أسير فلسطيني محرر يتحدث لـ"صوت الأمة": «والله حقا تحيا مصر ورئيسها النبيل سندنا عندما تخلى عنا الجميع»
الثلاثاء، 25 فبراير 2025 03:41 م
وسام قداس
هانم التمساح
تذوقت صنوف من التعذيب والتنكيل عذاب خلال 10 سنوات قضيتها داخل السجون
مخطط التهجير قائم في غزة والضفة حتى بدون أحداث طوفان الأقصى 7 أكتوبر
مخطط التهجير قائم في غزة والضفة حتى بدون أحداث طوفان الأقصى 7 أكتوبر
في زوايا الأسر المظلمة، حيث تمتزج آهات الوجع بصمت الجدران الباردة، يولد الصبر من رحم العذاب، وتتشبث الروح بالحياة رغم القيود. عشر سنوات بين الجدران، لم تكن مجرد أيام تُعدّ، بل عمرٌ يُقتطع من الجسد والروح، تُروى فيه الأرض بالدمع، وتُختبر الإرادة تحت سياط القهر. هناك، في العزل والانفراد، حيث تتشابه الليالي ويطول الانتظار، لا ينطفئ الأمل، بل يتقد كجمرة تحت رماد الظلم، يتغذى على حلم العودة، على يقين الحرية، على وعد الوطن الذي لا يُشترى، ولا يُساوم عليه.
وحين يفتح الباب أخيرًا، وتُشرق الشمس بعد ظلمة طويلة، لا تخرج الأقدام وحدها، بل يخرج معها تاريخ من الصمود، ذاكرة لا تنسى، وجرح لا يندمل، لكنه يظل شاهدًا على أن القيد، مهما اشتد، لن يكسر العزيمة، وأن الأرض التي احتضنت الجرحى لن تفرّط يومًا في أبنائها، ولو تكالب عليها الزمان.
ومع تتالي صفقات تحرير الأسرى في إطار اتفاق وقف إطلاق النار بين حركة حماس والاحتلال الإسرائيلي، عاودت الذكرى وسام قداس، فتذكر لحظات الوجع واليأس، وأسوأ أنواع التعذيب والتنكيل في سجون الاحتلال، بممارسات لا يقرها العرف ولا القانون الدولي.
ولا عجب أن كان بين المحررين اثنين من عائلة قداس من آخر عملية تحرير أسرى تمت، والتي ضمت عدداً من أبناء حركة فتح وباقي الفصائل الفلسطينية، ومن بينهم أفراد من عائلة "قداس".. فادي صالح قداس، ابن مخيم جباليا، بعد خمس سنوات من الأسر، ومحمد علي قداس، ووسيم محمد قداس.
الأسير المحرر وسام قداس، عم الأول وشقيق الثاني، قضى عقدًا من الزمن في سجون الاحتلال، قبل أن يسافر إلى مصر لتلقي العلاج، وذلك قبل "طوفان الأقصى" بشهرين، بعد سنوات من التعذيب والتنكيل.. يتذكر أيام الوجع قائلاً: "قضيت عشر سنوات في سجون الاحتلال، بعد أن تم اختطافي في 20/8/2005 من حاجز أبو هولي وسط قطاع غزة، بينما كنت جريحًا ومصابًا في قدمي ويدي اليسرى، وحُكم علي بالسجن عشر سنوات في محكمة العدو، حتى أُطلق سراحي في 20/8/2015".
ظروف الأسرى داخل سجون الاحتلال لا تختلف كثيرًا عن تلك التي عاشها "وسام قداس"، يقول في حوار خاص لـ "ًصوت الأمة": "يعاني الأسرى في سجون الاحتلال ظروفًا غاية في القسوة واللاإنسانية. أنا عشت هذه الظروف بنفسي، من إذلال واستفزازات يومية، خاصة أسرى الحبس الانفرادي الذين يتعرضون لأبشع أنواع التنكيل. اعتُقلت وأنا جريح ومصاب إصابات بالغة، ولا زلت أتلقى العلاج من تبعاتها حتى الآن رغم مرور سنوات، لكنهم لا يعترفون بجريح ولا مريض، واستمروا في تعذيبنا والتنكيل بنا، بالضرب والشبح والإهانات، إلى أن خرجت في عام 2015، وظللت أتردد على المشافي في قطاع غزة وفي مصر المحروسة لتلقي العلاج".
نجا وسام قداس من تداعيات عملية طوفان الأقصى، كونه يخضع للعلاج في مصر، لكنها لم تمر عليه مرور الكرام، يضيف: "كنت قد سافرت إلى الشقيقة مصر قبل الطوفان بشهرين لتلقي العلاج، والآن نستقبل مصابين من نساء عائلتنا يتلقين العلاج في مستشفيات محافظة المنوفية. طوال الوقت كانت مصر الدعامة والحاضنة لنا كشعب فلسطيني"، مشيداً بدور مصر، الداعم الأكبر للقضية الفلسطينية، "برئيسها وجيشها وشعبها الكريم المضياف الذي تعيش القضية الفلسطينية في وجدانه وعقيدته".
يقول: "والله، حقًا، تحيا مصر برئيسها النبيل وجيشها الباسل. تحيا مصر التي كانت سندنا حينما تخلى عنا الجميع. وأقول لمن رددوا شائعات بأن مصر أغلقت معبر رفح في وجه الفلسطينيين أثناء المعركة: مصر حافظت على هويتنا وتصدت لمخطط التهجير، ولولا الإجراءات التي تتخذها مصر لدعم صمود شعبنا، لما وجدنا لنا ناصرًا ولا معينًا. مصر تقود تحركًا دوليًا وعربيًا، ونحن نضع أملنا على هذه القمة العربية بالتحديد، والتي ستعقد الأيام القادمة فقط لأن مصر هي التي ستحتضنها. لدينا ثقة كبيرة في مصر وقيادتها، ومصر قالتها بصوت عالٍ: فلسطين خط أحمر بالنسبة لنا، فمصر بالنسبة لنا الأم الحاضنة الحنون".
وتابع الأسير الفلسطيني المحرر: "المشكلة ليست في إعمار قطاع غزة فقط، رغم أهميته، بل القضية تكمن في أن إسرائيل لديها أطماع توسعية في المنطقة من النيل إلى الفرات. وفي الوقت الذي يتم فيه الإفراج عن الأسرى في صفقة التبادل، يقوم الاحتلال باعتقال أبناء الضفة الغربية بشكل مكثف، بحجج واهية، ودون أن تقوم الضفة بـ'طوفان أقصى'. أنا من أبناء حركة فتح وأفخر بانتمائي للحركة، ومع ذلك أقول إن الاحتلال لا يفرق بين فتح وحماس، وإن حماس لم تخطئ حينما أقدمت على 'طوفان الأقصى'، لأنها كانت تعلم جيدًا أن هناك مخططًا للتهجير في قطاع غزة والضفة. والدليل على ذلك أن الاحتلال يمارس نفس الجرائم التي ارتكبها بحق سكان غزة في الضفة الغربية، من اعتقال، وهدم منازل، وتشريد عائلات، ونزوح... فهل الضفة قامت بـ'طوفان أقصى'؟ لا، إذن النية للعدوان موجودة في كل الأحوال".
وفيما يتعلق بموقف سكان غزة من التهجير، قال قداس: "بعض أفراد عائلتي يتلقون العلاج وسنعود إلى موطننا، ولن تجد مواطنًا واحدًا في غزة يوافق على مخطط التهجير. نحن مستعدون أن نعيش في الخيام، ونأكل من خشاش الأرض، ولا نستبدل وطننا بأي مكان في العالم"؟.
وختم حديثه قائلًا: "أعود مجددًا لأقول إن مصر لم تغلق المعبر في وجه الفلسطينيين، بل أغلقت المعبر في وجه المخطط الصهيوني الفاشي، الذي كان يهدف لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة وتفريغه من سكانه. مصر عملت على منع التهجير وتصفية القضية الفلسطينية".