ويسألونك عن جحا والتعليم.. قل "قابلني" بعد عشر سنوات

السبت، 11 يونيو 2016 08:54 م
ويسألونك عن جحا والتعليم.. قل "قابلني" بعد عشر سنوات
عبد الفتاح علي

لا يمكن ان تنتظر من مسن أن يفوز في سباق الـ100 متر، ولا تأمل في كهل أن يصبح خبيرا في التكنولوجيا، ولا تراهن على تقليدي أن يقود ثورة تقدميين، ولا تطالب بيروقراطي أن يحل خلل في سيرفرات الفيس بوك.

لكن الحكومة تفعل، والرئيس يطلب من هؤلاء ان يكونوا عن مستوى الأمل والطموح لشعب أكثر من ثلثيه عمرهم أقل من 45 سنة.
هناك مثل يقول الرفيق قبل الطريق، وهو لا يعني الحرص على مصدر التسلية في الطريق، ولا يعني أيضا أن نأتي بمن نعرفهم ونثق فيهم، بقدر ما يعني الحرص على وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وهنا تكمن الازمة.

من هو الشخص المناسب، هل هو المؤهل لأداء المهمة، أم المؤهل لمدح التكليفات الموكلة له، هل هو الخبير، أم هو أبو العريف الذي يفهم في كل شئ، هل هو القائد الذي يدير الفريق، أم الكوتش على الطريقة المصرية في الملاعب ( ياللا يا رجاله أحسن شباب)، هل هو صاحب الانجاز أم هو صاحب الولاء؟.

هذه أمور كلها تقع على عاتق الرئيس الذي يختار من سيؤدي المهمة التي ستساعده على تحقيق طموحه، باعتباره المسئول المنتخب عن السلطة التنفيذية، فأغلب اختياراته في الوزراء لا ترتقي لمستوى طموحه الشخصي، المتواضع بالمقارنة بصموح الشباب، وهو ما انعكس على حجم الانجاز الذي كان يأمله، ومستويات الاخفاق الذي منى بها شهر وراء شهر وعام وراء الثاني، فما بالك بثلثي شعب كان طموحهم يقارع السحاب.

المشكلة ليست في من يقوم بالتسريب، المشكلة تكمن في البيئة التي رعت هذه المساحة الضخمة من التسريبات، التي باتت سمة لعصره ولحكمه، بداية من تسريبات طالته هو شخصيا، ثم تسريبات طالت أجهزته الأمنية، وتسريبات مست شخصيات عامة، وأخيرا تسريبات طالت كل بيت في البلد فيه طالب ثانوية عامة، يعني 450 ألف أسرة من ضمن مليون وربع المليون أسرة مصرية، يعني ما يقرب من ثلث المصريين أصيبوا بالإحباط المباشر من هذه التسريبات.

أنا لا أتهم وزارة التربية والتعليم بالتقصير، فلا سؤال لسفيه، ولا مسئولية لعى فاقد العقل والوعي والادراك، فهي وزارة من أول وزيرها إلى أصغر مدرس فيها، لا يملكون القدرة على مجاراة التطور والتحديث، فالوزير البالغ من العمر 59 عاما، لا يمكنه أن يستعمل تلفونه في أبعد من الاتصال، فما بالك باستخدام النت، والتعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي مثل طالب لا يتجاوز عمره 18 سنة، هذه الوزارة العقيمة السفيهة، مسؤولة عن تربيته وتعليمه وتهيئته لسوق العمل أو للترقي للحصول على تعليم عال.

وما ينطبق على الوزير ينطبق على مديري المدارس والنظار والموجهين وواضعي الامتحانات ورؤساء القطاعات، إلى نهاية الهيكل القيادي للوزارة، وبالتالي فأصغر طالب في الاعدادية، يفقه ما لا يمكن لعقول هؤلاء أن يستوعبوه، او حتى يدركوه.

ما هو المطلوب منهم اكثر من الارتباك والغرق في "شبر مية"، ثم التوجه نحو الأمن لينقذه من الكارثة، وهم لا يدركون أنهم استعانوا بفاقد الشئ، فلا يمكن مواجهة هاكرز، بالمسدسات، ولا بعقلية ضابط المباحث، ولا بأساليب أمناء الشرطة، ونباهة الشاويش عطية، فالنتيجة المحتومة، هي الفشل الذريع.

ثم يأتي الزميل بشير حسن، وله كل الاحترام والتقدير، ويضخم المسألة على انها حرب بربرية لا تقل في فداحتها عن الحرب في سيناء، وهو بهذا المنطق الذكي، يسحب الزناد الموجه ضد رأس الوزير، ويجعله قائدا هماما يواجه ما يواجهه الجيش في سيناء من ارهاب وتفجيرات.

بالطبع هذه الخدعة انطالت على الجميع، ووقف الاعلام مناصرة للزميل تارة، ولعدم الفهم تارة أخرى في صف الوزارة لمواجهة ارهاب التسريبات، والجميع لا يدرك اننا ذاهبون إلى نهاية مأساوية لا رجعة فيها، لأن الهدف من كل هذا التغاضي عن الفشل الغارق فيه الجميع، من أول رئيس الجمهورية، وحتى أصغر حامل لبطاقة الرقم القومي.

ما الحل؟
قد يستحيل إيجاد حل في ظل المنظومة القائمة، خاصة مع تكرار الحديث حول التغيير القادم في المنظومة خلال عشر سنوات، وهو نوع من أنواع إيهام الناس بالباطل، وبمنطق التاجر الشاطر، الذي يزيح البضاعة بأسرع طريقة ممكنة، وكلها ترهات لا أساس لها من الصحة، ولا تعكس نية حقيقة في الحل أو الاصلاح.

فلو أن هناك رغبة في تغيير حقيقي، فإن التغيير لا بد له من خطوة أولى تبدأ الآن، لأن مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة، فما هي الخطوة التي بدأت، وما هي الخطة الموضوعة كي نحل كارثة التعليم الفاشل بعد عشر سنوات أو حتى بعد 100 سنة، لا شئ البتة.

هناك نكتة قديمة تقول "رصد الحاكم جائزة ذهبية لمن يعلم الحمار القراءة والكتابة، فلم يتقدم أحد سوى جحا، الذي قال للحاكم، امنحني عشر سنوات وسأجعل الحمار يكتب ويقرأ، فمنحه الحاكم الجائزة الذهبية الكبيرة، فتعجب الناس من إقدام جحا على هذا الأمر، فقال لهم جحا، خلال العشر سنوات، إما أن يموت الحمار، أو يموت الحاكم أو أموت أنا".

حتى كتابة هذه السطور فإن الكتب المدرسية المقررة للعام القادم لم تصل للمدارس، ولم تطبع الكميات المراد طباعتها، وهي مشكلة سنوية، تتجدد كل عام، لا زلنا نفشل فيها بامتياز منقطع النظير، وطبعا حلها لن يأتي بمنحها لمطابع الهيئة الهندسية كما جرت العادة مع الرئيس في مواجهة أي مشكلة.

إذا هذه مشكلة قديمة وفقا للمنظومة البالية، فشلنا في حلها، فكيف نثق في أن هذه الإدارة وهذه الوزارة وهذه الحكومة قادرة على وضع منظومة تعليم جديدة ستطور التعليم في عشر سنوات، بالطبع هذا الكلام "بلح".

الحل في رأي المتواضع غير المتخصص، لن يكون سوى بالمغامرة، والمقامرة، بمنح المنظومة التعليمية لشباب لا يزيد عمرهم على 30 سنة، حتى لو كانوا بلا خبرة، فأخطاء الشباب (المتوقعة) أرحم وأكثر قبولا من الكوارث التي يجلبها لنا الكبار، فقط دورنا ينحصر في البحث عن هؤلاء الشباب ومنحهم كل الصلاحيات والامكانات، ودعمهم في وضع خطة واضحة للتطوير.

التجارب كثيرة، سواء الفاشلة التي وضعناها ودفع ثمنها طلابنا وأسرهم، أو الناجحة التي مرت بها دول مثل سنغافورة وماليزيا وتركيا وكوريا الجنوبية واليابان والسويد، فأصبحوا دولا محترمة.

لا يمكن للهيئة الهندسية أن تضع منظومة للتعليم، لكنها تستطيع أن تبني عشرات المدارس في وقت قياسي وبتكلفة مالية أقل، وبالتالي فهذه أقصى حدودها، وبالمناسبة هي أقل طموحاتنا.

نحن نملك علماء وضعناهم على الرف، وأدخلنا بعضهم دوامة البيروقراطية، وتركنا بعضهم يواجه جبروت رجال الأعمال ومصالحهم البالية، فخذ عندك مثلا، أحمد زويل، تركناه وحيدا يواجه صلاح دياب بكل ما له من نفوذ وسطوة، وعطلنا مشروعه عدة سنوات، ومازال الرجل ينتظر الانتهاء من مبناه الجديد الذي تأخر إتمام المرحلة الأولى له ستة أشهر حتى الآن (تبنيه الهيئة الهندسية بالمناسبة).

نحن شعب لا يبحث عن العلم، نحن شعب يبحث عن اليانصيب، عن الحظ، عن المكسب السهل البسيط، عن جائزة المليون في برامج التلفزيون، فالدولة لا تقدر العلماء، إلا بعد وفاتهم، والشعب يراهم مجانين ضيعوا عمرهم في كلام فارغ، ثم نفاجئ كل مرة في نفس التوقيت من كل عام بالمشكلة، التي سرعان ما تتحول إلى كارثة.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق