كاتب بريطاني: المشهد الإنتخابي ينبئ بإحياء عصر الإنعزالية الأمريكية
الثلاثاء، 16 فبراير 2016 06:10 ص
رأى الكاتب البريطاني «جدعون راخمان»، أن كلا من اليمين المتطرف واليسار المتشدد، في أمريكا يَعدان بالتراجع عن العولمة.
واستهل مقالًا نشرته «الـفاينانشيال تايمز»، متسائلًا عن سرّ التهاب الشرق الأوسط وهياج روسيا، ورصد شيوع إلقاء اللوم في كل من أوروبا والشرق الأوسط، على كاهل الرئيس الأمريكي باراك أوباما، متهمين إياه بالضعف والانسِحابية، والسماح لأحداث دولية بالخروج عن السيطرة، كما يتهمه الكثيرون في أمريكا - ليبراليون ومحافظون - بالتهمة ذاتها.
ويفترض المتطلّعون إلى سياسة خارجية أمريكية أكثر قوة، أن الأيام ستثبت أن أوباما كان بمثابة انحراف عن المسار، وأن الرئيس الذي سيخلفه سيعيد أمريكا مرة أخرى إلى مكانها.
واستبعد «راخمان»، حدوث ما يتطلع إليه هؤلاء؛ قائلًا إنهم يسيئون قراءة الاتجاه السائد الذي تسير فيه السياسة الأمريكية الخارجية، موضحًا أن متصدرَي سباق الانتخابات الرئاسية الآن - دونالد ترامب على الجانب الجمهوري، وبيرني ساندرز على الجانب الديمقراطي- يعتنقان أفكارًا انعزالية في كل شيء ما عدا الاسم، وإذا ما سادت تلك الأفكار فسيجعل هذان الرجلان من المستر أوباما بطلًا انخراطيًا كبيرًا في المجتمع الدولي.
ورأى «راخمان»، أنه حتى حال عدم اقتراب «ترامب» و«ساندرز»، من البيت الأبيض، فإن شعبية حملتهما الانتخابيتين تشير إلى شعبيتهما القوية التي حققاها في الولايات المتحدة، عبر ما يدعوان إليه من تراجعٍ عن العالمية، ورفضٍ للالتزامات الاقتصادية والعسكرية دوليًا.
وقال «راخمان» إن الانعزالية المتأصلة في تفكير المستر «ترامب»، يمكن أن تتخفّى في خطابه الراعد بشأن إعادة بناء الجيش والحزم مع الأجانب، لكن ليس مصادفة أن يدعو إلى بناء حائط ضخم على طول الحدود الأمريكية الجنوبية. كما ينصّ خطاب المستر «ترامب» الاقتصادي في معظمه على الانعزال عن العالم، إنه المرشح الأكثر احتمائية في هذا المضمار؛ واعدًا على سبيل المثال بضمان أن يشتري الأمريكيون سيارات وآلات أمريكية الصنع، وليست مستوردة من اليابان.
كما يرفض «ترامب» الاتفاقيات التجارية التي وقعتها الولايات المتحدة، معتبرًا إياها وبالًا على أمريكا، متعهدًا بتمزيق تلك الاتفاقيات.
ويتبنى «ترامب» كذلك اتجاها احتمائيًا على الصعيد الأمني، إذ يعد بفرض مدفوعات على كوريا الجنوبية واليابان لأمريكا مقابل حمايتهما عسكريا، ويّدل ذلك على اعتقاده بأنه لا توجد مصلحة قومية أمريكية في ضمان أمن منطقة آسيا «الباسيفيكي» هذا المنطق كفيل بتراجع أمريكا عن التزاماتها الأمنية حول العالم.
علاوة على ذلك، فإن «ترامب» معجَبٌ مُصرِحٌ بإعجابه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، واصفًا إياه بالقائد القوي، وكان كافة المرشحون الجمهوريون للرئاسة قد أجمعوا في مناظرة أجريت مؤخرًا على إدانة «أوباما» على عدم سحْق متطرفي تنظيم «داعش»، لكن أحدا منهم لم يتحدث عن تدخل روسيا في سوريا.
ورجح «راخمان» أن يتجه المستر «ترامب»، باعتباره واقعيًا على صعيد السياسة الخارجية وبوصفه أيضًا لنفسه بأنه عاقد صفقات، إلى ترك أوروبا الشرقية ساحة للنفوذ الروسي، وإذا حدث ذلك، فما الذي يمنع «ترامب» عندئذ عن ترك شرق آسيا للنفوذ الصيني، بقيادة «شي جين بينج»، الزعيم القوي الذي لا يُخفي «ترامب» الإعجاب به أيضًا على غرار «بوتين».
وانتقل صاحب المقال إلى الحديث عن السيناتور «ساندرز»، قائلا إنه لا يعتنق نظرة عسكرة العالم التي يعتنقها المستر «ترامب»، وعليه أن يعتنق وجهة النظر اليسارية للانعزالية؛ بمعنى رفض فكرة أن تكون أمريكا «شرطي العالم»، كما أن المستر «ساندرز» يشارك «ترامب»، في رفض التجارة الحرة، زاعمًا أن «التجارة الحرة غير المقيدة كانت كارثية على الأمريكيين العاملين».
ورأى راخمان أن «ترامب وساندرز» إنما يستثمران خيبة الأمل الأمريكية المتنامية إزاء العولمة، وإن مستويات المعيشة للطبقة المتوسطة من الأمريكيين تعاني ضغوطًا منذ عقود.
وإن كلا من اليمين المتطرف واليسار المتشدد في أمريكا يعدان الآن بتراجع عن العولمة، غير أن أي تراجع من هذا القبيل، سيكون وخيم العواقب ليس فقط على الاقتصاد العالمي، وإنما أيضًا على دور أمريكا كأقوى أمة في العالم.
إنه لا يزال الطريق إلى البيت الأبيض طويلًا جدًا أمام كل من «ساندرز وترامب»، ولا يزال المصنفون يرجحون كفة هيلاري كلينتون في هذا السباق، ولكن حتى مدام كلينتون، اضطرت للاستجابة إلى المزاج الجماهيري الراهن، إذْ تبنت الأسبوع الماضي وجهة نظر «ساندرز» بخصوص الاقتصاد المنحاز للنخبة ذات الامتيازات.
كما أعلنت مدام كلينتون خروجها على اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ، وهي ذات الاتفاقية التي دافعت عنها عندما كانت وزيرة للخارجية.
واختتم «راخمان» قائلًا: «لكن في ظل ما يشهده سباق الانتخابات الرئاسية الأمريكية، فمن الصعب تجاهل ما يحظى به كل من «ترامب» و«ساندرز»، من شعبية ومن إمكانية فوزهما بترشيح حزبيهما، ثم بمنصب الرئاسة من بعد ذلك بالتبعية، وإذا حدث ذلك، فإن المُعّلقين الناعين الآن ضعف أوباما، وعدم فاعليته، سيأتي عليهم يوم يدركون فيه حقيقة أن (أوباما) ربما كان آخر رئيس أمريكي منخرط دوليًا».