أزمة الأمة العربية والإسلامية المعاصرة
الإثنين، 16 مايو 2016 06:30 م
لا شك أن الأمة بشقيها العربى والاسلامى فى أزمة بل أزمات، وكل من بلاد الأمة على حدة فى أزمة خاصة به. أرى أن هناك فرقا أو فروقات بين الأزمة وبين القضايا، فالازمات أخطر، وينتج عنها قضايا يظنها البعض أزمات وهى نتيجة، ولذلك قد يأتى العلاج ناقصاً.
يتعرض العالم وخصوصا الاسلامى، وعلى الأخص العالم العربى اليوم كله، لأزمات كبيرة فى مجالات عديدة، ويمر بمرحلة صراع طاحن يتميز بالاستمرارية، والمطاطية، وروح التدمير، والاستفادة المدمرة من نتائج البحث العلمى والتقدم والتطور. ولكن لا يخفى على عاقل اليوم، ما تتعرض له أمة العرب وأمة الإسلام من أزمات وأخطار، أشدها يتمثل في، سوء قراءة تلك الأزمات، وضعف الاستنتاج والتنفيذ، المبنيين على ذلك إن حدثا أصلا.
ولعل أهم خطوات الخروج من الأزمة -أى أزمة- يتمثل فى حسن قراءتها والنظر إليها من مختلف جوانبها، لفهمها على الوجه الصحيح، ثم بناء الحل المناسب أو العلاج الصحيح، فى ضوء هذا الفهم وفى ضوء النظر الصحيح إلى هذه الأزمة أو تلك. محليا وإقليميا وعالميا.
وقد كان فهم الأمريكان لطبيعة الحرب الباردة، واستخدام كل القدرات والامكانات التى تملكها أمريكا أو يملكها الآخرون وتسخرها أمريكا لمصالحها، كان ذلك الفهم، سبباً مهماً فى كسب الحرب الباردة، والجلوس منفردة على مقعد القيادة العالمية، رغم أن غيرها من الأمم دفع ثمناً باهظاً، وقعد به خلف كل الأمم. إن من أبرز جوانب الأزمة القائمة حاليا فى الأمة المسلمة - والعالم الثالث بشكل عام وكما أرى - نقص الوقت المخصص للتفكير.
التفكر فى خلق السماوات والأرض أحد أسباب التفوق الغربى عموماً والتميز الأمريكى خصوصا، ومن قبله التميز السوفياتى أو الروسي، عندما أرسلوا الكلبة لايكا إلى الفضاء فى الخمسينيات من القرن العشرين، وكثير منا ومن أهل العلم منكرون، إذ وقف الخيال والعلم لدى البشر فى العالم الثالث عن استيعاب ذلك التفوق أو الدرس».
قد يقول قائل وهو يقرأ هذا العنوان: كنت أتوقع أن يقول الكاتب، إن أبرز جوانب الأزمة فى الأمة هى قضية فلسطين أو كشمير لأنها قضايا مزمنة، أو أفغانستان التى لم تهدأ منذ ما يقرب من أربعين عاماً، ما قبل طالبان وما بعدها، أو قضية البوسنة والهرسك ما قبل اتفاقية دايتون - أوهايو وما بعدها، أو الشيشان، أو يقول اليوم إن أزمات الأمة هى سوريا والعراق وليبيا واليمن والصومال وغيرها.
أقول إن كل هذه قضايا شائكة، وهى فى مجموعها تمثل إشكاليات قد تظل بدون حل عادل أو مناسب لمدة طويلة، كما تشكل فى مجموعها، جانباً آخر من أهم جوانب الأزمة المعاصرة فى الأمة، إذ إن الأمة لم تعد قادرة على حملها، إذ أن إضافة أحمال أخرى على العاجز ضرب من الجنون والحمق. ولكن كل واحدة من هذه القضايا على حدة، لا تمثل الأزمة كاملة، وإن اختلفت درجات تعقيد تلك القضايا فى إطار الأزمات. وفى ظنى أن كل من يظن أنه يستطيع أن يرفع علم الجهاد بمعنى القتال، فى قضية جديدة والأمة على هذه الحال، أو من يتجه الى العنف والتشدد والتطرف والتكفير، سيكون مخطئاً وأحيانا مجرما، مهما كان إخلاصه وصفاء نيته.
قضايا الأمة القديمة والجديدة قضايا معقدة، وتنتظر الحل الخارجى وفى مقدمته الأمريكى للأسف الشديد. ومن من الأمة ينتظر حلا من أمريكا، فإنه على الأقل لن يجد فى المستقبل ما كان يحلم به.
لقد كانت أفغانستان أيام الملك ظاهر شاه من 1933 - 1973، أحسن وضعاً وأهدأ بالاً من أيام حكم المجاهدين 1992 - 1996 ومن حكم طالبان 1996 - 2001 كما يرى بعضهم اليوم. وبالتأكيد كانت أهدأ بالاً وأسعد حظاً من حكم ما بعد طالبان الذى تميز بالدعم والتحكم والتوجيه الأمريكى بعد التخريب الشديد والتدمير الواضح، نزوعاً نحو التغريب الكامل لجزء من أمة الإسلام. وهى أفغانستان . وقس ذلك على القضايا المعاصرة، وفى مقدمتها سوريا التى تتعمد أمريكا تأخير الحل لها، حتى يكون لأمريكا اليد الطولى فى مستقبلها وليس لروسيا أو إيران فقط.
أقول إن الوقت المخصص للتفكير فى حياة الأفراد أو الأمة، هو الأقل فى حياتنا لأسباب أبرزها نقص أدوات ومؤسسات التفكير سواء الخاصة أو العامة مثل معاهد الدراسات الاستراتيجية ومراكز التخطيط الاستراتيجى. وهى المعاهد والمراكز التى تحسن قراءة الواقع وتقترح أحسن الحلول، بدلا من العقلية الفردية أو الديكتاتورية. العقلية التى قال عنها القرآن على لسان فرعون « مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى «.
لا يعنى هذا، ألا يجاهد العرب أو المسلمون للخروج من أزماتهم وقضاياهم، ولكن الجهاد هو إفراغ الجهد والوسع لإقامة العدل، والنظام المحلى أو العالمى العادل الحق، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وكل يعمل على قدر الوسع والطاقة، إذ «لا يكلف الله نفساً إلا وسعها». ولا يعنى هذا ما يفهم فى ضوء القراءة السلبية، بل نفهمه فى ضوء أن التكليف الربانى هو فى إطار الوسع. والجهاد مشروع بكل الوسائل المتاحة المنضبطة بالشرع، بما فى ذلك القتال لمواجهة الاحتلال والظلم المبنى عليه والارهاب وما يصاحبه من تدمير وتشويه صورة العرب والمسلمين. ويظل الفهم والتقدير للموقف من أهم الوسائل والأدوات المطلوبة فى ذلك.
خذ على سبيل المثال، الوقت المخصص للتفكير فى حياة الأفراد أو الأمة، فستجد بكل تأكيد مرة أخرى، أنه الوقت الأقل فى حياتنا لأسباب عديدة، ليس هذا مجال تعدادها، ولكن أبرزها هو أصلاً نقص أدوات ومؤسسات التفكير سواء الخاصة أو العامة مثل معاهد الدراسات الاستراتيجية ومراكز التخطيط الاستراتيجى كما أكدنا ذلك مرارا.
كلنا يعرف رؤساء وملوك وسلاطين وسياسيين وبرلمانيين ومدراء مؤسسات ومعاهد وجامعات وكتابا ورؤساء حركات إصلاحية أو أحزاب معارضة، قبل المجىء إلى الحكم ممن ليس لديهم الوقت الكافى للتفكير فى مستقبل الأمة، لانشغالهم بما ليس من شأن المفكرين ولا من شأن الباحثين عن الحلول المناسبة للخروج من الأزمات، أو لافتقارهم إلى أدوات هذا النمط من الجهاد. ولذلك نخسر كثيراً من المعارك على مستويات عديدة، ونعزو خطأً كثيراً منها إلى العدو والتآمر الخارجى، وهذا هو الهروب الكبير.
عجباً لهذه الأمة فى ابتعادها عن أداء فريضة التفكير، وعن اتخاذ ما يلزم ذلك من وسائل وأدوات مناسبة للقرن الحادى والعشرين الذى نقترب به يوماً بعد يوم من يوم القيامة، يوم لا ينفع مال ولا بنون. يقول الله تبارك وتعالى « إِنَّ فِى خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِى الألْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِى خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ».
كلما أقرأ هاتين الآيتين من سورة آل عمران، أو مثيلاتهما أتساءل كثيراً، لماذا لم تنشئ الأمة مركزاً واحداً للأمة -والأجدر بها أن تنشئ عدة مراكز- لدراسة هذا الأمر، أمر التفكر فى خلق السماوات والأرض، بشكل علمى دقيق يرضى الله تعالى ويليق بالأمة. وليس فقط مراكز دراسات وأبحاث للحفاظ على أمن النظام ملكيا كان أم جمهوريا. وللحديث صلة.
والله الموفق