جلاستنبري 2016: موسيقى رائعة وألوان زاهية رغم غيوم السياسة
الثلاثاء، 28 يونيو 2016 05:13 ص
مع كل دورة جديدة، يتوقع كثيرون أن تكون الصور القادمة من مهرجان غلاستنبري مشابهة لصور الدورات السابقة. فمع كل مهرجان جديد تحتل الألوان الغزيرة ذاتها مزرعة "وُرذي فارم" في مقاطعة سَمَرسِت الإنجليزية؛ ألوان الملابس التي يرتديها عشرات آلاف زوار المهرجان، ألوان خيمهم التي جلبوها ونصبوها لتصبح منزلهم لثلاث أو أربع أو خمس ليال، ألوان الأضواء التي تنير المنصات والمسارح المختلفة في أرجاء المزرعة الكبيرة، وألوان الغناء والموسيقى المختلفة التي تأتي إلى هنا من كل زاوية في العالم لتحول هذا المكان إلى ما يشبه الجنة.
لكن هذه السنة فيها ما هو جديد، فهناك ما لم يسبق أن رأى المهرجان أو زواره مثله، ابتداء من الفنانين الذين مُنحوا شرف افتتاح المهرجان الساعة الحادية عشرة صباح اليوم، والذين لم يكن عددهم مسبوقا وكذلك أداؤهم.
أزمة اللاجئين
يعد افتتاح مهرجان غلاستنبري "شرفا"، ومن يُطلب منه تقديم أول عروض المهرجان الموسيقية الرسمية صباح الجمعة يكون عادة فناناً أو فريقاً يقصد المنظمون تكريمه أو التنويه بأهميته.
لكن مهرجان هذه السنة اختار التنويه بأزمة السوريين عبر دعوة العشرات من أعضاء الأوركسترا الوطنية السورية لافتتاح مهرجان غلاستنبري 2016.
قَدمت هذه الأوركسترا السورية المصغـّرة غناء وموسيقى على مدى ساعة، وبعضها شارك فيه مغنون من دول مختلفة بلغات مختلفة. والرسالة من وراء ذلك كانت: تذكروا المأساة الإنسانية التي يعيشها السوريون، فهم ليسوا مجرد لاجئين يحتاجون للمساعدة.
السياسة
قبل هذه البداية الرسمية للمهرجان، شهدت المزرعة مساء يوم الأربعاء نشاطات ثقافية محلية صغيرة مبنية على بعض الأساطير العتيقة التي تحيط بمقاطعة سَمَرسِت حيث يقام المهرجان.
لكن أبرز ما حدث يوم الأربعاء كان الاحتفاء الذي نُظم لإحياء ذكرى البرلمانية البريطانية جو كوكس التي قُتلت أواسط حزيران/ يونيو الجاري فيما يُعتقد أنه اغتيال اتهم به أحد المتطرفين المعارضين للاجئين والمهاجرين.
وأعلنت منظمة أوكسفام الخيرية، وهي من المؤسسات التي يدعمها مهرجان غلاستنبري كل سنة، أنها ستصدر ألبوماً غنائياً لإحياء ذكرى جو كوكس التي كانت، قبل أن تدخل البرلمان ربيع العام الماضي، متطوعة في أوكسفام زارت أماكن نزاع في العالم العربي، ودافعت بشدة عن اللاجئين والمدنيين ضحايا الحروب الساخنة.
وكانت كوكس قد ركزت مؤخراً على اللاجئين والنازحين من الحرب في سوريا.
وصباح أول أيام المهرجان استيقظ زواره على أخبار تصويت البريطانيين لصالح ترك بلادهم الاتحاد الأوروبي. ومن حديثي إلى بعضهم في الصباح الباكر أستطيع القول إن الصدمة، وليس فقط المفاجأة، كانت مسيطرة على مشاعر الناس هنا.
