نظرة الاسلام للغش

السبت، 27 فبراير 2016 03:21 م
 نظرة الاسلام للغش
كمال الهلباوي يكتب

قال صلى الله عليه وسلم " منغشفليسمنا" . أى ليس من الذين يمثلون الاسلام الصحيح ولا القيم ولا المبادئ العظيمة . إن الغش مرض خطير يدمر الثقة والعلاقات على جميع المستويات، وعواقبه وخيمة حيث تقل المصداقية أو تتلاشى، ويتشغل المجتمع فى هذا الغش فلا يتقدم. علينا أيها القارئ أن نتأمل جيدا هذه القصة المعبرة، قبل الدخول فى صلب الموضوع، فإن بعض القصص،مما يثبت الفؤاد، ويعين فى النظرة الصحيحة بل والتصحيح. من غيش فليس منا ، أيا كان المغشوش من المسلمين أو غيرهم. بعضهم يقول من غشنا فليس منا . ولكننى أرى أن "من غش فليس منا" هى الأمر، ولا نكون مثل اليهود يصدقون فيما بينهم ويغشون العالم أو غيرهم فهذا حلال عندهم حتى اليوم!! الآخرون فى نظرهم أمميون.


يحكىأنرجلاًمنالصالحين،كانيوصيعمالهفيالمحلأنيكشفواعنعيوببضاعتهإنوجدت،وكلماجاءمشترأطلعوهعلىالعيب.فجاءذاتيوميهوديفاشترىثوباًمعيباً،ولميكنصاحبالمحلموجوداً،فقالالعامل: هذايهوديلايهمناأننطلعهعلىحقيقةالثوبوباعه الثوب المعيب وأخذ الثمن كاملا ،ثمحضرصاحبالمحل،فسألهعن حركة البيع وعن السوق وعنالثوب،فقال:بعتهلليهوديبثلاثةآلافدرهمولمأطلعهعلىعيبه،فقال: أينهو؟فقال : سافرمعالقافلة،فأخذالرجلالمالمعه(ثلاثة آلاف درهم)،ثمتبعالقافلةوأدركهابعدثلاثةأيام .فقالالرجل لليهودى: ياهذا،شريتثوبكذا،وكذابهعيب،فخذدراهمكوهاتثوبي،أو خذ ثوبا صحيحا آخرا ليس به عيب.فقالاليهودي: ماحملكعلىهذا؟فقالالرجل :

الإسلام،وقولرسولاللهصلىاللهعليهوسلم :" منغشَّفليسمنا "قالاليهودي : والدراهمالتيدفعتهالكمزيفة،فخذبدلهاثلاثةآلافصحيحة،وأزيدكأكثرمنهذا :أشهدأنلاإلهإلاالله،وأشهدأنمحمداًعبدهورسوله".


هذه قصة من قصص الامانة ومن قصص الترغيب والترهيب ، وهى تدل على أهمية القيم، وتدل على نتائج العمل الصالح والأمانة،وحقيقة تمثل الاديان السماوية جميعا بل أهم القيم الاسلامية .


الغش قد يكون فى القول، وقد يكون فى العمل ، وفى الاستشارة أى النصيحة، وقد يكون فى تعلم العلم ، وخصوصا فى الاختبارات والامتحانات، وللأسف الشديد تميز الطلاب الفاسدون فى مصر بتسميات ما أنزل الله بها من سلطان، فأطلقوا على بعض وسائل الغش : البرشام أى العلاج.وقد يكون الغش فى الرعاية الصحية أو فى العقود والعهود والوعود، وقد يكون فىالبيع والشراء ، وقد يكون فى المعاملات المالية والتجارية .


وقد يكون الغش – كما هو فى كتب الفقه والسير و التاريخ – فى الحكم والسياسة وإدارة المؤسسات أو الأوطان ، أى غش الراعى للرعية أو غش الرعية للراعى ، وهذا يتجلى بشكل واضح فى أمور السياسة والادارة، حتى إدارة الدول الكبيرة أو العظمى. وقد يؤدى الى الاستبداد والديكتاتورية . ويرى الناصحون والمشاركون فى ميدان الاخلاق والتربية ونشر القيم، أن من الوسائل والاسباب المعينة على ترك الغش أو تقليصه أو مواجهته ، وأهمية مواجهة حركة الغش، الذى هو من أبواب الفساد الكبيرة،يرون أن من تلك الاجراءات أولا وقبل كل شيئ،تفعيل القانون الحاكم فى ضوء الدستور، والقواعد المتفق عليها حتى لا يفلت منها كبير ولا صغير ، ولا يحتمى بغيرها أحد من أهل الغش وأصحاب الفساد.

ومن تلك الاجراءات والوسائل الناجحة كذلك:الابتهالوالتضرع إلى الله بالدعاء بأن يغنيها لله بحلاله عن حرامه، وإخلاص العم للله جل وعلا. وتفعيلفريضةالأمربالمعروف والنهي عن المنكر.

وتربية الفرد تربية سليمة قائمة على الالتزام بأحكام الشرعوآدابه. وتقوية الثقة بالله،واستشعارمراقبته. وزيارة القبوروتذكرالموت، واليوم الآخر. والصبرفيتحصيلالرزقالحلالبالوسائلالمباحة. والقناعةوالرضى بمارزق الله تعالى عباده. ومجالسةالرفقةالصالحة وتجنب الصحبة الشريرة. ومعاقبةمرتكبيالغشلردعهمعنذلك. والعلمبحكمالغشوأنواعه وبيانصورهللناس.وإشاعة ثقافة كراهية الغش والنظرللعواقبالوخيمةللغشفيالدنياوالآخرة. ودور الغش فى افساد الحياة كلها وعلى جميع المستويات.
 
ولنا أن نتأمل سويا هذا الموقف العظيم،وهو موقف من أعظم المواقف التربوية من التاريخ العظيم.
"عنزيدبنأسلم،عنأبيه،عنجدهأسلم،قال: بيناأنامععمربنالخطابرضياللهعنه،وهويعسالمدينةإذشعر بالعياء،فاتكأإلىجانبجدارفيجوفالليل،فإذاامرأةتقوللابنتها: ياابنتاه،قوميإلىذلكاللبنفامذقيهبالماء. فقالتلها: ياأمَّاه! أوماعلمتماكانمنعزمةأميرالمؤمنيناليوم؟قالت: وماكانمنعزمتهيابنية؟قالت: إنهأمرمناديه،فنادىأنلايشاباللبنبالماء. فقالتلها: يابنية! قوميإلىذلكاللبنفامذقيهبالماء،فإنَّكبموضعلايراكعمرولامناديعمر. فقالتالصبيةلأمها: ياأمتاه! واللهماكنتلأطيعهفيالملأوأعصيهفيالخلاء، أو قالت : إذا لم يكن يرانا عمر فإن الله تعالى – ربنا ورب عمر- يرانا".تقول المصادر المعتبرة أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه وأرضاه، أعجب بالفتاة وأمانتها وخشيتها من الله تعالى، وعرض على اولاده الزواج منها، فتزوجها أحدهم ، وكان من أحفادهما عمر بن العزيز ، الذى يطلق عليه فى التاريخ الاسلامى، خامس الخلفاء الراشدين.
 
لم يتوقف عمر بن الخطاب – وهو أمير المؤمنين وهو يختار زوجة لإبنه - ، عند أوضاع بائعة اللبن المادية والحياتية ولا مركزها الاجتماعى ، ولكن أمانة الابنة جذبته الى طلب المصاهرة العظيمة التاريخية مع بائعة اللبن. وهو يدرك جيدا معنى قوله تعالى :"وَلَاتَزِرُوَازِرَةٌوِزْرَأُخْرَىٰ" ويدرك كذلك "وَكُلَّإِنسَانٍأَلْزَمْنَاهُطَائِرَهُفِيعُنُقِهِ". أين هذا من أوضاعنا المعاصرة وشباب اليوم وأعراف اليوم من هذا الموقف العظيم؟ أين البحث عن مسوغات الزواج أو التعيين فى الوظائف المهمة وخصوصا الجيش والشرطة والقضاء والخارجية وما شابه ذلك؟ سؤال مهم علينا التأمل فيه . وللحديث صلة .والله الموفق
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق