عيد الاستقلال الأمريكي والرسالة اليهودية
الإثنين، 18 يوليو 2016 04:47 م
لا يزال كثيرون منا يحملون ذكريات مبهرة عن فيلمين سجلا علامة فارقة في حياة جيل التسعينيات ، ومن قبلهم ، أولهما بالقطع وبالطبع ، فيلم تايتنيك، لجيمس كاميرون الذي حقق في وقته مليار درلار ، أي قدر دخل مصر في سنة من مرور السفن في قناة السويس.
الفيلم الثاني هو" اندبندنس داي " ، أي عيد الاستقلال الأمريكي ، وهو يوم الرابع من يوليو ، . كان اول عرض له في امريكا والعالم ، ومصر طبعا ، في ١٣ يوليو ١٩٩٦ ، وتكلف الفيلم وقتها ٧٥ مليون دولار ، وكتبه واخرجه رونالد ايميرتش ، مخرج الجزء الثاني الذي يشاهده العالم ، والقاهريون الآن !
كان الفيلم مفاجأة مدهشة في جميع عناصره من سيناريو وموسيقي الي اخراج تقني بالغ التقدم ، الي نجوم ابرزهم ويل سميث ، الذي أسر قلوب الناس في العالم بخفة الظل وسلاسة الأداء .
كان غزو الارض وتدميرها شاملا وحقيقيا تقريبا ، لذلك صدقه الناس، واشتروا تذاكر ب٨١٧ مليون دولار، ،منها ٣٠٦ داخل امريكا ، والباقي من مختلف انحاء العالم . الملامح الانسانية والشعور الوطني، والموسيقي ،والاخراج المبهر حققت للفيلم مكانة أهلته للحصول علي الاوسكار ، وليحتل رقما في قائمة افضل خمسين فيلما في تاريخ السينما العالمية . ولابد ان نذكر هنا الفكرة الاساسية التى حملت الرسالة اليهودية بتكلفة بلغت ٧٥ مليون دولار، وهي ان البطل الذي أنقذ البشرية هو عالم الاتصالات دافيد، وهو يهودي ! عرف كيف يزرع فيروسا ينزع درع الحماية عن المركبة الفضائية العملاقة التي دمرت نصف العالم، وتسعي الي لب الأرض للحصول علي صهير مركز الأرض ، وقودا لحضارتها ، وبالتالي تفقد الكرة الأرضية مجالها المغناطيسي، وبالتالي أيضا، يتحول الكوكب التعيس الي مجرد حقل من حقول الطاقة او البترول ، للتبسيط !
عاد غزاة الفضاء الي كوكبنا من جديد بعد عشرين سنة ، في فيلم يحمل التيمة ذاتها ، والتي ظهرت بوضوح ، وعلي أكثر من صعيد ، في الجزء الثاني الذي خرجت به شركة فوكس الأمريكية علي العالم ، ويشاهده الجمهور المصري هذه الأيام . وينافسه بقوة فيلم جحيم في الهند لمحمد عادل امام !!
الفيلم تكلف انتاجه ٢٠٠ مليون دولار ، وهو يخلو من بطله الأول ويل سميث ، والسبب ارتفاع اجر النجم ، وتجنب ارتفاع ارقام الانتاج ، كما أعلن رولاند ايميريتش !
قدم الفيلم بطلا اسود آخر هو ابن ويل سميث في الجزء الاول ، ورغم اجتهاده ، فإنه وزميله لم يبلغا حضور وكثافة اداء النجمين ويل سميث وجيف جولدبلوم الذي ادي دور دافيد منقذ العالم . لكننا سنري الزمن داس بقوة حتى حفر خطواته العميقة علي وجه بيل بولمان الرئيس الامريكي ويتمور في الجزء الأول . يظهر بول مان مريضا متداعيا ، موصولا عن طريق التخاطر لما يزل بالمخلوقات الفضائية منذ صراعه الأول معها ، ومن ثم فإنه كان يدرك أنها ستعود وتدمر الأرض وتنتقم لهزيمتها .
كان الأرضيون كلهم ، من أمريكا الي الصين الي اوروبا الي العرب ، استعدوا بتكنولوجيا فضائية مقتبسة مما تركه الغزاة الأوائل قبل عشرين عاما ، وهكذا بدأ الدمار في اللحظة ذاتها التي مضت فيها الرئيسة الأمريكية تجدد ذكري الاحتفال بيوم النصر علي الفضائيين .. حين هبطت المركبة التى تحمل الملكة الأم ، مركبة غطت شامل كامل مسطح المحيط الأطلنطي وسحقت ومحقت الساحل السرقي الامريكي بيوتا وناطحات وقواعد عسكرية وبيتا ابيض وكونجرس ...
وتسقط رئيسة امريكا ومعها نوابها جميعا صرعى ، ويتم اخنيار رئيس جديد هو جوشوا ادامز !
وخلو بالكم من الاسم هذه المرة أيضا .. جوشوا اسم توراتي ، وهو يعني المخلص والمنقذ وفي تفسير لبعض المراجع المعنية، فإنه الرجل الذى خلف سيدنا موسى في قيادة بني اسرائيل . يؤدي الرئيس الأمريكى جوشوا أدامز أذن يمين الولاء للدستور ويتعهد بحماية أمن بلاده وهزيمة غزاة الفضاء . لدينا اذن الرئيس المنقذ حامل الاسم التوراتي ، ولدينا دافيد عالم الاتصالات الذي أنقذ الكوكب في الجزء الأول ، ولدينا ابو دافيد ، وهو هونفس الممثل ، وبخفة ظل ثقيلة بعض الشئ في الجزء الثاني . الجديد في الفيلم هو العرض الثلاثي الابعاد بالنظارة المجسمة للشريط السينمائي ، فأنت تعيش داخل المركبات و الفضائيون والبشر من حولك ، والسهام والقنابل والسواطير وحطام ناطحات السحاب تتجه الي مقعدك في الصالة ، وتهز وجدانك هزا . المتعة الفنية محققة بالفعل ، لكن هل هي كاملة رغم فارق التكنولوجيا الرهيب بين استقلا ١٩٩٦ ، واستقلال٢٠١٦ ؟ للأمانة لا!
شئ ما ينقص هذا العمل .. رغم أن اربعة من نجوم الجزء الاول موجودون، لكن روحا غادرته ، وتركته غير ثاقب لذاكرة الناس ، ومن ثم فهو من نوعية الافلام سريعة الذوبان في كأس النسيان ! هل وصلت الرسالة السياسية المقصودة ؟
الرسالة المقصودة هي ان علماء اليهود ، واليهودي وحده ، في موقع السلطة الكبرى ، هو من سيخلص البشرية من المصير المحتوم وهو التصفية الكاملة للجنس البشرية وتحويل كوكب الأرض الي بئر طاقة ليس الإ! ونسأل من جديد :
وصلت الرسالة الي الناس !
ونقول نعم وصلت ولكنها فجة ومكررة ومضحكة .
لكن ال ٢٠٠ مليونا تكلفة الانتاج سوف تتضاعف بالتأكيد ، وجحيم ابن عادل امام شغال في القشاش ، رغم الزحام ، لان الحصيلة في العيد كانت ستة ملايين !
قشاش وحده ؟! معظم أعمالنا الدرامية شغالة في القشاش .. بقايا الفن .. بقايا الحصاد .