دراما رمضان 2025.. التيمة الشعبية تفرض نفسها بقوة
السبت، 15 مارس 2025 01:21 م
دراما رمضان 2025
السعيد حامد
أولاد الشمس وفهد البطل وحكيم باشا تقدم القصص الدرامية بشكل محترم بعيد عن الابتزال
يمتلك الفن المصري، تاريخا عريقا، دُونت صفحاته عبر كل مسارح وسينما ودور عرض وأثير، في دول المنطقة العربية، عبر أنامل وأيدي وعقول مبدعة خالدة، كانت تراه – أي الفن- ليس إلا عملا إبداعيا خياليا، لا يمكن أن يحكم عليه بعدسة دينية ضيقة الجمال والخيال والإبداع، تلطخ سمعته بتهم بالية، كان يعتقد بأنها تهم عفى عليها الزمن، خاصة وأن الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، لم تتوان عن خطتها في إعادة إحياء مسار عودة القوى الناعمة المصرية، وفي القلب منه الفن، إلى ماضيه وتأثيره، الذي كان، في وقت تتنافس فيه قوى متنوعة ومختلفة، على جذب اهتمام ومتابعة الجمهور المصري.
ويبدو وجيها، والجميع يتابع بشغف وتفاعل أعمال الماراثون الدرامي الرمضاني، أن تطرح تساؤلات عديدة حول تأثير الدراما في سلوكيات الشارع المصري، وأن ينشغل مجتمع السوشيال ميديا بالمعركة الموسمية السنوية التي تدور عادة حول مشاهد وألفاظ المسلسلات، فبينما يرى البعض المسلسلات، ليس إلا عملا فنيا يحاول الاشتباك - حد قدرته، مع قضايا المجتمع وهمومه، يرى البعض الآخر، أنها – أي المسلسلات - محض لهو يسيء للمجتمع، ويزيد من جراحه الأخلاقية، لتلهب معها بالأخير المنافسة المحتدمة بين عشرات الأعمال الفنية، التي أظهرت قدراتا إبداعية كبيرة لعدد من المخرجين.
لكن رغم ذلك، لم تنف هذه المعركة عن المسلسلات تأثيرها الكبير، الذي أحدثته خلال الماراثون الرمضاني، إذ احتلت كثير من مشاهد وإيفهات أعمال الموسم الدرامي، تدوينات ومنشورات حسابات وصفحات السوشيال ميديا، مانحة في الوقت ذاته، الشركة المتحدة، التقدير والإشادة اللذين تستحقهما، بعد أن نجحت الأخيرة باقتدار - حتى الآن - في تقديم موسم درامي مميز ومتنوع، لم يسلط الضوء على وحسب على مشكلات المجتمع وقضاياه الشائكة كما جرت العادة، بل راح يقدم الحلول لها، راسما البسمة على شفاه ملايين المشاهدين والمتابعين، بشكل هادف دون ابتذال أو إسفاف.
وبحسب نقاد، فإن الشركة المتحدة واكبت التطور التكنولوجي في صناعة الأعمال الفنية، لتأكيد دور مصر الرائد في هذه الصناعة المهمة، كما نجحت في تقديم توليفة عالية القيمة عن البيئة الشعبية، أكدت من خلالها تصدرها المشهد الدرامي والفني بشكل راق ومحترم، من خلال أعمال ذات مستوى عال، خلت من أي ألفاظ خارجة أو مشاهد مسيئة، خاصة مع الحراك الكبير في منافسات دراما رمضان.
هل نجحت التيمة الشعبية بعد 15 يوما رمضان؟
تحظى المسلسلات الشعبية أو التيمة الشعبية في الأعمال الفنية، باهتمام بالغ وخاص من قبل المشاهدين، فهي تعد الأعمال الأقرب لقلب الجمهور، وفي الموسم الحالي، قدمت الشركة المتحدة، أعمالا شعبية متنوعة ومختلفة- مثل أولاد الشمس، وفهد البطل، وحكيم باشا- فالأحياء الشعبية – كما يقول النقاد - هي الأرضية الحقيقية للمجتمع المصري بكل ما فيها من حكايات ونماذج سلبية وإيجابية، وتبرز مفردات الخير والشر، نتيجة تقارب أبناء الحارة الواحدة، فتبدو التفاصيل أكثر بروزا وقوة عن مجتمع المدينة الأكثر حداثة، حيث لا توجد سوى التفاصيل التي تخص كل أسرة، باستقلاليتها.
الدراما الشعبية، هي لون جاذب للجمهور، خاصة إن البيئة الشعبية هي الأقرب لبيئة الريف والصعيد اللذين يعدان السواد الأعظم من المجتمع المصري، حيث يتقارب الناس، فأصحاب الحرف والمهن والصنايعية أكثر تعبيرا عن شريحة كبيرة من المجتمع الذي يرى في هؤلاء الأبطال صورة منه أو أقرب إليه، ولذلك تنجح في هذه الأعمال لأنها ببساطة اقتربت من الناس، بحسب ما يقوله النقاد.
ويؤكد النقاد، على أن اللون الشعبي نوعية مضمونة النجاح، حتى أن الجمهور يتذكر إفيهات الأبطال أكثر من الأحداث، كما يحدث مع أحمد العوضي في مسلسل فهد البطل، أو مع أحمد مالك وطه دسوقي في ولاد الشمس، وذلك لأن المشاهد المصري بطبعه يميل إلى تلك الأجواء الشعبية وهي الغالبة على الأحياء في كل بقاع مصر وليس في القاهرة وحدها، فهذا اللون الدرامي نابع من قلب الشعب، حيث يعرف الأشخاص والأسر بعضهم وتجمعهم مواقف إيجابية وسلبية.
لكن، على الجانب الآخر، ليس كل ما يقدم في الإطار الشعبي يضمن النجاح- بحسب النقاد، فهذا يتوقف بالأخير على المعالجة الدرامية لقضايا حقيقية، بحيث لا تغلب مشاهد الأكشن المبالغ فيها، وهذا ما شوهد في هذا الموسم، رغم الضرورة الفنية لوجود الإثارة لتتحقق المتعة، ولكن لا يجب أيضا أن يتحول البطل الشعبي إلى سوبر هيرو أو باتمان، يحقق كل شيء بقوته الجسدية، فتتوه رسالة العمل الحقيقية، إذ لا بد من التوازن في التقديم والتوازن في الصراع، بحيث لا تبدو الحارة الشعبية كالمدينة الفاضلة، وأيضا لا تصبح غابة مليئة بالوحوش ويضطر البطل لمجاراتهم.
هل تؤثر الانتقادات على الأعمال الفنية؟
بين اعتماد بعض الأعمال الفنية في السابق، على العنف كوسيلة لتحقيق الشهرة دون توظيفها لخدمة الدراما والمحتوى الفني، وبين الأهداف السامية التي تسعى لتحقيقها، تمضي دراما رمضان في طريقها، ملاحقة بالإشادات تارة وبالانتقادات تارة أخرى، إذ يحمل البعض المسلسلات وحدها مسؤولية الترويج للعنف، في حين يؤكد الكثير أنها تسلط الضوء على قضايا شائكة، كما تنقل صورة حقيقية لما يحدث بالفعل في المجتمع من أعمال عنف، وتحذر منها.
ويرى نقاد، أنه من الظلم القول إن الدراما أو الفن عموما وحده محرك للجريمة، فلا يمكن أن يتحول الشخص إلى قاتل لمجرد أنه يشاهد الكثير من الأعمال التي تتضمن مشاهد العنف، فالمجتمع نفسه هو الذي يخلق هذا للعنف من داخله بسبب توافر بعض العوامل فيه مثل نقاط ضعف في التربية أو مشكلات في سيادة القانون، لكن مع سيطرت أعمال درامية، ذات طابع عنيف، استخدم العنف فيها من قبل صناعها كوسيلة لتحقيق نجاح جماهيري في الموسم الأكبر للدراما المصرية في شهر رمضان، على مدار سنوات عدة، برز هذا القول، قبل أن تتشبك معه الشركة المتحدة بكل طاقتها.
وبحسب النقاد، فإنه يحسب للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية اهتمامها بقطاع الفن وإعادة ترتيبه من الداخل، فالفن يتأثر بالمجتمع وهذا لا ينفي أنه يؤثر فيه أيضا، لكن الاعتقاد بأن الفن هو المسؤول عن نشر ظاهرة العنف في المجتمع المصري اعتقاد خاطئ، وصحيح أنه قد يقدم محتوى ينطوي على عنف، لكنه بالأخير يجسد أعمالا مستقاة من المجتمع، ولا يعرف بالضبط من يقف وراء إلصاق تهمة نشر العنف بالدراما فقط.
ويؤكد النقاد، أن للدراما دور كبير ومؤثر للغاية في تشكيل ملامح السلوك الجمعي للمجتمع خاصة بين فئات معينة، فهي لها أثر كبير في المجتمع خاصة في الفئات الأقل تعليما وثقافة، لأن أفرادها ليس لديهم القدرة على معارضة ما يرونه في الأعمال الدرامية على عكس من يتمتعون بمستويات مرتفعة من التعليم ولديهم الكثير من الوعي، الذي يمكنهم من مناقشة ما تطرحه الأعمال الدرامية، وربما يكون هذا هو الدافع وراء انتقاء الشركة المتحدة لأعمالها الفنية والاهتمام بالقضايا التي تطرحها.
أحمد العوضي يدافع عن نفسه
وانطلاقا من تأثير الدراما الكبير في المجتمع عبر الرسائل التي تتبناها ومحاولتها دائما ربط الناس بالمجتمع وأهدافه، كان الفنان أحمد العوضي، الذي يقدم مسلسل فهد البطل، من بين الفنانين الذين وجهت لهم بعض الانتقادات كونه يواصل لعب دور البطل الشعبي للعام الثاني على التوالي، لكن العوضي دافع عن قراره بقوله، إنه اختار تقديم تلك النوعية من المسلسلات لأنه نشأ في منطقة شعبية ومهموم بقضاياها كما أنه كان متعلقا بالأفلام والمسلسلات التي تحكي عن الطبقة الشعبية منذ الصغر.
ويوضح العوضي، أنه يحرص في رمضان على تقديم أدوار البطل الشعبي بسبب انتظار الجمهور لها، وقصة مسلسل فهد البطل الذي يلعب بطولته مختلفة ودسمة ومليئة بالأحداث، مشيرا إلى أن صراعتها معقدة وشخصياتها لديها دوافع نفسية كثيرة، وأنه كان حريصا هذا العام على تحقيق فهد البطل نجاحا جماهيريا أكبر من مسلسل حق عرب الذي قدمه العام الماضي.
ويضيف: إخواتي بيستوني كل سنة وأغلبهم من المنطقة الشعبية، لازم أديهم الحاجة اللي بيستنوها من أحمد العوضي، كل نجم بيخاطب جمهوره اللي بيحبوه، دول همي وشغلي الشاغل، وأنا بعمل الأعمال الشعبية لإخواتي والحمد لله ديما مسلسلاتي جماهيرية.
ورغم أن موجة انتقاد المسلسلات عبر السوشيال ميديا، هي تيمة شهر رمضان الدائمة، لكنها تبقى دليلا ملموسا بشكل ما أو بآخر، على التأثير الكبير الذي يحققه الموسم الدرامي الرمضاني، ومهما بدا الاختلاف كبيرا أو عميقا بين المشاهدين والمتابعين، فالنجاح هو العنوان الأبرز والأهم، للماراثون الدرامي، الذي تقف خلفه، الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية.