ناس تيران وناس عصافير وناس صنافير!
الأحد، 17 أبريل 2016 04:19 م
يحب المصريون الدراما ، ضحكا أو صراخا ، وأحيانا ، يحبونها ضحكا و لطما معا ، وهم يخلقونها خلقا ، بالتوقع ، حين يقولون وهم في عز الضحك والسعادة ،" خير اللهم اجعله .. حاسس يا اخي إنها حتقلب بغم " ، وساعات تقلب ،وساعات لا تقلب ، لكن هذا ما استقر في الوجدان الوطني عامة ، وإن فات المصريين خلقها بالتوقع ، عاشوها من صنع الغير ، خصوصا لما يكون الغير دولة صديقة روسيا ثم ايطاليا ثم شقيقة هي السعودية !
حتي في عز أيام الحرب بأنواعها مع اسرائيل ، لم نكن أبدا نعيش أجواء دراما هذه الأيام المربكة ، لأنها لم تكن دراما ، بل كانت حياة ووجودا وصراعا .
ومنذ ان صارت انباء الشهداء وجرحي العبوات الناسفة في العريش ورفح ، مثل أخبار الطقس ، نلتفت إليها فقط ، لو حدث تطور نوعي في هجوم او سلاح أو زيادة في عدد الشهداء ، صار المصريون مربوطين الي ثلاثة مسلسلات ، قبل أن يلحق بهم مسلسل جديد بعنوان" تيران وجسر سليمان"، مالم يطرأ جديد ، بدخول اسرائيل علي الخط الدرامي لتتسع الرقعة ومدة العرض المحلي والأقليمي والدولي ، ليصير عدد الحلقات ستين حلقة أو ١٢٠ ، علي الطريقة التركية !
أقول صرنا مربوطين الي ثلاث مسلسلات مؤلمة جدا ، أولها حادث تفجير الطائرة الروسية المدنية بركابها الابرياء فوق ارض سيناء ، وما ترتب عليه من وقف الرحلات الروسية وسحب السياح الروس ، وبعدهم البريطانيين ، وتوقفت الحياة السياحية واختفي الدولار. وفي الوقت الذي رحنا نتوقع عودة السياحة وانها وشيكة ،إذا بحادث غبي ، في مسلسل غبي ، استغرق خمسة ايام ، هو خطف طائرة شركة مصر للطيران الي قبرص ، لأسباب هزلية ،او جادة ، او كليهما معا، يطيح بالآمال التي ازدهرت فرحا بقرب عودة الإخوة الروس الي شواطئنا .
بالتوازي ، كنا نعيش مأساة خطف الباحث الطلياني ريجيني ، وقتله ، والتمثيل البشع بجثته ، باحترافية ، وهو مواطن لدولة عاشقة لمصر ، ومتحمسة لثورة الثلاثين من يونيو ، فاذا بها تنقلب علينا تهديدا ووعيدا ، وعاد الوفد الامني القضائي المصري من روما بلا نتائج ، بل تم سحب السفير !
بأعصابنا عشنا تلك المسلسلات ، لكن أعجبها علي الإطلاق مسلسل "تيران وجسر سليمان"، لأن أحداثه استدعت مجموعة عجيبة ومتضاربة من الأبطال ، النجوم ، وخط الوسط ،بل ومن الكومبارس ، جادين او هزليين !
مسلسل نجومه الدكتور محمد البرادعي الهارب من دوره ، والدكتور مفيد شهاب المبتعد قرفا وظلما !
وكلاهما يقطع بحق المملكة السعودية في تيران وصنافير ، وان مصر وضعتهما تحت السيادة المصرية بموافقة السعودية عام ١٩٥٠.
والمسلسل ضم احمد موسي وعمر حمزاوي ومصطفي الفقي، وان تيران سعودية.
والمسلسل ضم عسكريين قالوا تيران مصرية ، وآخرون قالوا سعودية ، أخذناها بموافقة الرياض لأغراض الدفاع عن مصر . مسلسل ضم الميت الراحل محمد حسنين هيكل ، وقد استدعي من كتبه ، للإشارة الي أن تيران وصنافير سعوديتان !
من العجيب أن البرادعي ، و حمزاوي هما ممن لايرتاح اليهما الناس ، ولا الحكومة ، ومع ذلك ، سندت الحكومة كوعها علي مقال قديم من دراسة قديمة لمحمد البرادعي المحامي !
علي الخط المواجه كان باسم يوسف يؤرجز ، من اراجوز ،وكان وائل ينصح الملك والرئيس بسحب توقيعهما ، في اغرب طلب ممكن يتصوره طالب ، فما بالك بالملك حتي ، وهو المستفيد !
ودخل علي خط الدراما عيسي ،ليكتب العنوان المهين " زيارة السيد الكفيل " مهين للناس بالقطع ، وفيه شهوة المهنة علي حساب كرامة الحقيقة !
وضيف الشرف ، لابد من ضيف شرف ، كان صباحي ، خرج ليتلو معلومات عن اتفاقية خاصة برفح في العام ١٩٠٦ ولا تخص تيران ولا صنافير ، في ثقة يحسد عليها !
تلك هي أبعاد الشاشة السياسية المصرية في خمسة ايام ،لمسلسل ممتد ، إلي أن يطرأعليه مسلسل جديد ، بحادث يعكر صفو الزائر الفرنسي الرئيس فرانسوا أولاند !
وبكل الصراحة أقول أن الدولة المصرية العريقة جانبها الصواب مجانبة ،لم تقع فيها من قبل ، لأنها خرجت علي الجمهور بدراما لم يتهيأ لها ، ولم يكن يعرف اصلا ان هناك ، ولست سنوات مفاوضات ، ومطالبات ، وتأجيلات من مصر ، وان المكاتبات مودعة لدي الأمم المتحدة منذ ايام الرئيس الأسبق مبارك ، تحفظ وتقر بحق السعودية في الجزيرتين.
الأعجب حقا هو الإخراج غير الذكي في التوقيت وفي البيان الأول لمجلس الوزراء الذي ذكر وقوع الجزيرتين فنيا في المياه الاقليمية للسعودية. أكثر ما آلم المصريين بحق ، ولم تنتبه له الدولة ، ولا الشقيقة السعودية ، هو ربط تعيين الحدود البحرية ، بال ٢٥ مليار دولار استثمارات في مصر ، فقد بدا الربط ، حتي ولو لم يكن مقصودا ، مجافيا لأبسط قواعد مراعاة الحساسية ، وقواعد التمييز ، والاسترشاد بأصول الذوق .
بدا الحال كانما هي فلوس التنازل عن السيادة ، او ثمن إدارة الأرض لحساب الغير ،رغم ان السعودية تركتهما تحت سيادة مصر وفق كلام هيكل في كتابه" سنوات الغليان" ، لدواعي الأمن العسكري المصري .
ومن العجيب أيضا أن المسلسل كان مفتوح الأدوار ، وبلا نهاية ، لمن يدخل البلاتوه فقد حشر الاخوان الارهابيون انفسهم ، وعيروا النظام بأنه باع وفرط ، وطبعا دخل المزاد عصافير الابريليين " والنوشتاء"، وخلية" خالد علي اللي مع نفسه"، وهي خلية موسمية تنشط مع الرياح والغبار والرطوبة وأي زحمة وطنية كارثية !
بالبرادعي ومفيد شهاب تواجه الحكومة هجوم التيران والعصافير والصنافير ، جمع صنفرة ، اي ممسوحي العقل !
تري ما اسم المسلسل التالي ، لمن اليطولة ؟ بديع مثلا ؟!