لكن بعد ساعات قليلة قرر الجميع التفكير في الأمر لاحقاً، بعد أيام، عندما ينتهي المهرجان ويعودون إلى بيوتهم وتهدأ رمال الزوبعة التي أثارتها نتائج الاستفتاء.
الحدث السياسي الآخر، الذي اعتبر مفاجأة عندما أعلن عنه قبل عدة أسابيع، هو مشاركة زعيم حزب العمال البريطاني المعارض جيرمي كوربن الذي كان ينوي أن يزور المهرجان بعد ظهر آخر أيامه ليتحدث إلى المشاركين عن السلاح النووي، الذي يُعرف عن كوربن معارضته الشديدة له.
ما الذي يفعله سياسي هنا؟ سؤال خطَر في بال كثيرين، لكن إذا عرفنا أن مايكل إيفيس، مؤسس مهرجان غلاستنبري، عضو في حزب العمال ورَشح نفسه عام 1997 في الانتخابات البرلمانية عن حزب العمال في جنوب ويلز، وإذا تذكرنا إعلان جيرمي كوربن عند توليه زعامة حزبة أنه يريد أن يُظهر وجهاً جديداً للسياسة ويُقرّب الساسة أكثر من الشعب، قد يبدو مقبولاً أن نراه هنا في مكان لا دخل للسياسة فيه أصلاً.
لكن السياسة نفسها حرمت كوربن من هذه الفرصة، فقد أعلن في وقت متأخر من مساء الجمعة أن زيارته ألغيت لأن عليه أن يركز على مواجهة نتائج التصويت للخروج من الاتحاد الأوروبي!
الراحلون
رحل فنانون كثيرون عن عالمنا منذ بداية هذا العام، من بينهم اثنان من أبرز الموسيقيين الغربيين وأكثرهم تأثيراً.
ففي اليوم العاشر من عام 2016 مات مغني الروك والبوب الإنكليزي ديڤيد بوي الذي كان لموسيقاه وأعماله ولشخصيته أيضاً أثر كبير ليس فقط ضمن عالم الموسيقى بل ضمن المجتمع أيضاً، وينوي مهرجان هذه السنة تنظيم حفل خاص قبل منتصف ليل اليوم الثاني بقليل إحياء لذكري ديفيد بوي تعزف خلاله قطعة Heros السيمفونية للموسيقي الأميركي فيليب غلاس والتي استوحاها من أعمال بوي.
ويرافق هذا الحفل عرض خاص يُشاع هنا أن ألوانه ستغطي أرض المهرجان كاملة طوال الليل، أو تكون مرئية في كل مكان هنا. والألوان الكثيرة ليست سوى إشارة إلى تشجيع ديفيد بوي للجميع على التصريح بالهوية والميول والانتماء، وإبراز لونهم الحقيقي، وعدم التلون بألوان يفرضها المجتمع علينا.
اللون الآخر الذي سيطغى على غلاستنبري هو اللون البنفسجي، لون مغني البوب الأميركي برنس الذي توفي فجأة في نيسان/ أبريل.
وستحيى ذكراه عبر تمثال ارتفاعه أربعة أمتار في وسط المزرعة، والكثير من الحفلات طوال أيام المهرجان، من بينها حفل كبير راقص لأغانيه على المسرح الرئيسي.
والخلاصة، هناك الكثير من الموسيقى الرائعة، والعروض الفنية والنشاطات الاستعراضية والكوميدية والنقاشات الثقافية ومئات الأحداث على عشرات المسارح خلال ثلاثة أيام. لكن هناك أمر واحد عليّ أن أشير إليه؛ فكلمة معجزة رُددت كثيراً عند الحديث عن غلاستنبري 2016، لأن جميع أيام المهرجان ستكون مشمسة هذه السنة؛ وغياب المطر يعني غياب الفيضانات المحلية وغياب برك الماء، بالتالي غياب ما يعتبره البعض ميزة للمهرجان يحتفى بها أي "اللعب بالطين".