عن تفجيرات بروكسل : ادانة وليس اعتذارا

السبت، 02 أبريل 2016 03:37 م
عن تفجيرات بروكسل : ادانة وليس اعتذارا
حسين شمردل


في الوقت الذي كان اعضاء الخلية الارهابية في بروكسل يبدأون "غزوتهم المباركة " ضد " عباد الصليب " في المترو والمطار ، كان الدكتور شوقي علام مفتي الديار المصرية يلقي كلمته امام البرلمان الاوربي في مكان ليس ببعيد عن موقع التفجيرات مدافعا عن سماحة الاسلام ومشددا علي نبذه الدموية والعنف فيما يشبه الاعتذار واعلان البراءة مسبقا .
ولأن السيف اصدق انباء من الكتب فلم يلتفت احد في بلجيكا لتصريحاته وانطلقت علي الفور موجة جديدة من الاسلاموفوبيا تبعتها موجة ثانية من المطالبات بتطهير اوربا من المسلمين او علي الاقل وضعهم تحت الرقابة اللصيقة ودعا اخرون الي تعديل القوانين التي تحظر القبض علي اي متهم ما بين التاسعة مساء حتي الخامسة صباحا لمواجهة المسلمسن الاشرار !
ليس في بلجيكا كبير من المسلمين اللاجئين ، فهي من اقل دول اوربا استقبالا للمهاجرين بصفة عامة ويحمل ربع عدد سكانها مشاعر كراهية للاجانب وفق تقرير مركز مراقبة العنصرية التابع للاتحاد الأوروبي ، وكل من وردت اسمائهم كمتهمين محتملين عن التفجيرات مواطنون من الجيل الثالث اي انهم احفاد لمهاجرين مسلمين معظمهم من المغرب العربي ولدوا و تربوا علي ثقافة الغرب وتقاليده ولم يدخلوا مدارس اسلامية او يتأثروا بافكار الشرق ، وانقطعت الصلات بينهم وبين اقاربهم في المشرق ، وكثيرون منهم لا يعرف العربية ولم تطأ قدماه ارضا عربية .
ما الذي يعنيه ذلك ؟
يعني ان الغرب فشل في احتواء قطاع من مواطنيه وان نزوعهم للارهاب جاء من مؤثرات محلية بحتة لا علاقة للثقافة الاسلامية السائدة في الشرق بها وبالتالي لا يكون لاعتذار المفتي والازهر اي مبرر ، ويعد وفقا للتقاليد الغربية تدخلا في الشئون الداخلية لمملكة بلجيكا .
اذا اتفقنا علي هذه النتيجة فأن السؤال المنطقي يصبح : كيف سيتعامل العقل الاوربي مع نحو 400 الف من مواطنيه المسلمين في بلجيكا ؟
هناك توقعات عديدة الا ان اشدها سوادا ما يتعلق باستعادة تجربة اوربا مع اليهود قبل انشاء اسرائيل ، وهي الدعوة التي انطلقت علي استحياء من جماعات اليمين المتطرف وباتت تكتسب وجودا متزايدا في الاعلام الغربي بعد التفجيرات .
ندرك ان التاريخ الغربي مشحون بتجارب وممارسات ارهابية تكشف عن كيف تعامل مع الاقليات الخارجة عن ثقافته ، في داخل اوربا تم محو الوجود الاسلامي من اسبانيا والبرتغال في القرن السادس رغم ان وجودهم استمر لمدة ثمانية قرون ، ثم قام بترحيل اليهود واقام لهم دولة لقيطة في قلب العالم العربي ، وعمل علي دعم مطالب الاكراد باقامة دولة قومية دون ان يأبه لمخاوف جارتهم وحليفتهم تركيا حتي لا يشكلون اقلية في اوربا .
اما في الخارج فقد كان للاوربيين " ملاحم وبطولات " في اقتلاع الشعوب الاصلية ومحو ثقافتها في كل القارات التي وصلوا اليها .. حدث ذلك في استراليا وامريكا ونجحت مخططاتهم فيها ، لكنها فشلت في مناطق اخري في جنوب شرق اسيا و افريقيا وفلسطين .
لا نستدعي التاريخ بغرض المكايدة او التبرير بل فقط للتذكرة بأن مفهوم التطهير العرقي والديني لم تعرفه البشرية الا في ثقافة الغرب ، ولا تزال رواسبه حية لدي جماعات سياسية تحظي بالاعتراف بل والقبول في عدد من البلاد الاوربية ، وكانت بلجيكا التي تشكو من تطرف المسلمين الان موطن تأسيس منظمة " مدن ضد الاسلمة " قبل ثمانية اعوام ضمت في عضويتها أحزاب من فرنسا والمانيا والدنمارك والنمسا واسبانيا بهدف " مكافحة أسلمة أوروبا " وعقدت اجتماعاتها في مدينة انفير تحت سمع وبصر السلطات البلجيكية دون ان يخرج صوت يندد بنهجها المتطرف .
ارجو الا يتساءل احد عن موقفنا من قتل الابرياء غيلة فهو عمل لا يقره دين ولا قانون وليس بوسع عاقل ان يدافع عنه او يلتمس الاعذار للقائمين به ، كما اننا لسنا معنيين او مطالبين بتقديم اعتذار عما حدث لان المشكلة اوربية من كافة جوانبها ، الا ان الامر ومن باب النصيحة - لا بد ان يدعو لبحث الدوافع وراء هذه الافعال حتي لا تتكرر .. هذا ان كانت اوربا جادة في المواجهة .
وما دامت الاسهم جميعا قد صوبت نحو المسلمين ومنها السهم الطائش للرئيس الامريكي الذي وصف احداث بروكسل بالحرب علي القيم الاوربية او الدموع التي انهمرت من المفوضة الاوربية للشئون الخارجية التي لم تتحمل الوقوف بجوار وزير الخارجية الاردني للتعليق علي الاحداث وكاد " يغمي عليها " من هول ما حدث ، ناهيك عن انطلاق المدافع الاعلامية علي كافة الشاشات الغربية منذ الامس متهمة المسلمين بالمسئولية ومؤكدة علي دعوة المرشح الرئاسي دونالد ترامب باغلاق الحدود في وجه المسلمين ..ما دام ذلك قد حدث الا يحق لنا ان نسأل عن عدد الدموع التي ذرفها مسئول او ناشط غربي تأثرا بضحايا الارهاب في مصر وتونس وسوريا والعراق ؟ ولماذا لم ير الرئيس اوباما في ارهاب دواعش سيناء حربا علي القيم المصرية ؟ ام ان ضحايا الارهاب في اوربا بشر " درجة اولي " وضحاياه من العرب " درجة ثانية " .
ليس امام " اوربا العاقلة " الا ان تهدأ قليلا وان تبحث جذور ما تشهده من عمليات انتقام يقوم بها بعض مواطنيها ضد البعض الاخر ، ولعل تقارير المنظمات الاوربية التي تتناول اوضاع الاقلية المسلمة تكون كاشفة لمسار المواجهة الصحيحة .
في فبراير عام 2014 اصدرت لجنة القضاء على التمييز العنصري - وهي هيئة تابعة للأمم المتحدة ومسؤولة عن ضمان إزالة جميع الإجراءات العنصرية تقريرا حافلا بالانتهاكات التي تقوم بعا الحكومة البلجيكية ضد الاجانب ومنها كراهية المسلمين ومنع الحجاب في بعض المقاطعات .
وفي يونيو من العام الماضي طالب تقرير مرصد الأديان والعلمانية التابع للجامعة الحرة في العاصمة بروكسل بتخفيف حدة المخاوف من الاسلام في بلجيكا حتي لا يحدث رد فعل معاكس من المواطنين المسلمين ، واشار المرصد الي بيان للمركز الحكومي لمكافحة التمييز عن تلقي 4627 شكوي من مسلمين تعرضوا للتمييز في المؤسسات الحكومية والخاصة ثبت جدية اكثر من ثلثها .
وفي اواخر العام الماضي هددت جماعة تطلق علي نفسها " تنظيم الدولة المسيحية " بقتل كافة المصلين في مسجد التضامن بحي مولنبيك الذي تسكنه اغلبية مسلمة كما تلقي الجامع الكبير في بروكسل عدة رسائل بريدية تحتوي علي مواد متفجرة استطاعت الشرطة تفكيكها وتم اغلاق عدد من المساجد وطرد الائمة الذين تتهمهم الشرطة بالتطرف .
بلجيكا لجأت الي الحلول الامنية وحصرت المشكلة مع بعض مواطنيها في اطار الامن دون ان تلتفت الي الاصوات العاقلة التي طالبت بمنهج اخر يتوافق مع ما ترفعه من شعارات الديمقراطية والمساواة مثل الدبلوماسي المخضرم خافيير سولانا الممثل الاعلي الاسبق للشئون الخارجية والامن في الاتحاد الاوربي الذي دعا الي القاء نظرة فاحصة علي الداخل وحل مشكلات الاندماج ومظاهر التهميش والتعالي الثقافي علي الاقليات الدينية والعرقية في اوربا ، ومرت دعوته مرور الكرام دون ان تلفت نظر مراكز الابحاث او البرلمان الاوربي الذي يصر علي اعطائنا دروسا في كيفية التسامح وعدم الاقصاء واحتواء الارهابيين .
اذا ارادت اوربا ان تنعم بالاستقرار عليها ان تستمع لمثل هذه الاصوات وان تتوقف عن نظرتها الدونية لابنائها المسلمين ، وعليها ايضا ان تتوقف عن تصدير الارهاب للعالم العربي عبر تدخلها في الشئون الداخلية ورعايتها للجماعات المارقة في بلادنا .
واخيرا يبقي السؤال : كم جثة تريدها اوربا لكي تدرك اننا اما ان ننعم جميعا بالامن واما ان نغرق معا في بحر من الدماء ؟




 

تعليقات (1)
هم المسئولين
بواسطة: ابو ايمن
بتاريخ: الأحد، 27 مارس 2016 03:53 ص

كل التعليقات تدعو الي جلد النفس مع ااننا مش مسئولين عن الارهاب لانهم يعاملون المسلمين عندهم كالعبيد ولا يتعاطفوا مع ضحايا الارهاب لدينا

اضف تعليق