من رحيق اللغة

السبت، 20 فبراير 2016 03:50 م
من رحيق اللغة
كمال الهلباوي يكتب


عاد صديقنا المنوفى اللغوى الأحمدى الشلبى ليستكمل هنا سلسلة مقالات الدين التنموى. كتب الرجل يقول: قال الله تعالى:( ِإنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) . وقال المصطفى صلى الله عليه وسلم: (أحب العرب لثلاث: لأنى عربى؛ والقرآن عربى؛ ولسان أهل الجنةعربى) وقال صلى الله عليه وسلم (رحم اللهُ امرءا أصلح من لسانه). وكان صلى الله عليه وسلم يستقبح اللحن فقال: حينما سمع رجلا يلحن: (قوَّموا أخاكم؛ فإنه ضل). وقال أيضا: (أَنَا النَّبِيُّ لاَ كَذِبَ، أَنَا ابْنُ عَبْدِ المُطَّلِب. أَنَا أَعْرَبُ العَرَبِ وَلَدَتْنِي قُرَيْشٌ وَنَشَأْتُ فِي بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ فَأَنَّى يَأْتِينِي اللَّحْنُ). وقد قال ابن تيمية: :اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرضٌ واجب؛ لذا فإن فهمَ الكتابِ والسنة فرض، ولا فهم لهما، إلا باللغة العربية، وما لا يتمّ الواجبُ إلا به، فهو واجب.


وقال أمير الشعراء شوقى:
إن الذى ملأ اللغات محاسنا جعل الجمال وسره فى الضاد
وقال حافظ ابراهيم شاعر النيل:
أنا البحرفى أحشائه الدر كامن فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتى

وقد أجمع معظُمُ المؤرخين واللغويين على أن أبا الأسود الدؤلي أولُ من وضع علم النحو. ويروى أن ابنته قالت له وهى تنظرُ إلى القمر: ما أجملُ القمرُ! ؛ فاهتم واغتم أبوالأسود لنطقها كلمتى؛ أجملُ والقمرُ بالرفع؛ والأصح النصب، فلم يرقأ له جفن؛ حتى قابل الإمام عليا - كرم اللهُ وجهه – فى صلاة الفجر فقال له: أرى العرب قد خالطت الأعاجم؛ فتغيرت ألسنتُهم، أفتأذن لي أن أضع للعرب كلاما يقيمون به كلامهم؟؛ فعلمه الإمامُ الفعل والفاعل؛ والمبتدأ؛ والخبر وقال له:انحُ هذا النحو، فسمى بذلك علمُ النحو.


وعلمُ النحو هو أساسُ كل العلوم فلا تستقيمُ العلومُ بدونه. وقد اتفق معى فى أهمية علوم العربية المستشار يحيى وفا، ابن القليوبية، الذى أبهرنى بفكره ولغته وروحه العذبة. وكأنما روح الليث بن سعد تسرى فى عروق أهله بل وأهل مصر جميعا، الذين فشل معهم المتشددون فى البعد بهم عن جادة الدين القويم؛ بل امتازوا فى إدخال البهجة والروح الشفافة الفكهة. أحبوا آل البيت دونما تعصب، وعايشوا أهل الديانات الأخرى، عاملين بوصية النبى الأكرم (من عادى ذميا فأنا حجيجه يوم القيامة). ولذلك نرى سيدنا عمر حينما اقتص لابن القبطى، الذى اعتدى ابن عمرو بن العاص عليه.


ومن الأحاديث النبوية التى تطمئننا على الكنانة، عن عمرو بن العاص قال: حدثني عمر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا فتح الله عليكم مصر بعدي، فاتخذوا فيها جنداً كثيفاً، فذلك الجند خير أجناد الأرض" قال أبو بكر: ولم ذاك يا رسول الله؟ قال: " إنهم في رباط إلى يوم القيامة" .


لم يألُ الإمامُ الليثُ جهدًا في سبيل تعليم تلاميذه أو مريديه، ولم يتكاسل عنهم يومًا من الأيام، فظل طوال حياته باذلاً للعلم والمال ابتغاء مرضاة الله،وما كان له أن يتقاعس عن هذا الواجب وهو الإمامُ الذي علم وعمل.وهذا مانفتقر إليه الآن.


وقد مر بهارون الرشيد محنة حينما قال لزوجته زبيدة أثناء نقاش حاد: أنت طالق إن لم أكن من أهل الجنة؛ وكانت زبيدة الزوجة الأثيرة لديه وابنة عمه فى ذات الوقت؛ فجمع الرشيد الفقهاء من جميع الأصقاع والأمصار للخروج من هذه الأزمة. أدلى جميع الفقهاء بدلوهم؛ فلم يقتنع الرشيد بآرائهم. فلمح الإمام الليث بآخر المجلس؛ فدعاه فقال: فليخلي أمير المؤمنين مجلسه، فانصرف من كان بمجلس أمير المؤمنين من الفقهاء والناس ثم قال: تكلم، فقال يدنيني أميرُ المؤمنين، فقال:

ليس بالحضرة إلا هذا الغلامُ وليس عليك منه عين، فقال: يا أمير المؤمنين، أتكلم على الأمان وعلى طرح الهيبة والطاعة لي من أمير المؤمنين في جميع ما آمر به؟ قال: لك ذلك، قال: يدعو أميرُالمؤمنين بمصحف جامع،فأحضر المصحف فقال: يقول أميرُ المؤمنين: والله، فاشتد على الرشيد ذلك، فقال له هارون: ما هذا؟ قال: يا أمير المؤمنين، على هذا وقع الشرط، فنكس أمير المؤمنين رأسه؛ وكانت زبيدة في مكان مسبل عليه ستر قريب؛ من المجلس تسمع الخطاب؛ ثم رفع هارون رأسه فقال: والله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، أنى أخاف مقام الله، وكررها ثلاث مرات؛ فقال له فليقرأ أمير المؤمنين سورة الرحمن؛ وحينما وصل للآية الكريمة " ولمن خاف مقام ربه جنتان" فقال له الليث: إذن لك جنتان وليست جنة واحدة يا أمير المؤمنين.


كانت زبيدة والوصيفات؛ والخدم معها خلف الستر؛ فسُمع التهليلُ والتصفيقُ والفرحُ من خلف الستر، وقال له الرشيدُ: أحسنت والله، بارك اللهُ فيك، ثم أمر بالجوائز والخلع لليث بن سعد، ثم قال هارون: يا شيخ اختر ما شئت، وسل ما شئت تجب عليه، فقال: يا أمير المؤمنين، وهذا الخادم الواقف على رأسك، فقال: وهذا الخادم، فقال: يا أمير المؤمنين، والضياع التي لك بمصـر ولابنة عمك أكون عليها، وتسلم إليّ لأنظر في أمورها، قال: بل نقطعك إياها إقطاعا، فقال: يا أمير المؤمنين، ما أريد من هذا شيئا، بل تكون في يدي لأمير المؤمنين، فلا يجري على حيف العمال وظلمهم، وأمرأن يكتب له ويسجل بما قال، وخرج من بين يدي أمير المؤمنين بجميع الجوائز والخلع والخادم وأمرت زبيدة له بضعف ما أمر به الرشيد، فحمل إليه واستأذن في الرجوع إلى مصـر فحمل مكرمًا مودعا بكل معانى التبجيل والتكريم.


هذا هو الليث الذي أتته الدنيا والإمارة منقادة تجرجر أذيالها؛ وهي راغمة؛ فرفضها، وولى ظهره لها، وجعلها مطيتة إلى الدار الآخرة دار البقاء والخلود،عكس بعض الشيوخ الذين يسعون إلى السلطة والحكام ، باذلين فى سبيله هيبة العلم وماء الوجه.وهكذا تمكن الليث بن سعد بتمكنه اللغوى من بلوغ المكانة السامقة السامية عند الخلفاء والأمراء. وعُرض ولاية مصر عليه فرفض مؤثرا مهمته الدعوية والإصلاحية. وليت شيوخنا آثروا ذلك فكل ميسر لما خلق له.


وقد قال الليث بن سعد: بلغت الثمانين وما جادلت صاحب هوى قط؛ من هنا يثور تساؤل حول الذين تزخر بهم الساحة الآن، واللغط كثير حول أمور الدين وتحديدا؛ تفسير الآية الكريمة؛ وهى قوله تعالى: {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا}.

