تحالف مصري تنزاني لبناء سد ضخم لتوليد الكهرباء خلال 5 أعوام.. والسد الإثيوبى غارق في المشاكل لـ15 عاماً

الأربعاء، 02 أبريل 2025 01:00 م
تحالف مصري تنزاني لبناء سد ضخم لتوليد الكهرباء خلال 5 أعوام.. والسد الإثيوبى غارق في المشاكل لـ15 عاماً
سد تنزانيا - صورة أرشيفية
يوسف أيوب

- "جوليوس نيريري" التنزانى يرد على سد النهضة الاثيوبى: معا لنحقق التنمية للجميع 
- احتفالية كبرى في مايو المقبل لافتتاح المشروع التنزانى وتقديم نموذج للتعاون بين دول حوض النيل والتنمية في إفريقيا باستخدام مشروعات السدود الكهرومائية
 
 
يوم الأربعاء، 25 مارس 2015، وقف الرئيس عبد الفتاح السيسى، أمام البرلمان الإثيوبى، مخاطباً ممثلي الإثيوبيين، وقال لهم: أدعوكم اليوم لكى نضع معاً ركائز مستقبـل أفضل لأبنائنـا ولأحفادنـا، مستقبلٌ تُضاء فيه كل فصول المدارس فى إثيوبيا، ويشرب فيه كل أطفال مصر من نهر النيل كعهد آبائهم وأجدادهم، مستقبلٌ يتسع فيه اقتصاد البلدين ليستوعب قوتهما العاملة بما يضمن العيش الكريم لشعبينا، ويحقق الإنتاج الوفير لبلدينا، ولكى يستعيدا مكانتهما بين الأمم بما يتسق مع تاريخهما وقدراتهما، فلا ينبغى أبداً أن يأمن أحدنا على مستقبله دون الآخر، أو أن يبنى رفاهيته على حساب أخيه، فكما أن لبلدكم الشقيق الحق فى التنمية وفى استغلال موارده لرفع مستوى معيشة أبنائه، وكما لا ينبغى أن يشهد القرن الحالى مشاهد الجفاف والمجاعة التى أدمت قلوبنا جميعاً وتألمنا لها فى القرن الماضى، فإن لأخوتكم المصريين أيضاً الحق ليس فقط فى التنمية ولكن فى الحياة ذاتها، وفى العيش بأمان على ضفاف نهر النيل الذى أسسوا حوله حضارة امتدت منذ آلاف السنين ودون انقطاع".
 
هذه الكلمة، من الرئيس السيسى لم يستوعبها الإثيوبيين جيداً، فلم يستوعبوا المنهج المصرى القائم على التنمية للجميع دون الإضرار بأحد، وان مصر حينما تحدثت عن سد النهضة، وأضراراه على دولتى المصب "مصر والسودان"، لم يكن حديثها منصب على الرفض المطلق للمشروع، وإنما كان على أهمية الأخذ في الاعتبار شواغل مصر والسودان، والتعامل معها بجدية، وهذا لا يعنى أن مصر تقف ضد حق إثيوبيا في التنمية، وإنما هي معها في هذا الحق، وسعت من خلال التوافق مع أديس ابابا إلى الوصول لاتفاق قانوني ملزم حول ملء وتشغيل السد، مع التأكيد للإثيوبين، ان الدولة المصرية تنظر بكل تقدير وإيجابية للتنمية في إثيوبيا، لكن ليس على حساب مياه مصر، أو كما قال الرئيس السيسى في أحد رسائله للإثيوبيين: أقول لأشقائنا الإثيوبيين إننا ننظر لكم بإيجابية كالعادة، ومستعدون للتعاون فيما يخص مياه النهر معكم ومع كل الأشقاء.. نريد فقط اتفاقاً قانونياً، يراعي شواغلنا ويفتح باب التنمية لدول حوض النيل.
 
تذكرت هذا الحديث، وأنا اتابع ما يجرى في تنزانيا، التي تشهد بناء أكبر سد وهو مشروع سد "جوليوس نيريري" التنزانى الذى قام تحالف من شركات مصرية بقيادة المقاولون العرب وشركة السويدي بتنفيذه، حيث تم أنجاز نسبة 99.9% منه، وهو سد ضخم لتوليد الكهرباء من الطاقة المائية، وتفوق تكلفته 3 مليارات دولار، والتحالف المصري استطاع أن يتحدى نفسه من خلال إنجاز هذا المشروع بكل المشاكل والعقبات التي كانت موجودة على الأرض في موقع المشروع.
 
والأسبوع قبل الماضى، قام الدكتور بدر عبد العاطي وزير الخارجية والهجرة بزيارة تنزانيا وتفقد مشروع سد "جوليوس نيريري"، وأكد أن الإنجاز الكبير ليس في إنهاء المشروع بنجاح ولكن أيضًا في تقديم نموذج جديد للتنمية في إفريقيا تقوم على مبدأ تحقيق المكاسب للجميع، وتقوم على استفادة المجتمع المحلي في تنزانيا من هذا المشروع من خلال خلق فرص عمل لسكان المنطقة، تنزانيا والسيطرة على فيضان نهر روفيجى والحفاظ على البيئة.
 
كما أكد عبد العاطى أن ذلك المشروع يعد مثالاً يُحتذى به للتعاون بين شركاء حوض النيل ودول المنابع ودولتي المصب في مشروعات السدود الكهرومائية، موضحاً حرص مصر على دعم التنمية في حوض النيل.
 
ومن المقرر وفقاً لما علمته "صوت الأمة" من مصادر سياسية، أنه يجرى حالياً استكمال والإنتهاء من الأعمال المتبقية تمهيداً لإنهاء المشروع وافتتاحه من خلال احتفالية كبرى تنظمها تنزانيا بالإشتراك مع التحالف المصري المنفذ للمشروع، خلال مايو المقبل، أي بعد خمس سنوات فقط من البدء في تنفيذه.
 
المشروع يشمل السد الرئيسى وهو سد خرسانى بطول 1036 مترا عند القمة وله 7 مخارج للمياه، والسدود التكميلية بعدد 4 سدود تكميلية لتكوين الخزان المائى بسعة حوالى 34 مليار متر مكعب ( سد خرسانى بطول 1700م + عدد 3 سدود ركامية بمجموع أطوال 16,5كم ) وعدد 2 سد مؤقت  أمام، وخلف السد الرئيسى لعمل التجفيف والتحويل أثناء تنفيذ السد الرئيسي، ومحطة التوليد الكهرومائية تشمل الأعمال المدنية والتوربينات والمحولات بقدرة 2115 ميجا وات، ومحطة ربط للكهرباء وخطوط جهد 400 كيلو فولت، والتجهيزات المختلفة التي تشمل إنشاء مجمع سكنى، شبكة الطرق،  الكسارات والخلاطات، ومفيض المياه بمنتصف السد الرئيسي ومفيض الطوارئ على السد الفرعى رقم 1، بالإضافة إلى طرق مؤقتة، وطرق دائمة لخدمة منطقة المشروع، ونفق بطول 703 أمتار لتحويل مياه النهر، و3 أنفاق بإجمالى طول 1550مترا لمرور المياه اللازمة لمحطة الكهرباء، وكوبرى خرسانى دائم وكوبرى مؤقت على نهر روفيجى.
 
والسد المنشئ على نهر روفيجى بطول 1025 مترا عند القمة بإرتفاع 131 مترا، ومحطة كهرباء تقع على جانب نهر روفيجى فى محمية سيلوس جام بمنطقة مورغورو جنوب غرب مدينة دار السلام (العاصمة التجارية وأكبر مدن دولة تنزانيا)، وستكون المحطة هى الأكبر فى تنزانيا بطاقة كهربائية 6307  ميجا وات / ساعة سنوياً، والطاقة المتولدة سيتم نقلها عبر خطوط نقل جهد 400 ك فولت، ويتم دمج الطاقة الكهربائية المتولدة مع شبكة الكهرباء العمومية لدولة تنزانبا، كما يتحكم السد في الفيضان لحماية البيئة المحيطة من مخاطر السيول والمستنقعات ولتخزين حوالي 34 مليار متر مكعب من  المياه في بحيرة مستحدثة، بما يضمن توافر المياه بشكل دائم على مدار العام لأغراض  الزراعة والصيد والحفاظ على الحياة  البرية المحيطة في أكبر محمية طبيعية بإفريقيا وواحدة من أكبر المحميات في العالم.
 
وهذا المشروع يجسد قدرة وإمكانات الشركات المصرية الوطنية لتنفيذ المشروعات الكبرى على المستوى الدولى وخاصة فى قارة أفريقيا، حيث وفر المشروع فرص عمل لـ 1961 عاملا معظمهم من الأشقاء التنزانيين، بجانب تشغيل 525  معدة.
 
وللعلم فإن مشروع إنشاء محطة لتوليد الطاقة كان محل دراسة من الحكومة التنزانية منذ الستينيات من القرن الماضى، وفي ديسمبر 2018 قامت حكومة تنزانيا بإسناد عقد إنشاء المشروع فى مناقصة عالمية إلى التحالف المصرى المشترك بين شركتى "المقاولون العرب و "السويدي إلكتريك) بتكلفة تبلغ 2,9 مليار دولار، وانتهى اليوم التحالف المصري المنفذ للمشروع من تركيب وتشغيل 8 توربينات من التسعة المحددة للمشروع، التى تساهم في تعزيز الشبكة الوطنية للطاقة في دولة تنزانيا، كما تم الانتهاء من أعمال السد الرئيسي والسدود الفرعية والتي كان لها دور كبير في تجنيب تنزانيا خسائر بشرية ومادية فادحة نتيجة الفيضانات غير المسبوقة التي حدثت بداية العام الحالي، وأعمال المأخذ وأنفاق المياه المؤدية إلى مبنى التوربينات، والكوبرى الدائم، والطرق المؤقتة والدائمة، ومحطة ربط الكهرباء، ومعسكر إقامة طاقم التشغيل للعميل والمقاول.
 
هذا كل ما يخص سد "جوليوس نيريري" التنزانى، الذىا استطاع تحالف شركات مصري أنجازه في وقت قياسى "خمس سنوات" كما تم الاتفاق عليه.
أما أذا عدنا إلى سد النهضة الإثيوبي، الذى بدأت إثيوبيا في إنشائه منذ 2011، وحتى الأن لم تنته منه، وتقول أن غرضه الاساسى توليد الكهرباء لتعويض النقص الحاد في الطاقة في إثيوبيا، وتصدير الكهرباء إلى البلدان المُجاورة، وبدأت إثيوبيا ملء الخزان في يوليو 2020، وبعد منح الشركة الأمريكية وي بيلد عقدًا بقيمة 4.8 مليار دولار دون مناقصة تنافسية لتنفيذ المشروع، تم وضع حجر الأساس في 2 أبريل 2011 من جانب ملس زيناوي رئيس الوزراء الإثيوبي آنذاك، وكان من المتوقع أن يتم تشغيل أول توربين لتوليد الطاقة بعد 44 شهرًا من البناء اي تقريبا 4 سنوات، أي في 2015.
 
ورغم مرور 14 عاماً، على البدء في إنشائه، لم تستكمل إثيوبيا السد، وهو ما يؤكد الفارق الكبير، بين أن يكون هناك تعاون يفضى إلى الإنجاز والتنمية، وبين الانفراد بقرار، يؤدى بك إلى ما لا يحمد عقباه، خاصة أن الانفرادالإثيوبى بقرار السد، ودخولها في مناكفات مع دولتى المصب، والهروب من المسئولية التاريخية الملقاة على عاتقها بعدم الحاق أية أضرار بمصر والسودان، هو ما أوجدها في الحالة التي عليها اليوم، حيث يعانى السد من أزمة تمويل واضحة، اخرت تنفيذه كل هذه السنوات، خاصة أن دول كثيرة رفعت يدها عن تمويل هذا السد لأنهم يروه خارج أي سياق للتعاون والتنمية.
 
في المقابل فإن سد "جوليوس نيريري" التنزانى، هو مثال للعمل الافريقى المشترك، ورسالة قوية على الرغبة التنموية التي تحكم سياسة مصر الخارجية وعلاقاتها مع الدول الأفريقية الشقيقة، وتحديداً دول حوض النيل، فالمبدأ المصرى واضح، انه لا فيتو على كل المشروعات التنموية، وإنما المسعى المصرى الدائم هو التوافق والتنمية للجميع، بدليل أن مجلس الوزراء وافق في أكتوبر الماضى على اعتماد مقترح بشأن قيام الدولة المصرية بتأسيس آلية تخصص لتمويل دراسة وتنفيذ المشروعات التنموية والبنية الأساسية بدول حوض النيل؛ تنفيذا لتوجيهات الرئيس السيسي، رئيس الجمهورية، وأكد الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، أن مصر تولي اهتماما خاصا بتعزيز علاقاتها مع دول القارة الأفريقية، ولاسيما دول حوض النيل، باعتبارها عمقا استراتيجيا للدولة المصرية، وهناك حرص شديد على تحقيق نوع من التكامل الاقتصادي والتنموي معها، بجانب تحقيق التنمية الشاملة وتفعيل الشراكات متعددة الأطراف بما يلبي طموحات الشعوب الأفريقية الشقيقة .
 
وتهدف هذه الآلية إلى تحقيق التنمية على أساس المشاركة والتعاون بين مصر وأشقائها في دول حوض النيل من خلال تعزيز الاستثمار في المشروعات التنموية ومشروعات البنية الأساسية في هذه الدول، على أن يتم ذلك وفقاً للمعايير الاقتصادية السليمة لتعزيز فرص نجاح تلك المشروعات وجذب التمويل الأجنبي، وستعتمد الآلية في تمويلها على ثلاثة مصادر للتمويل، هي: ميزانية الدولة المصرية، والشراكة مع القطاع الخاص المصري، والشراكة مع الأشقاء في دول حوض النيل، وشركاء القارة الأفريقية من الدول والمنظمات الإقليمية والدولية.
 
هذه الآلية تكمل ما بداته القاهرة منذ سنوات بدعم متواصل لدول حوض النيل، انطلاقاً من قناعة قوية لدى القيادة السياسية أن مستقبل مصر واقتصادها مرهون بالقارة الأفريقية لما تملكه من إمكانيات هائلة، بالإضافة إلى الجوار العربى والاقليمى، فالمجال الافريقى نستطيع ان ننمو فيه ونحفاظ أيضاً على مصالحنا. 
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق