عرض نقدي لفيلم "كابتن أمريكا: الحرب الأهلية"
الخميس، 19 مايو 2016 04:12 ص
يثير فيلم "كابتن أمريكا: الحرب الأهلية"، الذي يدور حول مواجهات بين مجموعة من الأبطال الخارقين، الكثير من الحماسة والإعجاب، لكن قصته فقدت طابعها وزخمها السياسييّن، بفعل إقدام صانعيه على تحويله – بشكل حرفي - من قصة مطبوعة في إحدى مجلات القصص المصورة الـ"الكوميكس" إلى فيلم سينمائي، كما يقول الناقد نيكولاس باربر.
و"كابتن أمريكا: الحرب الأهلية"، الذي أنتجته شركة "مارفل" والتي يعني اسمها باللغة العربية "أعجوبة"، لا يشكل فقط عملا سينمائيا شديد النجاح على المستوييّن التجاري والنقدي، وإنما أُشيد به كذلك بوصفه ذروة الإبداع، فيما يتعلق بالأفلام التي تتناول عالم الأبطال الخارقين.
أكثر من ذلك، يجري الاحتفاء بالعمل - وهو الثالث عشر من سلسلة متشابكة من الأفلام التي تنتجها "مارفل" وتستوحيها من قصص مصورة تنشرها هي نفسها - بوصفه الانتصار النهائي للشركة على منافستها شركة "دي سي"، التي طرحت لتوها نسختها من أفلام مواجهات الأبطال الخارقين، وهو "باتمان ضد سوبرمان: فجر العدالة"؛ وهو العمل الذي هُوجم بضراوة على نطاق واسع.
فإذا اعتبرنا إيرادات التذاكر وتصنيف النقاد معيارا للحكم؛ فإن ذلك يعني أن أبطال مارفل الخارقين يحلقون حاليا في عنان السماء أكثر من ذي قبل، بينما يهوي نظراؤهم من أبطال "دي سي" مهشمين على الأرض بسرعة خرافية. رغم ذلك، فلست واثقا من أن انتصار "مارفل" المفترض بات حاسما إلى هذا الحد.
بدايةً؛ عليّ أن أعترف بأن "باتمان ضد سوبرمان" راق لي، وهو ما قد يجعلني غير مؤهل للمشاركة في أي نقاش عقلاني في هذا الشأن. ولكن مهما بلغ ازدراء المرء لهذا الفيلم، فمن الواضح أنه كان يطمح في أن يمثل استشرافا متحديا ومتميزا لأجواء الرعب التي ستسود إذا ما عشنا على كوكب واحد مع كائنٍ فضائي كليِّ القدرة.
وعلى الجانب الآخر، فمهما راق لك "كابتن أمريكا"؛ فإن المطمح الوحيد له، لا يتجاوز أن يصبح همزة وصل متألقة وزاهية بين الفيلم الذي يسبقه في سلسلة أعمال "مارفل" وذاك اللاحق له، وهي مهمة يؤديها على أحدث صيحة.
فصناع الفيلم السابق؛ "كابتن أمريكا: جندي الشتاء" – وهم مخرجاه أنتوني وجو روسو وكاتبا السيناريو كريستوفر ماركوس وستيفن مكفيلي – نجحوا في بناء عمل ذي طابع شائق وعالمي؛ ويتسم بالتماسك إلى حد كبير، وبالجاذبية والبراعة والمهارة، وكذلك بأنه لم يكن يستهدف تحقيق نتائج متواضعة.
ويبدو هذا النجاح واضحا بالنظر إلى أنه كان يتعين على هؤلاء السينمائيين أن يحشدوا في الفيلم شخصياتٍ، من تلك التي تغص بها المسلسلات التليفزيونية النهارية التي لا تنتهي حلقاتها، وأن يصمموا ضمن أحداثه سلسلة من مشاهد القتال البهلوانية، فضلا عن أن يدرجوا فيه إشارات وإحالات إلى عدد كبير من الأعمال السينمائية السابقة في هذه السلسلة، بل وأن يضعوا في إطاره كذلك أسسا لعديدٍ من الأفلام اللاحقة.
Image copyrightGetty ولكن رغم أنه يتوجب على المرء الإعجاب بحرفية ومهارة صناع ذلك الفيلم في استيفاء كل ما هو مطلوب منهم وإنجاز جميع ما كانوا يريدون تحقيقه، فإنه قد يقول في نفسه "ليت هؤلاء كان مسموحا لهم بأن يجربوا شيئا آخر أكثر جراءة".
وإذا عدنا إلى "كابتن أمريكا: الحرب الأهلية"، فسنجد أنه بدأ بلقطات أُعدت على غرار تلك المشاهد، التي تسبق ظهور الأسماء في أفلام "جيمس بوند" التي لعب بطولتها الممثل دانيال كرَيغ. وتظهر هذه اللقطات شخصية "كابتن أمريكا" أو "كاب" (كريس إيفانز) وعددا من مساعديه المتنوعين، وهم منخرطون في عملية مراقبة سرية بمدينة لاغوس النيجيرية، أملاً في الإمساك بجماعة إرهابية ذات قدرات خارقة، أو ما شابه.
وبطبيعة الحال، تنشب الفوضى نتيجة لذلك. وعندما تستخدم شخصية "الساحرة القرمزية" (إليزابيث أولسِن) قدراتها في التحريك الذهني لإبعاد إحدى القنابل عن "كاب"، يودي انفجار القنبلة بحياة العديد من المدنيين، عوضاً عنه. ولكن هؤلاء – على أي حال – ليسوا أول عابري سبيل أبرياء، يلقون حتفهم في سياق مناوشات ذات طابع خارق مثل هذه.
وبحسب الأحداث، يعقد قادة العالم مؤتمرا، دون أن يعلم بذلك على ما يبدو فريق "المنتقمون" الذي يضم زمرة من الأبطال الخارقين. ويصيغ هؤلاء القادة معاهدة كثيرة الصفحات أُطلق عليها اسم "اتفاقات سوكوفيا"، والتي تحظر على الأبطال الخارقين الانخراط في أي معركة، قبل أن يُمنحوا الضوء الأخضر، من قبل لجنة تابعة للأمم المتحدة.
رجال في أردية ضيقة
فكرة وضع هذه المعاهدة ذكية بلا شك؛ ولكن إذا ما كانت شركة "مارفل" جادة فيما يتعلق بمساءلة فريق الأبطال الخارقين عن أفعالهم؛ فمن الإنصاف بالقطع أن نتساءل عن أسباب عدم اعتقال الساحرة القرمزية لمساعدتها، بل وتحريضها، للشخصية الشريرة المعروفة باسم "ألترون" في فيلمهما الأخير.
كما يحق لنا التساؤل عن السبب الذي يحول دون أن يقضي "الرجل الحديدي"، الذي يحمل في حياته العادية اسم توني ستارك (روبرت داوني الابن)، حكما بالسجن المؤبد، عقابا له على ابتكار رجل آلي (روبوت) يقترف جرائم إبادة جماعية في الأساس.
لكن على أي حال، وبعيدا عن هذا الجدل، قد يكون من الأدق القول إن العمل يتعلق بفريق "المنتقمون" ككل وليس بـ"كابتن أمريكا" نظرا للتركيز الذي يوليه صناعه للفريق بأكمله. فبحسب الأحداث، يبلغ وزير الخارجية الأمريكي ثاديوس روس (ويليام هارت) الفريق" بـ"اتفاقيات سوكوفيا"، لينقسموا بالتساوي ودون كثير ضجة، بين المستعدين لقبولها، ومن هم عاقدو العزم على ضرورة الإبقاء على استقلاليتهم.
فعلى الجانب المؤيد؛ وقف كلٌ من "الرجل الحديدي" و"الأرملة السوداء" (سكارليت يوهانسِن)، "آلة الحرب" (دون شيدل)، "الرؤية" (بول بَتاني)، وصديقهم الجديد "النمر الأسود" (تشادويك بوزمان).
أما على الجانب الآخر، فاصطف "كابتن أمريكا"، "الصقر" (أنتوني ماكي)، "الساحرة القرمزية"، "هوكاي" (جيريمي رينر)، فضلا عن الرفيق القديم لـ"كاب" ألا وهو "جندي الشتاء" (سباستيان ستان).
وقد انقسم هؤلاء الأبطال الخارقون، على ذات الشاكلة تقريبا التي تباينت بها مواقفهم في القصص المصورة المُعنونة بـ"الحرب الأهلية"، والتي استُوحيّ منها الفيلم. ولكن انحيازاتهم تبدو غير ذات معنى تقريباً، إذا ما نظرنا إليها في سياق العالم الخيالي الذي تخلقه شركة "مارفل" من خلال أعمالها.
Image copyrightMARVEL.COM.CAPTAINAMERICA فلِمَ قد يرفض "كابتن أمريكا" إطاعة أوامر الحكومة، إذا ما كان هو في الأساس – بحسب قصص "مارفل" – ضابطا في الجيش الأمريكي؟ ولِمَ يتخلى الرجل الحديدي (توني ستارك) عن سلطته ونفوذه لبعض الساسة، في وقت انهمك فيه خلال عدد كبير من الأفلام في إبعاد تقنياته الحديثة عن أياديهم؟
وفيما قد يختفي ذاك الطابع العشوائي لقرارات أبطال الفيلم، بفضل حواره ذي الإيقاع القوي والسريع، الذي كتبه ماركوس ومكفيلي؛ فإنه ما من مبرر منطقي، لكي يقف أيٌ من هؤلاء الأبطال على هذا الجانب أو ذاك. ولذا تبدو المواجهة المحتومُ نشوبها بينهم، أشبه بإحدى ألعاب الصبية في فناء المدرسة؛ بل ويبدو "كاب" و"الرجل الحديدي"، كما لو كانا تبادلا الأدوار - في الأساس – فيما يتعلق باختيار كلٍ منهما للخارقين الذين سيضمهم إلى فريقه. وحتى عندما ينخرط الجميع في القتال؛ من المستحيل أن يتذكر المرء مَنْ منهم يتحالف مع مَنْ، والسبب الذي حدا به للإقدام على ذلك.
من "المجلات الصفراء" إلى عالم الثقافة الشعبية
ويشكل ما سبق ذلك أحد الفوارق بين "كابتن أمريكا: الحرب الأهلية" و"باتمان ضد سوبرمان: فجر العدالة". فعندما تشاهد الفيلم الأخير، تجد أن بوسعك تصديق أن كلا من باتمان وسوبرمان يبغضان بعضهما البعض. كما أن العمل ينطوي على فكرة مثيرة للاهتمام، ألا وهي أن الصنيع الوحيد، الذي يمكن أن يسديه العقل المحموم لباتمان للبشرية، ربما يتمثل في القضاء على هذا الكائن الفضائي الخطر، الذي يعيش بيننا.
لكن في المقابل، تفتقر مشاحنات الصبية في فناء المدرسة، التي تشاهدها في "كابتن أمريكا"، لأيٍ من ملامح الوحشية هذه، كما أنها لا تصطبغ بأهمية مسائل "الحياة أو الموت" المصيرية، كما يحدث في "باتمان ضد سوبرمان". فالأمر في "كابتن أمريكا" لا يعدو سوى مزاحٍ ما، نرى فيه الأبطال وهم يتبادلون الدعابات والاعتذارات، بالتوازي مع تبادلهم اللكمات والضربات.
كما أن أي شكوك بشأن افتقار الأحداث للمنطق تتبدد، حتى قبل اندلاع المواجهات والقتال؛ تحديداً عندما يبلغ وزير الخارجية الأمريكي "الرجل الحديدي" بأن لديه 36 ساعة فحسب، للقبض على "كابتن أمريكا" الهارب.
ورغم محدودية المهلة؛ يجد "الرجل الحديدي" – بشكل ما – متسعاً من الوقت لتجنيد صبي (توم هولاند الذي يبدو ذا شخصية مهووسة على نحو ساحر)، وذلك لتجسيد دور "الرجل العنكبوت" في فترة صباه. كما تسنح له الفرصة لمغازلة خالة الصبي (ماريسا تومي)، وكذلك تصميم الزي الخاص بـ"الرجل العنكبوت" وحياكته للصبي أيضا.
ويبدو ذلك إقراراً من جانب صناع الفيلم، بأنهم غير جادين حقاً، فيما يتعلق بالمهام التي يسندونها إلى شخصياتهم. فاهتمامهم ينصرف في واقع الأمر، إلى أن يقدموا – في الوقت المناسب - شخصية مثل "النمر الأسود" وأخرى تمهد لظهور "الرجل العنكبوت"، وذلك لتعزيز فرص نجاح أفلامهم؛ ذات العناوين البراقة.
ومع ذلك، فإن هذا الطابع الخفيف النزق، هو ما يضفي الكثير من المرح والمتعة، على معركة "الحياة أو الموت" المفترضة، التي يُروج لها كثيرا في الفيلم، بين فريقيّ "كابتن أمريكا" و"الرجل الحديدي". لكن عليك هنا، تجاهل حقيقة أن فريقاً منهما؛ ذاك الذي يضم رجلا آليا غير قابل للتدمير وشخصيتيّن ترتديان سترات طائرة مدرعة، خليقٌ - بحكم المنطق - بأن يحول غرماءه؛ وهم ليسوا سوى رجال أشداء مسلحين بأقواس وأسهم ودروع، إلى لحم مفري.
ولكن هذه المشاهد - على أي حال - لا علاقة لها بالمنطق، وإنما بالبهجة التي تغمر صناع الفيلم، وهم يتخيلون ما الذي تستطيع شخصياتهم القيام به. كما أنها تتعلق بالسعي لإبعاد هؤلاء الأبطال الخارقين عن الأجواء الكئيبة، التي تجعل أفلامهم تبدو وكأنها تدور إبان العصور الوسطى في أوروبا بكل ما سادها من أوبئة وقتامة، وإعادتهم إلى حلبة الأعمال والحركات المثيرة ذات الطبيعة الهزلية، بما تموج به من دعابات مبتذلة.
Image copyrightMARVEL.COM.CAPTAINAMERICA ويتعين هنا القول إن مشهد القتال بين الأبطال الخارقين في "كابتن أمريكا" هو الأكثر إمتاعا من نوعه على الإطلاق، مُقارنة بأي مشهد قتال مماثل، تضمنه أيٌ من أفلام هؤلاء الأبطال في السابق.
وتلبي هذه المشاهد الجذابة النابضة بالحيوية طموحات وأحلام المهووسين من صغار السن بمثل هذه الأفلام، وهو أمر كافٍ في حد ذاته لتبرير إنتاج "كابتن أمريكا" من الأساس. ولكن على الجانب الآخر، يبدو "كابتن أمريكا" وكأنه كذلك فشل في تحقيق أهدافه أو تهرب من مواجهة مسؤولياته؛ إذا وضعنا في الاعتبار ما يبدأ به العمل من مشاهد تُظهر مقتل الكثير من المدنيين، وما يتلو ذلك من فتح نقاش حول تلك الموضوعات، التي تطرقها "مارفل" عادةً، مثل فكرة التمتع بقوة هائلة، ومسألة التحلي بقدر كبير من المسؤولية.
فبينما شمل الجزء الخاص بـ"الحرب الأهلية" في سلسلة قصص "مارفل" المصورة؛ حوارات متعددة الجوانب، بشأن مسألة الأمن والحرية، لم يبد الأمر على هذه الشاكلة في فيلمنا هذا.
إذ تُنحى كل التساؤلات السياسية والفلسفية باستمرار جانبا، لإفساح المجال لمشاهد تُظهر العلاقة الوثيقة بين "كاب" و"جندي الشتاء"، أو لتلك التي تتضمن وضع بعض الخطط السرية المخادعة الحمقاء، من قبل عقل إجرامي مدبر يُدعى "زيمو" (دانييل برِول)، أو حتى لإتاحة الفرصة أمام مشاهدة معركة عاصفة تبدو أشبه بمزيج ما بين القتال واللهو. وتدور رحى هذه المعركة في قاعدة جوية مهجورة (لئلا تكون هناك حاجة حتى للحديث عن الخسائر الجانبية الناجمة عنها).
في نهاية المطاف، من المخيب للآمال بالقطع أن يبدو "كابتن أمريكا: الحرب الأهلية" في بدايته وكأنه عمل يستهدف تحليل مذهب التدخل الأمريكي في شؤون الدول الأخرى؛ فقط لينتهي في صورة "مباراة في الكراهية" بين أبطال خارقين ينتمون إلى فريق واحد.
ولكن تلك المباراة ربما تشكل مبررا للعنوان الفرعي للفيلم: "الحرب الأهلية"؛ فبينما تدور المعارك التي يتضمنها العمل، فهي بالتأكيد في جوهرها ليست سوى "حرب أهلية" بين الأبطال الخارقين وبعضهم البعض.