ويسرنى أن تقوم دار الفتوى ومشيخة الأزهر؛ بتفسير الآية الكريمة؛ تفسيرا شافيا لكل القلوب والعقول ففيها خير كثير.


إننا نريد إسلاما بلا تعصب لمذاهب، تمزق لحمتنا بلا هوادة؛ وبلا وعى تاريخى وحاضر؛تتلاشى فيه دول، وقلوبنا يعتصرها الألم على العراق وسوريا واليمن الذى كان سعيدا وليبيا التى مزقها الصراع المذهبى البغيض، وأمريكا التى تخطط لضرب استقرار المنطقة، ونهب ثرواتها بيدنا لا بيد عمرو؛ فظهرت الفتاوى الشاذة وتصدير الثورات ودعم الجماعات الإرهابية بلا إدراك لما يحاك. وكم كان بودى أن نرتفع ونسمو بعيدا عن تلك النعرة الشعوبية المقيتة.


هنا أدعو دعوة مصرية خالصة مخلصة لكل المصريين أن يستثمروا الرئيس المثمر والالتفاف حوله؛ حتى الذين اختلفوا معنا؛والاندفاع لنهضة نحن نستحقها ولا اجتهاد مع نص فى قول الصديق ابن الصديق عليه وعلى المرسلين جميعا أفضل الصلاة والسلام (اجعلنى على خزائن الأرض إنى حفيظ عليم). فخروج هذه الخزائن لنا مرهون بالعدل والعلم فقط؛ وبذكر الإثمار لن أمل من تكرار أن أكثرمن سبعة وتسعين فى المائة من أشجار مصر عقيمة.


وأكرر دعوتى للرئيس المثمر التوجيه لوزير الزراعة لإبدال الشجر العقيم إلى شجر مثمر، لأن ذلك يعتبر إهدارا للثروة المائية التى نحن فى أمس الحاجة لكل قطرة فى صراعنا الدائر الآن بعيدا عن إهدار الإمكانات الجبارة التى نمتلكها من أرض وبشر ، ونحن فى حاجة للوزير المبدع المبتكر، وبالتالى المدير المبتكر والموظف المبتكر.


أمنيتى أن أرى دورا بل أدوارا فاعلة لوزارة الثقافة والشباب فى مواجهة الإرهاب بوعى وفاعلية بدلا من إهدار المال العام المستتر، وكذلك وزارة الشباب، وأسأل وزير الشباب الذى راح يعدد للرئيس ما بناه من استادات وملاعب، ما الذى أعددت لبناء الإنسان المصرى؟؟؛ فالصين بنت سور الصين العظيم ليحميها من الغزو ولم تبن الإنسان فسهل اختراق السور من خلال رشوة الحراس.

أعتقد أن مشكلة التعليم يسيرة ؛ وذلك بالقضاء على الكتاب الموازى والتعليم الموازى، والقضاء على الفساد فى ترميم المدارس ؛ وبذلك نوفر إمكانات جبارة لرفع أجور المعلمين؛ وقد تعلمنا أن الحلول التى ترضى كل الأطراف هى الناجعة الناجحة؛ وهذه المشكلة المفترض ألا تتجاوز ثلاثة أشهر على الأكثر.

أقول إننى كلما رأيت شيخا أزهريا أغبطه على زيه الجميل وتتملكنى الهيبة والتوقير. وهنا أطالب وزير الأوقاف بمتابعة الأئمة الذين لايذهبون إلى المساجد إلا لصلاة الجمع فقط، وتسليحهم بصفاء وبهاء اللغة التى تمكنهم من التمكن الفقهى، كما لمسنا عند الأئمة الكبار منهم؛ حتى تظل الصورة الجميلة التى تمثل القدوة لنا، وكذلك فى إبعاد الشبهات حول ما يتقاضونه مقابل الدروس، والتى يكتفون بالإعلان عنها فقط؛ وبذلك تسرى فى نفوسنا نفحات أزهرية تدفعنا للعمل بإخلاص لله والوطن؛ وتساعد فى القضاء على الإرهاب والتعصب الدينى والمذهبى".


إنتهى المقال الذى ارسله لى صديقنا المنوفى اللغوى البارع الأستاذ الأحمدى الشلبى فله منا كل تقدير واحترام وتواصل.
والله الموفق

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة