بنما - ويكليكس تو

منذ مساء الأحد الماضي ، ساعة الصفر المتفق عليها ، فيما بين المائة صحفي وقناة ومؤسسة اعلامية وصحفية ، من بينها محطة النهار الفضائية المصرية ، والجارديان البريطانية ، وغيرهما ، يعيش العالم ،شرقه وغربه في حال من النميمة ، داخل اسوار دول عربية ، وداخل جدران دول آسيوية ولاتينية ، كما يعيش حالة من الغليان ، والفوران ، كان أول ضحاياها رئيس وزراء آيسلندا الذي انخرس تماما بكل معني الكلمة حين سأله المذيع عن حقيقة دوره في امتلاك شركة وزوجته في بنما للتهرب الضريبي ، لم ينبس ببن شفة ، وتلفت حائرا ، وزاغ بصره ، وقام مغادرا ، ليس فقط مكان التصوير ، بل أخرجته المظاهرات العارمة في الشوارع من موقعه، فكان أول من فرمته دبابة بنما المسماة وثائق بنما . تقع الفضيحة الدولية المدوية في ١١ مليون ونصف مليون وثيقة ، وتشمل ١٤٠ من رؤساء وزعماء وملوك واباطرة اعلام ، وفنانين ورياضيين ، وأبي دافيد كاميرون ، ولوردات في بريطانيا ، فضلا عن قادة عرب ، وعلاء مبارك ، في أكثر من خمسين دولة .
أسسوا شركات وهمية عبر بنوك لجأت الي مكاتب محاماة في جزر كايمان والبهاما وبنما وسيشل وهونج كونج وبريطانيا ذاتها ، ونصف مكاتب المحاماة هذه ينضوي وتحتمي بالتاج البريطاني ولعل هذا هوالسبب في رفض لورد بريطاني المساس بالوضع القانوني المسموح لهم به لان هذا "هو أكل عيشهم" علي حد تعبيره ، فهذه شركات مشروعة لكنها توفر الغطاء لأعمال غير مشروعة وتوفر الملاذات الآمنة لأموال مهربة أو مغسولة من بغاء او مخدرات أوسلاح.

