إذا ضاقت بك الأرض فاحتمِ بمصر وشعبها.. هنا الدار أمان
السبت، 12 أبريل 2025 08:00 م
محمد الشرقاوي
- ماكرون عن القاهرة وناسها: شوارع تنبض بالدفء.. ولغة شعبية مفعمة بالأمل.. وأمان لا يُختبر، بل يُعاش!
- رئيس فرنسا سار مطمئنًا في قلب العاصمة يحيط به الناس.. وقدمت مصر لزوارها الأمان الذي لا يُصنع بالإجراءات بل يُرى في العيون
- رئيس فرنسا سار مطمئنًا في قلب العاصمة يحيط به الناس.. وقدمت مصر لزوارها الأمان الذي لا يُصنع بالإجراءات بل يُرى في العيون
غادر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مصر، مساء الثلاثاء الماضى، بعد زيارة رفيعة المستوى استمرت لمدة ثلاثة أيام. وقبيل مغادرته نشر الرئيس الفرنسي مقطعا مصورا عبر حسابه على منصة "أكس"- قال فيه باللغة العربية "بعد الزيارة التي استمرت لمدة ثلاثة أيام بالقاهرة والعريش شكرا جزيلاً للرئيس السيسي.. شكراً جزيلا للمصريين على الاستقبال الحار والنقاشات وعلاقاتنا الثنائية الوثيقة وكل ما نقوم به من أجل المنطقة .. الأيام الثلاثة في قلبي وتستطيعون دائما الاعتماد على فرنسا".
كما كتب ماكرون، في التدوينة باللغة العربية، "أغادر مصر بعد ثلاثة أيام مؤثرة، رأيت فيها نبض القلوب في ترحيبكم الكريم، في قوة تعاوننا، في الدعم الذي نقدمه معًا لأهالي غزة.. في العريش، حيث يقاوم الأمل الألم .. شكرًا لكم .. تحيا الصداقة بين شعبينا!".
ليست كل الزيارات تُحكى!
هناك زيارات تكتب نفسها في ذاكرة الشعوب، وها هي زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى مصر في أبريل 2025 لم تكن مجرد نشاط دبلوماسي اعتيادي، بل كانت رسالة حيّة، تمشي على قدمين، مبعوثة من الأزقة القديمة، بين وجوه المصريين وضحكات الأطفال، وتحت ظلال مآذن القاهرة وسحر مشربيات خان الخليلي.
في بلدٍ يجاور النيران ويعيش وسط عالم يمور بالاضطراب، اختار رئيس فرنسا أن يسير مطمئنًا في قلب العاصمة، لا تحيطه الجدران، بل يحيط به الناس، فلم تكن مصر في تلك اللحظة تستعرض قوتها، بل كانت تقدم ما هو أعمق: أمانها، الأمان الذي لا يُصنع بالإجراءات، بل يُرى في العيون، ويُستشعر في الشوارع،
ويُختبر حين يتجول زعيم أجنبي وسط المارة، في سوقٍ شعبي، دون حراسةٍ مشددة، دون رهبة، في مشهدٍ أشبه برسالة مصورة إلى العالم: "هنا، الدار أمان".
وما بين القاهرة والعريش، بين بوابات التاريخ في المتحف المصري الكبير ودفء الأرواح في الأزهر وخان الخليلي، تنقّل الضيف الفرنسي ليعيد اكتشاف مصر، لا من خلال تقارير رسمية أو لقاءات بروتوكولية، بل من قلب النبض الحقيقي، من وجوه الناس، من رائحة القهوة الممزوجة بالتوابل في أزقة الحسين، من ملامح العجائز وهم يرفعون أيديهم بالدعاء، ومن ابتسامة طفل يلوّح بعلم مصر في وجه رئيسين يسيران جنبًا إلى جنب.
في الأيام الثلاثة التي قضاها ماكرون في أرض الكنانة، كُتبت عشرات العناوين، لكن العنوان الأهم لم يكن في الصحف، بل في أعين الناس: "أمان مصر لا يُختبَر، بل يُعاش"، وما بدا في لحظات بسيطة من زيارة، كشف عمقًا حضاريًا وإنسانيًا لا تبلغه المؤتمرات ولا المباحثات، بل تبلغه مصر بطريقتها الخاصة... طريقة الدار التي لا تغلق أبوابها، ولا تخذل زائرها.
يوم قاهري هادئ
في قلب القاهرة القديمة، حيث تتناغم أصوات الزمان مع عطر المكان، وقفت مصر بكل قوتها وهدوئها أمام أعين العالم، فخان الخليلي، بأزقته المتشابكة وشوارعه المتعرجة، أصبح مسرحًا لحدث لم يكن مجرد زيارة رسمية، بل كان رحلة عبر التاريخ بين رائحته العتيقة ووجوه المصريين الطيبين.
ومنذ أن وطأت أقدام ماكرون أرض مصر، كان كل شيءٍ هنا يتنفس أمانًا وحيوية، وفي مشهدٍ نادر، امتلأت الأزقة المزدحمة بالناس، حيث التفّت الجموع حول الرئيسين، وكان كل واحد منهم يحمل في قلبه رسالة حبٍ وتقدير، ولم يكن الرفاق من المارة يكتفون بتلك الهتافات التقليدية، بل أضافوا لمسات شخصية، فكان أحدهم يقول: "منور منطقتك يا ريس!"، فيما كان آخر يضيف دعاءً قلبياً: "ربنا يحميك وينصرك!"، وكأن الشوارع نفسها تتحدث بلغتها الشعبية المفعمة بالأمل.
كان الرئيس الفرنسي، بكل تواضعه، يستمتع بكل لحظة في تلك الجولة، فلم تكن الحشود فقط هي التي كانت تتفاعل، بل كانت كل زاوية، وكل حجر، وكل نافذة مفتوحة تحمل تاريخًا يمتد لآلاف السنين، وفي تلك اللحظات، خُيّل للعالم أن مصر ليست مجرد دولة عابرة، بل هي قلب نابض لا يشيخ أبدًا، مهما تعاقب الزمن، فماكرون، بنظراته المتأملة، يكتشف وجوه الناس كما يكتشف الكتاب المفتوح الذي لم تنته فصوله بعد.
الضجيج الذي كان يعم خان الخليلي لم يكن مجرد صخب، بل كان سيمفونية من الأصوات الحية التي تعكس صورة مصر الحقيقية، تلك الصورة التي لا تزال تحتفظ بجمالها رغم كل المتغيرات، وحينما هتف المصريون "سيسي.. سيسي!"، لم يكن مجرد شعار سياسي، بل كان تجسيدًا لعلاقة متينة بين الشعب وزعيمهم، علاقة تُبنى على الثقة، الأمل، وحب الوطن.
وعندما توقف الرئيس الفرنسي في أحد المقاهي القديمة في قلب هذا الحي العتيق، كان الجو يعج بتلك اللمسة السحرية التي تجعل من كل لحظة ذكرى خالدة.. فناجين صغيرة تتصاعد منها الأبخرة، وأحاديث تتشابك مع ضوء المشربيات، جعلت من تلك الزيارة مشهدًا لا يمكن نسيانه، كل تفصيل، حتى في لحظة الصمت، كان يحمل في طياته رسالة، بأن مصر ليست مجرد بلد يشتهر بالحضارة القديمة، بل هي أيضًا مهد الأمان وسط عالمٍ متقلب.
في تلك اللحظة، كان ماكرون يُدرك، أكثر من أي وقت مضى، أن الأمان في مصر لا يعني فقط الاستقرار السياسي، بل هو حالة تنبع من قلب الشعب، من إيمانهم بوطنهم، ومن قدرتهم على استقبال الضيف بروحٍ صادقة، وفي تلك الزيارة، تجسد جمال مصر الحي، بجمال شعبها، وبأمانها الذي يخرج من بين ركام الأزمات ليضيء الطريق للعالم أجمع.
تجول الرئيسان السيسي وماكرون في تلك الأزقة التي تحتفظ بتاريخ طويل من التجارب والتغيرات، في خطوات تكتب فصلًا جديدًا من العلاقات السياسية والشعبية بين البلدين في سجل هذا المكان العريق، فبين جدران خان الخليلي، حيث تسللت رائحة التوابل إلى عبق الخشب القديم والتكايا المجاورة، كان الرئيس الفرنسي يتنقل من بائعٍ لآخر، من زوايا السوق الضيقة إلى معارض الحرف اليدوية التي تشهد على فنون المصريين الخالدة، والتي تحكي كيف يرتبط المصريون بحضارتهم هكذا، لتبقى رسالة: "إذا ضاقت بك الأرض فاحتمِ بمصر وشعبها".
وفي تلك اللحظة، كان الرئيس الفرنسي يُدرك أن ما كان يراه ليس مجرد أسواق وأزقة قديمة، بل هو رمز لحضارة أمة قاومت التحديات وواجهت الصعاب، ولكنها بقيت ثابتة لا تتزحزح، كان ماكرون يلتقط مع كل خطوة إشارات أعمق مما قد يظهر على السطح، رسائل كان قد أرسلها له المصريون دون كلمات، بل من خلال تلك اللمسات الصغيرة التي كانت تزين كل زاوية، كل نظرة، وكل ابتسامة.
ماكرون منبهرًا
توجه الرئيس الفرنسي إلى المتحف المصري الكبير، المنتظر افتتاحه في يوليو 2025، حيث كان المكان يتنفس تاريخًا عظيمًا، وحضارة لا تزال تحتفظ بأسرارها التي لا تنضب، كان ماكرون، في كل خطوة، يبدو وكأنه يغوص في عمق هذه الحضارة التي أسرت قلوب الفرنسيين لعقود، كما كان يحيط به فريق من المرافقين، إلا أن عيناه لم تفارقا القطع الأثرية التي تتناثر بين جدران المتحف، وكل واحدة منها تحمل قصة سطرها الزمن، الزمان الذي كان يبدو وكأنه توقف هنا، ليعلن للعالم أن مصر ليست فقط مركزًا للأمن والاستقرار، بل هي أيضًا حافظة لفلك الحضارة التي تنير العقول وتثري القلوب.
ووسط هذا الجو التاريخي، كان الرئيس الفرنسي يشيد بهذا المعلم العظيم الذي يعكس حيوية العلاقات بين مصر وفرنسا.. المتحف، بمقتنياته الرائعة التي تشهد على عظمة الفراعنة، أصبح معلمًا عالميًا يستحق أن يكون نقطة جذب للزوار من مختلف أنحاء العالم، إذ أن وجود ماكرون فيه كان أشبه بإعلان قوي، بلغة غير مباشرة، عن التزام فرنسا بتعزيز التعاون الثقافي والاقتصادي مع مصر، وخاصة في قطاع السياحة الذي يعد أحد الركائز الأساسية في الاقتصاد المصري.
لكن الزيارة لم تقتصر على زيارة الأماكن التاريخية والثقافية فقط، بل كانت بمثابة رسالة للعالم أجمع، كانت رسالة تحمل بين طياتها دعمًا لا مشروطًا للأمن المصري، رسالة تفيد بأن مصر قادرة على الحفاظ على استقرارها في ظل محيط إقليمي متغير، وقد انعكس هذا الدعم بشكل واضح في كلمات ماكرون التي نطق بها في ختام زيارته، حيث شدد على أهمية استقرار مصر واعتبر أن هذا الاستقرار يعد ركيزة أساسية لتحقيق السلام في منطقة الشرق الأوسط.
إن هذه الزيارة، التي أسس لها الرئيس السيسي بروح من التعاون، لم تكن مجرد زيارة دبلوماسية، بل كانت محطة جديدة في مسار العلاقات الثنائية بين مصر وفرنسا، فالعلاقات التي تتجاوز مجرد اتفاقيات اقتصادية أو ثقافية، بل تعكس أيضًا روابط إنسانية تجمع بين شعبين يتشاركان تاريخًا طويلًا، وتطلعات لمستقبل أفضل يسوده التعاون والتفاهم.
ورغم أن القاهرة كانت نقطة انطلاق هذه الزيارة، إلا أن رسالة ماكرون التي حملها معه إلى فرنسا كانت واضحة: "مصر الدار الأمان"، هي رسالة تركز على استقرار مصر باعتباره أحد الأعمدة الأساسية التي تقوم عليها المنطقة، وضرورة التعاون الدولي لضمان استدامة هذا الاستقرار، كان ماكرون، في رسالته التي وجهها إلى شعبه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يشير إلى أن الأوقات التي أمضاها في مصر ستكون في قلبه دائمًا، في دلالة على التقدير العميق للضيافة المصرية وللجهود المبذولة في تعزيز السلام في المنطقة.
تعد زيارة ماكرون أيضًا نقطة تحوّل بالنسبة للسياحة في مصر، حيث من المتوقع أن تفتح أبوابًا جديدة أمام السياح الفرنسيين والعالميين لزيارة المتحف المصري الكبير والمناطق التاريخية الأخرى التي يزخر بها بلد الأهرامات، وزيارة ماكرون لمصر ليست مجرد حدث عابر، بل هي تجسيد عملي لرؤية مستقبلية تضع مصر على خارطة السياحة العالمية بشكل أكثر قوة وحضورًا.
وفي الختام، تظل زيارة الرئيس الفرنسي لمصر في أبريل 2025 لحظة مفصلية تتجسد فيها فكرة 'الدار أمان' بكل معانيها العميقة؛ لم تكن الزيارة مجرد حدث دبلوماسي بل كانت رسمة واضحة على خريطة العلاقات الدولية، تعلن للعالم أن مصر، بأرضها وتاريخها، هي الملاذ الآمن في خضم التغيرات العالمية العاصفة.. مصر ليست فقط مرسى للأمان، بل هي الحاضنة التي تحتضن أجيالًا من الطموحات والاستقرار، تُشعّ منها أضواء الأمل في قلب منطقة الشرق الأوسط، لتكون أكثر من مجرد وطن، بل وطنٌ يضيء درب السلام والأمن في عالم مليء بالتحديات.