أثري يكشف أصل عبارة «تحت القبة شيخ» وقصص أشهر دراويش السيدة زينب والحسين
السبت، 18 يونيو 2016 11:18 ص
أكد الأثري سامح الزهار المتخصص فى الآثار الإسلامية والقبطية، على أن علاقة المصريين بزيارة أضرحة الأولياء وآل البيت وأصحاب الكرامات تعد واحدة من أهم السمات التي تميز المجتمع المصري على مر التاريخ، والتي تميز بها عن غيره من المجتمعات التى تتشابه معه في التاريخ والجغرافيا والموروث الثقافي.
وقال الزهار، في تصريح لوكالة أنباء الشرق الأوسط اليوم: إن المصريين قدموا نموذجا للدين بريقتهم الاجتماعية التى تظل فى الوجدان المصري عبر العصور، مشيرًا إلى أنه منذ آلاف السنين وعلاقة المصريين بالقبور وزيارتها علاقة قوية ومتواصلة وبها شئ من العمق والجذور القديمة، فكان المصري القديم حريصا على زيارة المقابر الخاصة بالملوك في مصر القديمة التى هي بمثابة أضرحة مصر الفرعونية.
وأضاف أن فكرة زيارة أضرحة السابقين قد اختلفت وتطورت خلال العصر الإسلامي بصورة كبيرة سواء كان الضريح يحتوي على رفات لأحد الأولياء والصالحين أو كان ضريحًا يخلو من أي رفات ويحمل فقط الدلالة الرمزية لمن يشير إليه، مشيرا إلى أن أغلب الأضرحة غير مسجلة ولا يوجد لها حصر فهى تتبع وزارة الأوقاف ويشرف على بعضها الطرق الصوفية.
وتابع قائلًا: "إن التاريخ الشعبي المصري يزخر بالعديد من القصص حول حكايات الأضرحة، فقد كان لمحتالين حمارا قد نفق فقاما بدفنه وعمل ما يشبه الضريح فوقه وكأنه ضريح لأحد الأولياء حتى يجمعا عليه تبرعات المريدين، وقد حظى الضريح بزيارة الكثير من الناس وترك التبرعات النقدية بالضريح، حتى أن جاء يوم واختلف المحتالان على تقسيم الأموال، ليهدد أحدهما الآخر بأنه سوف يدعي على زميله عند ذلك الولي، ليرد الآخر أنه الضريح وهمي واستنكارًا لأنه ليس (تحت القبه شيخ) و(احنا دافنينه سوا)، لتتخذ من تلك العبارات أمثالًا شعبية في مصر حتى يومنا هذا.
وأشار إلى أنه يسكن فى محيط الأضرحة في مصر ما يطلق عليهم "الدراويش"، وهم جماعات ينتمون بشكل أو آخر لإحدى فرق الصوفية، والمقصود بالدراويش أي المريدين والمحبين ومحيي الحضرات، وبعض الفقراء والمجاذيب، ولهم قصص وحكايات كثيرة وبعضهم يعد من مشاهير المنطقة، موضحا أنه من أشهر الدراويش فى مصر (المارشال على) في محيط سيدنا الحسين، والذى كتب عنه الكاتب الكبير الراحل جمال الغيطاني، ذلك الرجل الذى يرتدي معطفا عسكريا أجنبيا عليه نياشين بعضها حقيقي وبعضها من أغطية زجاجات المياه الغازية، وسروال بالي ليقف في ساحة الحسين متخيلا نفسه بالمارشال العسكري الذى يحكم المنطقة،ويجاريه الناس في ذلك مزحا.
ولفت الأثري سامح الزهار إلى أن من أكثر المناطق التى يأتى لها المصريون من ربوع مصر هو مسجد السيدة زينب للصلاة والتبرك وزيارة ضريحها الذى يستقبل المريدين يوميا بعد صلاة الفجر لإحساس البعض بقيمة التبرك بهذا المكان، فعند حضور الحضرات الخاصة بالطرق الصوفية في المسجد يتعالي صوت أحد الدراويش المعروفين فى المكان منذ زمن في حالة من التجلي قائلا (علشان خاطر الرئيسة المشيرة الكريمة العظيمة الشريفة العفيفة ستنا السيدة زينب.. مدد يا أم العواجز مدد).
وأكد أنه كما اعتاد المصريون أنهم إذا ما أحبوا شخصا كنوه ولقبوه وأطلقوا عليه المسميات والأسماء المستعارة في إشارة لحالة من الخصوصية فى علاقة المحبة، موضحا أن لقب "الرئيسة أو رئيسة الديوان" للسيدة زينب رضى الله عنها، جاء لأنها عندما قدمت مصر كان الوالي وحاشيته يأتون إليها وتعقد لهم بدارها جلسات للعلم فيتفهموا الأمور الدينية في ديوانها وهي رئيسته، أما المشيرة فالمقصود من ذلك اللقب أن كثيرا ماكان يرجع إليها أبوها وأخواتها في الرأي، وأم العواجز لأنها كنيت بهذه الكنية عندما شرفت مصر بقدومها وساعدت العجزة والمساكين.
وقال الزهار إن للمشهد الحسيني في القاهرة تجليات واضحة في وجدان المصريين من كافة الطبقات، فيجتمع لديهم المثقفون والعوام،العلماء والبسطاء،الأغنياء والفقراء، وقد حكى المصريون عن ذلك المشهد وقاطنيه ومريدي سيدنا الحسين الكثير من الحكايات التى تزخر بها الثقافة المصرية، وقد كانت تلك المنطقة سببًا رئيسيًا في إلهام وبزوغ نجم العديد من المبدعين والكتاب لما تحمله المنطقة من ثراء إنساني عظيم.
وأضاف أن أهم الروايات الأدبية للمنطقة تتجلى في أعمال الكاتب العالمي الراحل نجيب محفوظ، والأديب الكبير الراحل جمال الغيطاني، كما تغنى بتلك المنطقة عدد من الشعراء والمطربين إجلالا لما تركته تلك المناطق من أثر فى نفوس المصريين خاصة البسطاء مثل ما كتبه الشاعر زين العابدين وغناه محمد عبد المطلب في الأغنية المعروفة (ساكن في حي السيدة وحبيبي ساكن في الحسين).
وكشف الأثري سامح الزهار، عن عدم تسجيل مسجدى السيدة زينب والحسين بالقاهرة كآثار على الرغم من القيمة الدينية والتاريخية والأثرية لهما، مناشدا وزارة الآثار بأهمية تسجيلهما في عداد الآثار الإسلامية والقبطية بالوزارة ووضعهما فى المكان اللائق بهما وذلك لقيمتهما القصوى وما يحتويانه من آثار فريدة، تركت بصمة في عقل وقلب كل من زارهما وتبرك ببركتهما.