المكشوف حتي الآن هو واحد من عشرة في المائة من اجمالي الوثائق ، والحق اني عكفت علي قراءة دقيقة ، وتحليلية لأكبر عملية تسريب من نوعها في تاريخ الصحافة العالمية ، ولاحظت مايلي : ١- ان قصة التسريب بدأت بمجهول حصل علي ال١١ مليون ونصف المليون وثيقة ، اوراقا وسيديهات وفلاشات وأقراصا بالقطع ، من داخل شركة المحاماة البنمية لصاحبيها موساك والآخر فونسيكا ، أحدهما بنمي والثاني ألماني ! وقام بتسليمها لصحيفة ذويتشه سايتونج الالمانية
السؤال هنا : من هو المجهول هذا ؟! أهو شخص يعمل لحساب نفسه أم يعمل لحساب مخابرات ، وما هو الثمن الذي دفعته ، وماهو حجم الثمن ، ومن الوسيط ؟
٢- من المعروف في مهنتنا انها مبنية علي السباق والصراع ، والتنافس الشرس ، والنزوع الي الاستئثار، فما هو السبب في قيام الصحيفة الالمانية بالتوجه الي كونسرتيوم الصحافة الاستقصائية وتسليمها الصيد الثمين الذي لاينازعه ، ولم ينازعه مثيل في تا ريخ المهنة ، وببساطة لكي يشاركها فيه ٩٩ جهة تحقيق وتقصي وبث وتحرير ؟!
٣- يلفت النظر في الفيلم الذي بثته قناة النهار ، في برنامج الصديق محمد شردي، أن الفيلم بدأ ببشار وضرباته وتفجيراته وعدوانه علي شعبه ، مع غمز ولمز للدور الروسي ، وعرج علي تاريخ مبارك ، من أيام ناصر ، لأيام السادات ، لحادث المنصة ، لفوضي ٢٥ يناير ، لعلاء مبارك !
ورد المحامي فريد الديب بأن الشركة المنسوبة الي علاء هي حقيقية ولكن متحفظ عليها في الكسب غير المشروع منذ العام ٢٠١١ ورأسمالها ربع مليون دولار دخلت مصر ولم تخرج من مصر ومعلن عنها في ٢٠٠٦
٣ -أصابت الوثائق الرئيس الصيني في مقتل ولامست الرئيس بوتين ونسبت الي صديقه المقرب عازف التشيللو انه يخفي في بنما ٢ مليار دولار ، ونسبت الوثائق الي ملوك وامراء في الخليج ان لهم شركات في بنما كملاذ آمن لتهريب الأموال !.
ضربت الوثائق دافيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني ضربة مباشرة ، فقد ذكرت ان أباه الميت كانت له شركة وهمية هناك باسم بليرمور ، يهرب فيها الضرائب طوال عقود ، مما حرم المملكة المتحدة من حقوق ضريبية لمدة طويلة ،
وتجئ الاتهامات لدافيد كاميرون ، وهو كان يستعد لعقد مؤتمر دولي كبير في لندن الشهر القادم لمكافحة الفساد وتجارة الأموال غير المشروعة !!
ولما حاصرته الصحف والمحطات التليفزيونية عن استفادته من اموال ابيه وعن حجم ألاموال المهربة تملص من الرد وقال " هذه مسائل شخصية " واولادي وزوجتي لا يأكلون منها !
في فرنسا امر هولاند بفتح التحقيقات حول المتهربين من فرنسا كما طالت رئيس الارجنتين ورئيس اوكرانيا ، وكوريا الشمالية بالطبع ، ووزراء حاليين وقدامي من مصر، كما قال الصحفي هشام علام المحقق المصري في العملية الاستقصائية
فما معني هذا كله ، غير ان المايسترو واحد ولا يوجد غيره ، وان هذه التسريبات تعد في ظني الجزء الثاني من ويكيليكس لادوارد سنودن !
تسريبات ويكي بدأت فجأة عام ٢٠١٠ ، وتسريبات بنما بدأ الكشف عنها فجأة ٢٠١٦ ، ولعل الرد الروسي علي هذه التسريبات الجديدة يلقي بضوء كاشف عن وجه الفاعل الذي سرق وسلم ودرب ونسق ووزع المجهود ، واتفق علي ساعة الصفر لارباك المشهد الدولي ؟!
قالت روسيا ان المقصود هو بوتين وانهم - الغرب - في حالة بوتين فوبيا اي الخوف المزمن من الزعيم الروسي الشجاع ، الذي لطوا اسمه عرضا بذكر فساد صاحب له ! وردت موسكو أيضا بأن كشفت الفاعل بانه المخابرات الامريكية في احدث فصولها من التأمر علي العالم !
٤- لا يمكن الجزم في الحقيقة بأن الوثائق مفبركة أو ان المحققين المائة خضعوا لمايستروا واحد ، لكن هل يمكن القول بانه جري استعمال حصيف للشهوة الصحفية ، وبخاصة اننا ازاء وليمة فضائح مدوية يتلمظ لها رضيع ابن سنتين في الصحافة؟ !

لا أقصد الي اتهام لكني أفكر بصوت عال معتبرا حجم التسريب ودلالاته والتوقيت الذي تم التفجير فيه
٥-أيا ما كان الموقف ، فإن القنبلة لم تنفجر كلها لانها في الحقيقة من النوع الانشطاري والعنقودي ، والاجزاء التي سقطت سوف تشعل حرائق سياسية هائلة حيث سقطت ، فضلا عن ان بقية النيازك سيتوالي أسقاطها اسبوعا بعد الآخر لعقود ، الي أن يشك كل صاحب في صاحبه ، وكل مواطن في حاكمه ، ويرأس العالم شيطان واحد مقره لانجلي في فرجينيا مقر الس أي ايه ، ويلهو بالدنيا الساكن القدم الي البيت الأسود!
٦- السؤال المنطقي هنا وبحق وأمانة : هل العيب فيمن سرق ليفضح أم العيب في اللص الذي سرق ليهرب بالغنيمة بعيدا بعيدا سلمها لمجهول يحركها بأمره؟!