الدستور المصغر.. مجلس النواب ينهي مارثون الإجراءات الجنائية
السبت، 01 مارس 2025 03:43 م
سامى سعيد
حنفى جبالى: يجسد رغبة أمة فى البناء.. نقيب المحامين: إنجاز استحقاق تشريعي بالغ الأهمية
لأول مرة.. المشروع يجيز لورثة المجني عليه الصلح في جرائم القتل العمد.. وضمانات لحماية المجني عليهم والشهود.. وتعويض عن الحبس الاحتياطي الخاطئ
لأول مرة.. المشروع يجيز لورثة المجني عليه الصلح في جرائم القتل العمد.. وضمانات لحماية المجني عليهم والشهود.. وتعويض عن الحبس الاحتياطي الخاطئ
أنهى مجلس النواب، الأسبوع الماضى، مارثون مشروع قانون الإجراءات الجنائية، بالموافقة الأثنين الماضى، خلال الجلسة العامة فى المجموع على مشروع القانون الجديد، وأعلن الدكتور حنفى جبالى، رئيس المجلس تأجيل أخذ الموافقة النهائية على مشروع القانون إلى جلسة تالية، حيث ناقش البرلمان جميع مواد مشروع الإجراءات الجنائية والبالغ 544 مادة، وخلال المناقشة تم استحداث مادتين تقدم بهما المستشار عدنان فنجرى وزير العدل، ومادة أخرى تقدم بها الدكتور على جمعة.
وأكد جبالي، أن هذا القانون إنجاز حقيقي سيسجله التاريخ لهذا المجلس، لما له من أهمية وخطورة سواء على المستوى الداخلى أو الدولى، فعادة ما أصفه بأنه دستور مصر الثانى أو الدستور المصغر لما ينطوى عليه من أحكام تمس بشكل مباشر حقوق وحريات الأفراد، وتضافرت فيه الجهود، وبالرغم من اختلاف الرؤى والأفكار والايدلوجيات فقد عمل الجميع بعزم لا يلين وبهمة لا تعرف الكلل لإنجاز هذا المشروع العظيم الذي يجسد رغبة أمة في بناء حاضرها ومستقبلها مستلهمين فى ذلك بدروس الماضي ومستشرفين بآمال المستقبل في ظل الجمهورية الجديدة التي أرسى دعائمها الرئيس عبد الفتاح السيسي.
وتابع: بدأ هذا الإنجاز بفكرة وهى تشكيل لجنة فرعية مكونة من ممثلين عن الجهات ذات الصلة بهذا المشروع ومتخصصين فى هذا المجال، وأؤكد أن هذه اللجنة والتى كانت اللبنة الأولى فى هذا المشروع وبالرغم من مجهوداتها العظيمة التى أشاد بها الجميع من المنصفين إلا أنها كانت مرحلة أولية لإعداد المسودة الأولى للمشروع، ولم تكن بديلاً عن القواعد والإجراءات البرلمانية لإقرار مشروعات القوانين، ونحن اليوم أمام مشروع قانون جديد متكامل للإجراءات الجنائية نحسبه خالصًا لوجه الله تعالى ملبيًا لطموحات وتطلعات الشعب المصري العظيم، وبالرغم من كل ما تحقق بمشروع القانون سيكون التاريخ هو الشاهد علينا جميعًا فى ذلك.
وأضاف رئيس مجلس النواب: لا ندعي الكمال فكل عمل بشري يقبل الاجتهاد وتعدد الآراء بين مؤيد ومعارض، إلاّ أنني أقول بيقين صادق أننا لم نضع نصب أعيينا أثناء مناقشة هذا المشروع سوى تحقيق الصالح العام للدولة والمواطن، ولعلكم لمستم بأنفسكم حجم الممارسة الديمقراطية التي شهدها مناقشة هذا المشروع واتساع المجال لكافة الآراء والأفكار وتلقي كافة المقترحات من جميع الجهات فلم يوصد المجلس أبوابه أو يصم آذانه عن سماع أي طرح أو مقترح.
وأكد المستشار عدنان فنجري، وزير العدل، أن مشروع قانون الإجراءات الجنائية خضع لمتابعة دقيقة منذ بداية مناقشته في كل إجراء يتخذ، والضمانات المقررة التي تكفل حق الدفاع وتحمي الحقوق والحريات العامة، والمعمول بها تُعد جزءًا من القواعد التقليدية المستقرة، لافتاً إلى أن المناقشات كانت متأنية ودقيقة من خبراء متميزون وذات كفاءة عالية في العمل البرلماني والقانوني والقضائي، مشيراً إلى أن مجلس النواب كان حريصا على دوره الدستوري بتحديث النظام القانوني، على نحو يتماشى مع الوقت الحاضر ويواجه تحديات المستقبل، ولم يكن ذلك إلا تجسيدا لجمهوريتنا الجديدة.
وشدد فنجرى على أن تخصيص باب مستقل لإجراءات التحقيق والتقاضي عن بُعد يُعد خطوة إيجابية، حيث تم إدراج بعض الأحكام الجديدة دون الإخلال بالمبادئ الراسخة في المعاملة الجنائية لجميع أطراف المنظومة القضائية، كما أشار إلى أن إجراءات التحقيق تهدف بالأساس إلى جمع الأدلة والتحقق من وقوع الجريمة ونسبتها إلى المتهم، مع مراعاة توفير ضمانات العدالة الجنائية وتعزيز فاعلية النظام القضائي.
ووجه المستشار محمود فوزي، وزير الشؤون النيابية والقانونية والتواصل السياسي، التحية والتقدير إلى رئيس مجلس النواب بمناسبة الانتهاء من مشروع قانون الإجراءات الجنائية، على ما بُذل خلال الشهور والأسابيع الماضية من جهود صادقة وعمل برلماني مثمر مشرف استهدف مرضاة الله وصالح الوطن، وقال إن المجلس النيابي قام بواجبه في مناقشة مشروع القانون بدافع من ضمير صادق ورؤية موضوعية واعية لضرورات الحاضر ومتطلبات المستقبل، لا يثنيه ضغوط أو مزايدات من هنا أو هناك. ابتعدتم عن حوار لا يحكمه المنطق وتمسكتم بقواعد الحوار المنطقي السليم.
وأشار فوزى إلى جهد اللجنة البرلمانية المشتركة من لجنة الشؤون الدستورية ومكتب لجنة حقوق الانسان، واللجنة الفرعية التي أعدت مشروع القانون، وقال حيث كان لهم السبق في إخراج المولود الجديد وإزالة التعارض بين أحكام القانون القائم مع أحكام الدستور، فضلا عن إحداث توافق مع المنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان مما مؤداه إعلاء المصلحة العليا للبلاد داخلي وخارجي وتحقيق استقرار منشود للقواعد الإجرائية.
وقال المستشار محمود فوزي، إنه "رغم تنوع الأفكار وضعتم نصب أعينكم الصالح الذي لا تحيدوا عنه، وجرت مناقشات واسعة وجادة علي اختلافها حول نصوص المشروع، ولم يكن اختلاف الرأي غاية بل لإظهار الحقيقة".
وقال عبد الحليم علام، نقيب المحامين إن الموافقة المبدئية على مشروع القانون، تجعلنا نؤكد أننا على مشارف إنجاز استحقاق تشريعي بالغ الأهمية، بعد مناقشات مستفيضة، مشدداً على أن مشروع القانون يقف فى مصاف القوانين المكملة للدستور، موجهاً الشكر لرئيس مجلس النواب "على الخطوة غير المسبوقة بإشراك النقابة فى صياغة هذا الاستحقاق التشريعي الهام، إذ حرص المجلس على إشراك ممثلين من النقابة فى أعمال اللجنة الفرعية واللجنة الدستورية، والتى بذلت جهود عظيمة فى مراجعة وتنقيح القانون واستجابت للآراء و التعديلات والمقترحات".
وقال المستشار إبراهيم الهنيدى، رئيس لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب، إن المجلس انتهى من مناقشة 541 مادة بخلاف مواد الإصدار، بحضور مكثف لجميع مؤسسات الدولة، وهو ما يتسق مع الدستور والاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان وبما يتواكب مع التطور التكنولوجي والدولة المصرية فى مجال حقوق الإنسان على الصعيدين الداخلى والدولى والاستقرار المنشود بالقواعد الإجرائية.
وفى ختام النقاش البرلماني على مشروع القانون، وافق النواب على مقترح الدكتور على جمعة، رئيس لجنة الشئون الدينية والأوقاف، بشأن إضافة مادة مستحدثة لمشروع قانون الإجراءات الجنائية، الخاصة بالصلح، وجاء نص المادة الستحدثة المقترحة من الدكتور على جمعة، كالتالي: مع عدم الإخلال بسلطة رئيس الجمهورية في العفو عن العقوبة أو تخفيفها، يجوز لورثة المجني عليه أو وكيله الخاص إثبات الصلح في أية حالة كانت عليها الدعوى إلى أن يصدر فيها حكم بات في الجرائم المنصوص عليها في المواد 213، 223 و234 و235 و236 الفقرتين الأولى والثانية من قانون العقوبات، ويترتب على الصلح في هذه الحالة تخفيف العقوبة وفقا للمادة 17 من قانون العقوبات.
وأوضح جمعة مبررات المادة لإتاحة الحق لأولياء الدم فى الصلح بجرائم القتل العمد، وهو أمر مبرر شرعا بما يساعد على الحد من الجرائم الثأرية في المجتمع المصري، وتابع: "هذه المادة تستهدف الحد من جرائم الثأر".
كما وافق مجلس النواب على طلب وزير العدل، بإضافة مادة مستحدثة بمواد الإصدار بشأن إصدار وزير العدل القرارات التنفيذية لبعض أحكام هذا القانون، وقال فنجرى إن تطبيق أو تنفيذ الأحكام الواردة في هذه المواد يتطلب إجراءات لا يسع المقام أن نذكرها في قانون الإجراءات الجنائية، إنما عهد بها إلى وزير العدل الذي سيصدر بعض القرارات المنفذة، لذلك رأت الحكومة ضرورة إصدار هذه المادة حتى نعطى وزير العدل السند القانوني لإصدار هذا القرار.
كما وافق المجلس على مادة بمقتضاها يصبح إعداد القوائم التي ينتدب منها المحامين إلزامية على النقابات الفرعية والنقابة العامة بحسب الأحوال وليست جوازية، تأكيدا على ضمانات حق الدفاع التي كفلها مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد.
ويستهدف مشروع القانون تحقيق العدالة الناجزة، وهو ما يوفر ضمانات أكبر للمتقاضين في عدالة منصفة ومحاكمة عادلة، وضمانات لحق الدفاع، بما يصب في صالح المتقاضين، كما أنه يعد نقلة نوعية فى كفالة ضمانات حقوق الإنسان فيما يخص تيسير إجراءات التقاضي وإنجاز الدعاوى دون إخلال بقواعد المحاكمة المنصفة وحقوق الدفاع.
ونص مشروع القانون الجديد صراحة على أن للمنازل حرمة لا يجوز دخولها، ولا تفتيشها، ولا مراقبتها أو التنصت عليها، إلا بأمر قضائي مسبب يحدد المكان والتوقيت والغرض منه، وإضافة قيود على اختصاصات مأموري الضبط القضائي في أحوال القبض وتفتيش المواطنين ودخول المنازل وتفتيشها، والتأكيد على اختصاص النيابة العامة الأصيل في تحقيق وتحريك ومباشرة الدعوى الجنائية، والحفاظ على الطبيعة الاحترازية الوقائية للحبس الاحتياطي وغايته سلامة التحقيقات، من خلال تخفيض مدده ووضع حد أقصى له، واشتراط أن يكون الأمر بالحبس الاحتياطي مسبباً، وإقرار تعويض معنوي وأدبي عن الحبس الاحتياطي الخاطئ بإلزام النيابة العامة بنشر كل حكم بات ببراءة من سبق حبسه احتياطياً وكل أمر صادر بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية قبله في جريدتين يوميتين واسعتي الانتشار على نفقة الحكومة، فضلا عن وضع تنظيم متكامل ومنضبط لحالات التعويض المادي عن الحبس الاحتياطي.
كما تضمن القانون المواد المنظمة لحماية المجني عليهم والشهود والمتهمين والمبلغين، ومنها المادة 517 التي تنص على إنه "مع عدم الإخلال بالاتفاقيات الدولية التي تكون جمهورية مصر العربية طرفاً فيها، يعمل بأحكام هذا الفصل في شأن حماية المجنى عليهم والشهود والمتهمين والمبلغين عند الاقتضاء"، وكذلك المادة 518 التي تنص على إنه "يجوز للشاهد بناء على إذن النيابة العامة أو قاضي التحقيق المختص أن يتخذ من قسم الشرطة التابع له محل إقامته أو من مقر عمله عنواناً له"، والمادة 519 التي تنص إنه "في الأحوال التي يكون فيها من شأن سماع أقوال أي إنسان تعريض حياته، أو سلامته، أو أحد أفراد أسرته للخطر، يجوز لمحكمة الموضوع أو للمحامي العام، أو قاضي التحقيق بناء على طلب هذا الشخص أو أحد مأموري الضبط القضائي الأمر بسماع أقواله دون ذكر بياناته، على أن ينشأ ملف فرعي للقضية يتضمن تحديداً لشخصيته وبياناته".
كما شهد النقاش حول مشروع القانون، موافقة مجلس النواب على المادتين 485 و486، وينصان على أنه "يجوز رد الاعتبار إلى كل محكوم عليه في جناية أو جنحة، ويصدر الحكم بذلك من محكمة جنايات أول درجة التابع لها محل إقامة المحكوم عليه، وذلك بناء على طلبه"، و"يجب للحكم برد الاعتبار ما يأتي: (أولاً) أن تكون العقوبة قد نفذت تنفيذاً كاملاً، أو صدر عنها عفو أو سقطت بمضي المدة، (ثانياً) أن يكون قد انقضى من تاريخ تنفيذ العقوبة أو صدور العفو عنها مدة ست سنوات إذا كانت عقوبة جناية، أو ثلاث سنوات إذا كانت عقوبة جنحة، وتضاعف هذه المدد في حالتي الحكم للعود وسقوط العقوبة بمضي المدة.
في نفس السياق أكد إيهاب الطماوي وكيل اللجنة التشريعية بمجلس النواب أن مشروع القانون الجديد جاء بعد ثلاثة ارباع قرن من الزمان بعد 75 سنة من قانون الإجراءات الجنائية القائم والمعمول به حتى هذه اللحظة والذى صدر منذ عام 1950 في ظل دستور 1923، وقال: نستطيع أن نقول إننا عملنا دستورا ثانيا منظما للحقوق والحريات العامة للمصريين يتسق مع فلسفة دستور 2014 والاستراتيجية الوطنية لحقوق الانسان التي أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي في 2021، ويتسق مع كافة المواثيق والاتفاقات الدولية التي وافقت عليها مصر، وهى جزء منها وحريصة عليها، نقلة حقيقية وتاريخية في ملف حقوق الإنسان تعلى من الكرامة الإنسانية وتحقق ضمانات جديدة وردت في دستور 2014 لصالح المصريين.