مبدأ أوباما الجديد

السبت، 02 أبريل 2016 07:09 م
 مبدأ أوباما الجديد
كمال الهلباوي يكتب

وقفنا فى المقال الأول فى الأسبوع الماضى عند رد المملكة العربية السعودية على لسان الأمير تركى الفيصل، على مبدأ أوباما، الذى حاول فيه الأمير بأدب شديد أو تواضع، أن يبين للولايات المتحدة الأمريكية خدمات السعودية لهم، والتى تمثلت فى مساعدة اللاجئين من سوريا والعراق واليمن ، وكذلك فى شراء سندات الخزانة الأمريكية لمساعدة الاقتصاد الأمريكى . ولم يتوقف الأمير تركى الفيصل عند هذا الحد، بل أنه أراد أن يؤكد للأمريكان أن السعودية ستستمر فى نظرتها الى الشعب الأمريكى بإعتباره حليفا وقال ( سموه) كما جاء بصحيفه واشنطن بوست الأمريكية " لن ننسى وقوف الجنود السعوديين والأمريكيين معا فى حرب الخليج عام 1991 ، لأخراج القوات العراقية من الكويت، .

 

كما يتضح من الحديث عن العلاقات السعودية الأمريكية أن السعوديين أو على الاقل العائلة المالكة ومن وراءها ، ينتظرون إنتهاء فترة أوباما فى البيت الأبيض بصبر بالغ، فلعل الرئيس الأمريكى الجديد إن كان ترامب أو مسز كلينتون أو أى أحد غيرهما، سيكون أرحم من مبدأ أوباما على السعودية والمنطقة.
للأسف الشديد ، لازلنا - فى الغالب – ننظر الى السياسات الأمريكية ، نظرة بدوية بعيدا عن فهم الاستراتيجيات الأمريكية والمستجدات على الساحة العالمية سواء الاقتصادية منها أو السياسية أو الأمنية أو التكنولوجية أو غيرها. أمريكا ايها العرب : كما أفهمها ، لم تعبأ أبدا من قبل بالعرب ، ولن تعبأ بهم أبدا ، إلا اذا إحترم العرب أنفسهم أولا وأخيرا ، واحترموا المشروع أو الفكرة الوطنية والقومية والاسلامية التى ينتمون إليها .


أمريكا بإختصار شديد لايهمها إلا مصالحها وإسرائيل، ورفاهية المواطن الأمريكى، واستمرار القوة الأمريكية، والسيطرة على العالم وخصوصا المواقع الاستراتيجية. ليس اوباما وحده، هو الذى ينظر الى الدول العربية ، انها دول تحولت الى الأصولية ، والبعد عن التسامح ، وتميزت بظلم عدد كبير من النساء ، بل هذه هى نظرة الدول الديموقراطية عموما والغربية بشكل خاص، وأمريكا ( الادارة الأمريكية الحالية وكل الادارات الأمريكية ) بشكل أخص . كلهم ينظرون، كما جاء فى مبدأ أوباما، الى أن العالم العربى والاسلامى فيه مدارس تعلم الاصولية وتفضلها الأسر الحاكمة، حتى تتمسح فى الاسلام، وهو دين الأغلبية الساحقة من السكان فى المنطقة العربية.


النتيجة التى وصل إليها أوباما وعبَّر عنها فى مبدأه الأخير ، نتيجة لم يعتد عليها العرب لوضوحها، وربما تكون النتيجة الوحيدة التى إتضحت فى عقل رئيس يعمل ليل نهار، ليعالج التحديات الأستراتيجية، ومنها مسائل الحرب والسلام. هذا الموقف مما يطرح سؤالا جديدا: هل يريد أوباما فعلا السلام والاستقرار فى المنطقة العربية ، ويريد وأد الفتنة المذهبية فى المنطقة وتحسين العلاقات بين السعودية وايران، لكى يفرغا من التحديات التى لا ضرورة لها والتى يخلقها التشدد والتطرف ، لتفرغ الى علاج مشكلاتها وتحدياتها الحقيقية فى التعليم والصحة والتقنية، وتركز على دور يليق بها وبتاريخها فى إثراء الحضارة المعاصرة ؟ أوباما يأتى بالمبدأ الجديد الصادم للسعودية خصوصا، رغم انه لم يستطع إغلاق جوانتانامو كما وعد من قبل.


المبدأ الجديد لأوباما يقدم لنا تقريرا شاملا عن اصعب قرارات سياسية خارجية لرئيس أمريكى – كما يقول التقربر – وأن الرئيس أوباما سعيد وفخور بهذه القرارات، رغم معارضة معظم خبراء السياسة الأمريكية والاستراتيجية له ولمبدأه.


نجد فى مبدأ أوباما الجديد قرارات أو نظرات بشأن سوريا وليبيا ، وهو لا يلوم العرب بشأن ليبيا، كما يلوم اوروبا عن الوضع الماساوى فى ليبيا ، مما قد يشير فى ظنى ، الى دور أكبر منتظر من أمريكا فى الوضع الليبى ،وبكل تأكيد فإن أمريكا لديها كرازايات عرب لدول المنطقة ، ينتظرون اللحظات الحاسمة ، على غرار كرازاى أفغانستان.


