتى الاحداث العالمية، وغالبا ما تكون الاستجابة عسكرية وإن لم يطبقها الرئيس فى حالة مثل سوريا، يصبح عرضه للنقد الواسع.القنابل التى جاءت فى الحوار الذى اجراه جيفرى جولد بيرجJeffry Goldberg ، تشمل إعتقاد أوباما أن الشرق الوسط منطقة غير مرنة ، وعلى السعودية أن تشارك إيران فى المنطقة بدلا من التنافس والصراع، ويرى أوباما أن دول الشرق الأوسط فشلت فى تحقيق الرفاهية وتوفيرالفرص أمام المواطنيين.
ويرى أوباما وهو الأهم، أن أيديولوجية أو أيدولوجيات المنطقة هى أيديولوجيات عنيفة ومتطرفة، وقد ملأت السوشيال ميديا، كما أن الاعراف الحضارية والمدنية قليلة جدا ، وأن الحكومات الباطشة المستبدة فى المنطقة بدأت تنهار ، وأن أخطر المبادئ المنظمة فى المنطقة هى الطائفية . لم يقف أوباما عند ذلك الحد ولكنه يرى أن الطائفية والعشيرة والبؤس، هى مبادئ أساسية فى المنطقة.
أراد أوباما فى مبدأه الجديد أن يذكر السعوديين خصوصا، بأن أغلب المنغمسين فى أحداث سبتمبر 2001 كانوا من السعوديين ، وانفتحت شهية أوباما أكثر عندما قال " إننا نقيس المجتمعات وتقدمها وتحضرها بمعاملة النساء". وطبعا هذا أمر حساس جدا فى السعودية التى تحاول المرأة فيها الحصول على رخصة قيادة ، والفرق الهائل بينها وبين امريكا التى تحاول المرأة فيها ( مسز كلينتون) أن تكون رئيسة فى الفترة القادمة.
ويرى أوباما فى المبدأ الأوبامى الجديد، أن التنافس بين السعودية وايران، ساعد فى تغذية حروب بالوكالة، وأحدث فوضى فى كل من سوريا والعراق واليمن. ووقف أوباما موقف الناصح للسعودية وإيران عندما قال" علينا أن نقول لأصدقائنا ( طبعا فى السعودية) وللايرانيين أن عليهم أن يبحثوا عن طريقة فعالة فى الحياة المشتركة كجيران، وأن يؤسسوا لسلام بارد من اى نوع".
طبعا الغرب وأمريكا أم الاختراعات العلمية والتقنية والسياسية . وكذلك نرى ( السلام البارد) فى السياسة على غرار ما يقولون فى الحرب ( الحرب الباردة)، وكل شيئ بارد عند الغرب، يكون فى معظمه ساخنا جدا.
السعودية كما قلت – إنتبهت من غفلة، واستيقظت من ثبات فى ضوء مبدأ أوباما، وانتقد الأمير تركى الفيصل تلك القرارات أو تفاصيل ذلك المبدأ – كما ذكرت صحيفة واشنطن بوست ،وإنبرى ليذكر أوباما وأمريكا بخدمات المملكة العربية السعودية لهم. تمثلت تلك الخدمات فى أمرين أساسين مهمين وهما: مساعدة اللاجئين من سوريا واليمن والعراق، والامر الثانى تمثل فى شراء سندات الخزانة الامريكية لمساعدة الاقتصاد الامريكى.
طبعا الأمر الأول الذى فعلته السعودية لمساعدة اللاجئيين من أجل عيون أمريكا ، وكان ينبغى أن يكون فى سبيل الله تعالى، وليس خدمة لأمريكا ، ويا للأسف حتى الكلام أحيانا لا نحسنه. والأمر الثانى المهم، والسؤال الأهم، لماذا تشترى السعودية سندات الخزانة الأمريكية لمساعدة الأقتصاد الامريكى . ليتها ساعدت نفسها أو أخواتها فى الجامعة العربية أو منظمة المؤتمر الاسلامى، وبعض أهل تلك المنظمات – كما هو معلوم وشائع - لا يجدون القوت ولا الدواء ولا المأوى ولا الماء النظيف للشرب. فهل مساعدة الخزانة الأمريكية أيضا عمل من المملكة العربية السعودية فى سبيل الله تعالى؟. يذكرنا هذا بالمنح السخية الخليجية لحدائق الحيوان فى الغرب. وللحديث صلة لأهميته . والله الموفق