مجزرة رمضان .. دماء الصائمين تروي أرض غزة.. وغضب دولى من القتلة الإسرائيليين
السبت، 22 مارس 2025 02:56 م
محمود علي
المتحدث باسم فتح في القطاع: نتنياهو يسعى لتحصين حكومته الإرهابية على حساب دماء الفلسطينيين
في ليلة حالكة من ليالي رمضان، كان سكان غزة يحاولون التمسك بروح الشهر الكريم رغم الألم، يجتمعون حول موائد السحور في بيوت لا تعرف سوى الصبر على الحصار والجوع والقصف، كان الأطفال يحلمون بصباح جديد، حيث يخرجون للعب في أزقة مدينتهم الجريحة، بينما الأمهات يرفعن أيديهن بالدعاء، لعلّ السماء تستجيب وتُبعد عنهم شبح الحرب والدمار.
لكن فجأة، وبلا سابق إنذار، انقلبت الطمأنينة إلى فزع، وتحول الليل الهادئ إلى عاصفة من النيران والموت. الصواريخ الإسرائيلية اخترقت سماء غزة، لم تفرّق بين رضيع نائم وأم تحتضن أبناءها. صرخات الألم علت فوق أصوات الانفجارات، جثث الأبرياء تناثرت وسط الركام، وامتلأت الشوارع برائحة الدم والبارود بدلاً من عبق التمر والمسك الذي كان يملأ ليالي الشهر الفضيل.
أي جريمة أبشع من هذه؟ أن تُزهق أرواح الصائمين في شهر الرحمة، أن يُباد الأطفال قبل أن يكبروا، أن يُحرم الأحياء من أبسط حقوقهم في الأمن والكرامة؟ في زمن يدّعي فيه العالم الدفاع عن حقوق الإنسان، تواصل إسرائيل ارتكاب المجازر دون حساب، تقتل وتصادر الحياة دون أن يرف لها جفن، فيما يقف المجتمع الدولي متفرجًا، يكتفي ببيانات الشجب والإدانة، بينما تظل غزة تنزف وحدها.
ما حدث في غزة فجر 18 رمضان ليس مجرد عدوان عسكري، بل جريمة ضد الإنسانية، صرخة ألم في وجه الصمت الدولي، ووصمة عار على جبين من يبررون القتل تحت غطاء "الدفاع عن النفس". فإلى متى ستظل غزة ساحة مفتوحة للمجازر؟ وإلى متى سيظل العالم عاجزًا عن إيقاف هذه المذبحة المتكررة؟
هذه المجزرة ليست الأولى، لكنها تذكير جديد بأن فلسطين ما زالت تنزف، وأن الاحتلال الإسرائيلي لا يتوقف عن استهداف الأبرياء حتى في أكثر الأيام قدسية. فهل سيستمر هذا الجرح المفتوح إلى الأبد، أم أن صوت الحق سيعلو يومًا ليضع حدًا لهذا الظلم المستمر.
وقال منذر الحايك، المتحدث باسم حركة فتح في قطاع غزة، لـ"صوت الأمة"، إن الاحتلال الإسرائيلي ارتكب فجر يوم 18 رمضان جريمة جديدة بحق المدنيين الفلسطينيين، حيث استهدف القطاع بسلسلة غارات عنيفة، مستخدمًا كافة أنواع الأسلحة النارية ضد الأطفال والشيوخ والنساء. وأكد أن هذا القصف العشوائي يعكس نية إسرائيلية واضحة لمواصلة سياسة القتل والتدمير دون أي اعتبارات إنسانية أو قانونية.
وأضاف الحايك أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يسعى إلى تحصين حكومته عبر إعادة وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير إلى الائتلاف الحكومي، في محاولة لإنقاذ موقفه السياسي وتمرير الموازنة، لكنه يفعل ذلك على حساب دماء أطفالنا وشيوخنا ونسائنا. وأوضح أن المرحلة المقبلة ستكون صعبة على جميع الفلسطينيين، لأن نتنياهو لا يمكن أن يقبل بانهيار ائتلافه الحكومي، وبالتالي فإن الثمن سيكون المزيد من القتل والتدمير في غزة، مشيراً إلى أن هذا الوضع المتأزم يفرض على الفلسطينيين التوحد سياسيًا واتخاذ موقف موحد، مشددًا على ضرورة تحصين الجبهة الداخلية والعمل على تحسين الوضع الداخلي الفلسطيني، خاصة في ظل التحديات الراهنة. وأكد أن على السلطة الوطنية الفلسطينية تحمل مسؤولياتها في قطاع غزة، وفق الخطة العربية الإسلامية، التي تستهدف إعادة الإعمار والإغاثة ودعم صمود السكان.
واستذكر الحايك تصريحات سابقة لرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، التي أكد فيها أنه لا يريد وجود السلطة الوطنية الفلسطينية، لكنه اضطر للقبول بها تحت ضغط الاتحاد الأوروبي، الذي فرض وجود السلطة على معبر رفح سابقًا. وأوضح أنه عندما يتوحد الفلسطينيون، يصبح بإمكانهم فرض واقع جديد وإفشال كل المخططات التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، مشيرًا إلى أن الانقسام الداخلي يمنح الاحتلال فرصة لتنفيذ مشاريعه دون عوائق.
وتحدث الحايك عن تدهور الوضع الإنساني في غزة منذ 2 مارس الماضي، مشيرًا إلى أن الاحتلال يمنع دخول المساعدات الإنسانية والمستلزمات الطبية، مما أدى إلى كارثة حقيقية في القطاع الصحي. وأوضح أن المستشفيات تعاني من نقص حاد في الأدوية والمعدات، لدرجة أنها وجهت نداءات استغاثة صباح يوم المجزرة، طالبة من المواطنين التبرع بالدم، مما يعكس انهيار المنظومة الصحية ونفاد أكياس الدم اللازمة لعلاج المصابين.
وأضاف أن الوضع في المستشفيات وصل إلى مستوى غير مسبوق من التدهور، حيث لا تتوفر المستلزمات الطبية الأساسية، ويعتمد الأطباء على الإمكانيات المحدودة لإنقاذ الأرواح. كما لفت إلى أن الأطباء العاملين في غزة يواجهون صعوبات كبيرة، إذ استشهد عدد منهم في القصف الإسرائيلي، فيما تعرض آخرون للاعتقال من قبل قوات الاحتلال، ما أدى إلى نقص حاد في الكوادر الطبية المؤهلة.
وأكد الحايك أن الوضع الأخطر يكمن في أقسام العناية المركزة، حيث لا يوجد سوى أربعة أسرة في شمال القطاع، مما يجعل توفير الرعاية الطبية للمصابين في حالة حرجة أمرًا شبه مستحيل. وأوضح أن نقص الكوادر الطبية والمعدات يزيد من معاناة الجرحى، ويعني أن العديد منهم قد لا يحصلون على العلاج المناسب في الوقت المناسب، مما يؤدي إلى ارتفاع عدد الشهداء يوميًا، وشدد على أن الوضع في غزة أصبح أكثر تعقيدًا وخطورة، ويتطلب تدخلاً عربيًا ودوليًا عاجلًا لوقف العدوان. ودعا الوسطاء العرب، وعلى رأسهم مصر وقطر، إلى الضغط على الولايات المتحدة من أجل كبح جماح نتنياهو وإجباره على وقف الحرب على القطاع فورًا.
كما أكد أن إنهاء الحرب بشكل كامل يتطلب جهودًا دبلوماسية مكثفة، وضرورة التحرك الفوري لإنقاذ ما تبقى من غزة، التي تواجه كارثة إنسانية غير مسبوقة. وختم بالقول: "نحن أمام مرحلة صعبة، وإذا لم يتحرك المجتمع الدولي بشكل جاد، فإن الاحتلال سيواصل ارتكاب المزيد من المجازر بحق شعبنا".
وأثارت المجازر التي ارتكبتها إسرائيل في غزة استنكارًا واسعًا على المستويين العربي والإسلامي والدولي. فقد أدانت وزارة الخارجية الغارات الجوية الإسرائيلية التي استهدفت قطاع غزة، وأسفرت عن استشهاد أكثر من 300 فلسطيني حتى الآن، معظمهم من النساء والأطفال، ما يُشكل انتهاكًا صارخًا لاتفاق وقف إطلاق النار وتصعيدًا خطيرًا يُنذر بعواقب وخيمة على استقرار المنطقة، معربة القاهرة مجددًا عن رفضها الكامل لجميع الاعتداءات الإسرائيلية الرامية إلى إعادة التوتر للمنطقة، والعمل على إفشال الجهود الهادفة للتهدئة واستعادة الاستقرار.
وطالبت الخارجية المصرية المجتمع الدولي بالتدخل الفوري لوقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة؛ للحيلولة دون إعادة المنطقة لسلسلة مُتجددة من العنف والعنف المضاد، وتطالب الأطراف بضبط النفس وإتاحة الفرصة للوسطاء لاستكمال جهودها للوصول إلى وقف دائم لإطلاق النار، كما أعربت المملكة العربية السعودية عن استنكارها للعدوان، مؤكدة على "ضرورة وقف القتل العشوائي وحماية المدنيين الفلسطينيين".
وأكدت وزارة الخارجية التركية أن الهجمات على غزة تظهر أن إسرائيل انتقلت إلى مرحلة جديدة من سياسة الإبادة الجماعية، وأعرب رئيس وزراء أيرلندا، ليو فارادكار، عن استنكاره الشديد للغارات الإسرائيلية على غزة، داعيًا جميع الأطراف إلى احترام اتفاق وقف إطلاق النار، والمضي قدمًا في تبادل الأسرى، وإطلاق سراح المحتجزين، والعودة إلى طاولة المفاوضات، في حين أدان وزير الخارجية البلجيكي، برنارد كوينتين، الغارات الإسرائيلية الجديدة، مشيرًا إلى أن ما تسببه من خسائر بشرية يهدد فرص تحقيق أي تقدم في اتفاق وقف إطلاق النار.
أما الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، فقد عبّر عن صدمته الشديدة إزاء التصعيد الإسرائيلي في غزة، داعيًا إلى احترام الاتفاقات الدولية، واستئناف إدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع المحاصر دون قيود، وفي إسبانيا، أدان وزير الخارجية، خوسيه مانويل ألباريس، موجة العنف الجديدة التي تستهدف المدنيين في غزة، مؤكدًا أن الطريق الوحيد نحو السلام هو وقف دائم لإطلاق النار، والعمل على إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
وقال عبد الفتاح دولة، المتحدث باسم حركة فتح، لـ"صوت الأمة"، إن عودة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة تعني استئناف حكومة الاحتلال لمسلسل الإبادة الجماعية والتجويع والتطهير العرقي، الذي استمر على مدار الخمسة عشر شهرًا الماضية. وأوضح أن هذه العمليات العسكرية ليست سوى وسيلة عدوانية يستخدمها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لفرض شروطه التفاوضية على حركة حماس، محاولًا تحقيق مكاسب شخصية وسياسية على حساب دماء الأطفال والنساء، بينما يقف العالم عاجزًا أمام هذه الجرائم المتكررة.
وأضاف دولة أن نتنياهو لم يكن يومًا يسعى إلى اتفاق حقيقي لوقف إطلاق النار وإنهاء العدوان، بل كان همه الوحيد استعادة الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة، ليعود بعدها إلى نهجه العدواني وتصعيد سياساته التصفوية ضد القضية الفلسطينية. وأكد أن ما يحدث اليوم هو استمرار مباشر لهذه السياسة، حيث يعود الاحتلال مجددًا لذبح الشعب الفلسطيني، وتدمير ما تبقى من آثار الحياة في قطاع غزة، في محاولة لإعادة تشكيل الواقع وفق مصالحه وأهدافه التوسعية.
وشدد المتحدث باسم حركة فتح على أن استمرار استهداف الفلسطينيين بهذا الشكل الوحشي يتطلب تحركًا دوليًا حقيقيًا وحازمًا، قادرًا على وضع حد لهذه الجرائم التي تُرتكب أمام مرأى العالم. وأكد أن التهاون في التعامل مع انتهاكات الاحتلال لن يؤدي إلا إلى مزيد من المعاناة والدمار، وسيشجع إسرائيل على المضي قدمًا في سياسات القتل والتشريد دون خوف من المحاسبة.
وقال دولة إن الصمت لم يعد خيارًا، والتقاعس عن اتخاذ خطوات ملموسة وجادة لوقف هذه المجازر سيؤدي إلى كارثة إنسانية أوسع في قطاع غزة، حيث يواجه السكان نقصًا حادًا في الغذاء والماء والدواء، وسط تصاعد القصف والتدمير الممنهج للبنية التحتية، مؤكدا أن حركة فتح تجدد موقفها الثابت بأن الشعب الفلسطيني لن يقبل بأي محاولات لتقويض حقوقه المشروعة، ولن يسمح بفرض أي حلول تهدف إلى تصفية قضيته الوطنية تحت ضغط القوة العسكرية.
وأوضح أن إرادة الفلسطينيين أقوى من كل المخططات التي تسعى إلى فرض الأمر الواقع، وأن الاحتلال لن ينجح في كسر عزيمة الشعب الفلسطيني رغم كل الجرائم التي يرتكبها.