يعتبر أوباما أن اليوم الذى لم يطبق فيه صيغة أو أزمة الخط الأحمر الأمريكية ، على الوضع فى سوريا ، هو يوم سعادة وفخر له، بل هو مثل يوم التحرير الأمريكى ، لأنه تحدى فيه قرارات مؤسسات السياسة الخارجية، وكتاب لعبة واشنطن، بشأن استخدام صواريخ كروز، بل إنه تحدى – كما يقول فى المقابلة الصحفية لجريدة ذى أتلانتك – أنه تحدى بذلك طلبات حلفاء أمريكا فى الشرق الأوسط، لأنها طلبات مزعجة ومبددة للجهد ومحيرة" frustrating".
كانت حجة أوباما للاحجام عن ضرب سوريا بالصواريخ آنذاك 2013، أن ذلك الأمر قد يوقع بعض الدمار على الأسد ولكنه لن ينهى مسألة الأسلحة الكيمياوية، التى تخلص منها الأسد ونظامه بناء على الطلب أو الأمر الأمريكى دون ضرب صاروخ واحد. والله تعالى أعلم أين ذهبت تلك الاسلحة ربما الى اسرائيل . أوباما فى هذا المبدأ الجديد ، يقول للعالم كله بكل وضوح " كنت أفكر ماذا فى مصلحة أمريكا".

 

هل يفكر العرب أو حكام المسلمين عند إجتماعتهم أو منفردين ماذا فى مصلحة العرب والمسلمين ؟ وماذا فى مصلحة بلدانهم؟ لعلى اقول إن التفكير فى مصلحة الأوطان أو الأمة العربية أو الاسلامية يظهر بوضوح فى مجالات التقدم والاسهام الحضارى . التقدم العلمى والفكرى والمنهجى والسلوكى والسياسى والاقتصادى والاجتماعى.


طبعا المسائل أو القضايا مثل ليبيا أو سوريا أو محاربة الارهاب فى نظر أمريكا ، يجب أن تؤدى الى أوضاع مثل أوضاع العراق أو افغانستان ، ولو بوسائل مختلفة ، ويمكن تلخيص تلك الوسائل فى المبدأ الأمريكى ، العصا والجزرة.


إذا أخذنا سوريا على سبيل المثال فى النظرة الأمريكية ، ندرك أن تلك النظرة يجب أن تقود سوريا فى النهاية الى دولة ليس لها أظافر حتى لا تهدد إسرائيل فى يوم من الايام . الوضع الحالى فى سوريا يؤكد هذه الصورة . ولو أحصينا القوى الفاعلة فى الوضع السورى القائم، نجد أنها تنحصر فى الدور الرسمى السورى المنخرط فى الصراع، ودور الداعمين لهذا النظام الاستبدادى الظالم لشعبه مهما كانت التبريرات والتفسيرات لهذا الدعم ، مثل الدور الايرانى ومعه حزب الله اللبنانى ، وهناك دور المعارضة السورية المنقسمة على نفسها والممزقة، وأسباب معارضتها ودرجة تسليحها وعنفها بل وارهاب بعضها وعلاقاتها الخارجية، وهناك الدور التركى الحالى الذى يخدم عدة أهداف ومن بينها المصالح الأمريكية والغربية وبالتالى المصالح الصهيونية ، رغم محاولاته التبرؤ من ذلك التوجه ،والسعى الموهوم الى العودة لوضع الخلافة التاريخى. وهناك الدور السعودى تحت مظلة التحالف الاسلامى – كما تسميه السعودية ، وما هو بإسلامى بل تحالف جاهلى لمحاربة الجيران العرب أو المسلمين وليس الصهاينة.


ولا يمكن استبعاد الدور الروسى- روسيا بوتن- الذى كان تدخلها متأخرا وكان مهما ، وكان خروجها أو انسحابها سريعا ضمن تفاهمات دولية. ولكن يحمد لسوريا رغم مساؤى النظام السورى العديدة – أن امريكا لم تتمكن منها، كما تمكنت من بعض أخواتها العرب ، ولذلك فإن أمريكا لا تزال تصر على تاجيل الحل الحاسم فى سوريا حتى يكون لها الدور الأقوى فى هذا الحل .


الناظر الى الوضع المأساوى فى سوريا ، يدرك ما ذهبت إليه سابقا تحليلات استراتيجية من أن الادارات الوطنية والعربية والاسلامية، لا تفكر فى مصلحتها بالشكل الصحيح ، كما يفكر أوباما فى مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية واسرائيل، رغم ما قد يظهر على السطح من خلاف بين اوباما واشنطن ونتنياهو صنم الصهيونية المعاصر. وللحديث صلة والله الموفق
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة