المفتى يوضح حكم عمل فينير الأسنان ومدى تأثيره على الغسل والوضوء

السبت، 22 فبراير 2025 06:08 م
المفتى يوضح حكم عمل فينير الأسنان ومدى تأثيره على الغسل والوضوء
منال القاضي

اجاب الدكتورنظير عياد مفتى الجمهورية على سائل يقول ما  حكم عمل فينير الأسنان ومدى تأثيره على الطهارة (الغسل والوضوء).
 
وجاء السؤال، هل يلجأ بعض الناس إلى تركيب "الفينير" للأسنان أو ما يعرف بـ"القشور الخزفية للأسنان" أو "عدسات الأسنان" من أجل التداوي؛ حيث يحتاج لتركيبها إخفاءً لبعض العيوب الخِلْقِية، أو معالجةً لبعض مشاكل الأسنان؛ كتآكل طبقة المينا، أو حدوث كَسْرٍ أو تَصَدُّعٍ في الأسنان، ونحو ذلك؟ وهل يُعدُّ ذلك من تغيير خلق الله؟ وما حكم الطهارة مع وجوده في كل هذه الحالات؟
 
الجواب
 
تركيب "الفينير" للأسنان أمرٌ جائزٌ شرعًا بشرط ألَّا يكون فيه ضرر على الإنسان سواءٌ في الحال أو المآل، ويستوي في ذلك النساء والرجال، وألَّا يُقصد به التدليس، وأن يتم تركيبه لدى الأطباء المتخصصين المرخَّص لهم بممارسة هذا العمل لضمان اجتناب الضرر، ولا يدخل ذلك في تغيير خلق الله المنهي عنه، ولا يؤثر على تحقق الطهارة في الوضوء والغُسل.
 
 
بيان المراد بـ "فينير الأسنان"
"فينير الأسنان" أو ما يعرف بـ"القشور الخزفية للأسنان" أو "عدسات الأسنان": كُلُّها مصطلحات تستخدم للتعبير عن قطعة رقيقة من الخزف أو البورسلين أو غيرهما تُلْصَق على الأسنان لفترات طويلة قد تصل لسنوات بمعرفة الطبيب لإعادة تكوين المظهر الطبيعي للأسنان وتزويدها بالقوة، ينظر ما ذكره الدكتور/ طاهر خطاب في "الوجوه الخزفية التجميلية" (ص: 311، ط. جامعة البعث)، و"التعويضات الثابتة" (ص: 6).
 
بيان الحكم الشرعي في عملية تركيب "فينير للأسنان"
بيان الحكم الشرعي في عملية تركيب "فينير للأسنان" يقتضي بيان أمرين:
 
الأول: حكم استخدام "الفينير"، ومشروعية تركيبه من أجل التداوي أو لغرض تجميلي، والثاني: مدى تأثير ذلك على الطهارة.

حكم استخدام "الفينير" ومشروعية تركيبه من أجل التداوي
أما حكم استخدام "الفينير" ومشروعية تركيبه من أجل التداوي: فالأصل في استعماله دواءً وعلاجًا -على ضوء ما توصل إليه العلماء، وفي ظل المعارف والعلوم والتطورات الحديثة في مجال الطب والعلاج- الجواز؛ لأن التداوي من الأخذ بالأسباب وقد طلبه الشرع وندبه وحثَّ عليه؛ فعن أسامةَ بنِ شَرِيكٍ رضي الله عنه قال: "أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ كَأَنَّمَا عَلَى رُؤُوسِهِمُ الطَّيْرُ، فَسَلَّمْتُ ثُمَّ قَعَدْتُ، فَجَاءَ الأَعْرَابُ مِنْ هَاهُنَا وَهَاهُنَا، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَتَدَاوَى؟ فَقَالَ: «تَدَاوَوا؛ فَإنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ دَواءً غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ: الهَرَمُ»" أخرجه البخاري في "الأدب المفرد"، وأبو داود والترمذي في "السنن"، والهَرَمُ: الكِبَر؛ فقد جاء فيه الحث على التداوي مطلقًا غير مُقَيَّدٍ بقَيد، ومما تقرر في القواعد أن: "المُطْلَقَ يَجْرِي عَلَى إِطْلَاقِهِ حَتَّى يَرِدَ مَا يُخَصِّصُهُ"؛ كما ذكر الإمام الزركشي في "البحر المحيط" (5/ 8، ط. دار الكتبي).
 
قال الإمام الخَطَّابي في "معالم السنن" (4/ 217، ط. المطبعة العلمية بحلب): [في هذا الحديث إثبات الطبِّ والعلاجِ، وأن التداويَ مباحٌ غير مكروهٍ] اهـ.
 
وقال الإمام عز الدين بن عبد السلام في "قواعد الأحكام" (1/ 6، ط. دار الكتب العلمية): [إن الطبَّ كالشرع وُضِع لجلب مصالح السلامة والعافية، ولدرء مفاسد المعاطب والأسقام، ولدرء ما أمكن دَرْؤُهُ من ذلك، ولجلب ما أمكن جلبه من ذلك] اهـ.
 
ومجالات "الفينير" العلاجية الشائعة داخلة في أصل مطلوبية العلاج الذي سبق تقريره، ولا يُمنَع منها إلا ما كان ضرره راجحًا، بحيث تكون مفسدة استعمالهِ تفوق مفسدة تركه يقينًا أو بغلبة الظن، فقد تقرر شرعًا أن: "الضَّرَرَ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ المُسَاوِي أَوِ الأَشَدِّ"، و"إِذَا تَعَارَضَتْ َمْفَسَدَتَانِ رُوعِيَ أَعْظَمُهُمَا ضَرَرًا بِارْتِكَابِ أَخَفِّهِمَا"؛ كما في "الأشباه والنظائر" للإمام السيوطي (ص: 86، 87، ط. دار الكتب العلمية)، و"الأشباه والنظائر" لزين الدين ابن نجيم (ص: 76، ط. دار الكتب العلمية).
 
قال الإمام الشاطبي في "الموافقات" (2/ 260- 261، ط. دار ابن عفَّان): [المؤذيات والمؤلمات خلقها الله تعالى ابتلاءً للعباد وتمحيصًا.. وفُهِمَ من مجموع الشريعة: الإذنُ في دفعها على الإطلاق؛ رفعًا للمشقة اللاحقة، وحفظًا على الحظوظ التي أذِنَ لهم فيها، بل أذن في التحرز منها عند تَوَقُّعِها وإن لم تَقَعْ؛ تكملةً لمقصود العبد، وتوسعةً عليه، وحفظًا على تكميل الخلوص في التوجه إليه والقيام بشكر النعم. فمن ذلك: الإذنُ في دفعِ ألم الجوع والعطش والحر والبرد، وفي التداوي عند وقوع الأمراض، وفي التَّوَقّي من كلِّ مؤذٍ؛ آدميًّا كان أو غيرَه، والتحرُّزِ من المتوقَّعات حتى يُقدِّم العُدّة لها، وهكذا سائر ما يقوم به عيشُه في هذه الدار؛ من درء المفاسد وجلب المصالح.. وكونُ هذا مأذونًا فيه: معلومٌ من الدين ضرورة] اهـ.

مدى اعتبار تركيب "فينير الأسنان" من تغيير خلق الله المنهي عنه شرعًا
لا يُعَدُّ هذا الفعل تغييرًا لخلق الله تعالى المنهي عنه؛ لأن الضابط في تغيير خلق الله المنهي عنه أنْ يُسبب ضررًا لفاعله، ويعمل في الجسد عملًا يُغير من خلقته تغييرًا باقيًا؛ كالوشم وتفليج الأسنان ووشرها، وذلك لغير ضرورة أو حاجةٍ تنزل منزلة الضرورة، أما إذا خلا من ذلك فلا يُعدُّ تغييرًا لخلق الله، لا سيما إذا كان في فعل هذا الأمر مصلحة مباحة لفاعله.
 
قال الإمام الثعالبي في "الجواهر الحسان" (2/ 302، ط. دار إحياء التراث العربي) في تفسير قوله تعالى: ﴿وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ﴾ [النساء: 119]: [اختلف المتأولون في معنى تغيير خلق الله، وملاك تفسير هذه الآية أن كل تغيير ضار فهو داخل في الآية، وكل تغيير نافع فهو مباح] اهـ.

حكم استخدام"فينير الأسنان" للتجميل
"الفينير" إما أن يكون من باب التداوي، وهذا من الأمور المشروعة كما تقرر، وإما أن يكون من باب التَّجمل، وهذا أيضًا ليس من باب التغيير المنهي عنه شرعًا؛ ما دام أنَّ هذا التغيير ليس من باب المضارِّ.
 
قال الإمام شهاب الدين القرافي في "الذخيرة" (13/ 315، ط. دار الغرب الإسلامي): [التغيير للجمال غير منكر في الشرع: كالختان، وقص الظفر والشعر، وصبغ الحناء، وصبغ الشعر، وغير ذلك] اهـ.
 
وقال الطاهر ابن عاشور في "مقاصد الشريعة الإسلامية" (3/ 193، ط. وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بقطر): [اليسر من الفطرة؛ لأن في فطرة الناس حب الرفق، ولذلك كره الله من المشركين تغيير خلق الله فأسنده إلى الشيطان؛ إذ قال عنه: ﴿وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ ﴾، وذلك من حيث يكون التغيير خلوًّا عن المصلحة؛ فأما إذا كان لمعنى أدخل في الفطرة: لا يصير مذمومًا بل يكون محمودًا، مثل: الختان، وتقليم الأظفار، وحلق الرأس في الحج] اهـ.

مدى تأثير تركيب "فينير الأسنان" على الطهارة (الوضوء والغسل)
أما مدى تأثير ذلك على الطهارة؛ فوجود "الفينير" سواء كان استخدامه للتداوي أو باعتباره حلًّا تجميليًّا لا يؤثر في صحة الطهارة؛ لأن الطهارة في الوضوء إنما تتحقق بحصول أركانه من استيعابِ الوجه واليدين والرجلين بالغَسْل بالماء، مع مسح الرأس، وليس من بينها غسل الأسنان أو مسحها. ينظر: "رد المحتار" للعلَّامة ابن عابدين الحنفي (1/ 98، ط. دار الفكر)، و"التلقين" للقاضي عبد الوهاب المالكي (1/ 17، ط. دار الكتب العلمية)، و"منهاج الطالبين" للإمام النووي الشافعي (ص: 12-13، ط. دار الفكر)، و"مختصر الخرقي" للإمام أبي القاسم الخرقي الحنبلي (ص: 13، ط. دار الصحابة للتراث).
 
وكذا الطهارة في الغُسل تتحقق بحصول فرائضه، وفرض الغسل: تعميم سائر الجسد والشعر بالماء الطهور، ولا تشترط المضمضة لتمام الطهارة فيه، كما هو المختار للفتوى؛ إذ هو القدر المتفق عليه بين الفقهاء، فتصير خارجة عنه.
 
كما أن استخدام "الفينير" للأسنان لا يُؤثِّر على الطهارة من أيِّ الحدثين على قول مَن أوجب المضمضة فيهما أو في أحدهما؛ لأن المضمضة وغسل الأسنان لا مدلول لأحدهما على الآخر وَفْقَ تعريف الفقهاء للمضمضة؛ فحقيقة المضمضة عند جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة في الجملة -وإن اختلفت تعبيراتهم عن ذلك- هي إدارة الماء في جميع الفم وخضخضته وطرحه؛ كما في "مراقي الفلاح" للعلَّامة الشرنبلالي الحنفي (ص: 32، ط. المكتبة العصرية)، و"الشرح الكبير" للإمام الدردير المالكي (1/ 97، ط. دار الفكر)، و"المجموع شرح المهذب" للإمام النووي الشافعي (1/ 355، ط. دار الفكر)، و"الإنصاف" للإمام المرداوي الحنبلي (1/ 133، ط. دار إحياء التراث العربي).

حكم استخدام "فينير الأسنان" إذا كان يترتب عليه ضرر
يشترط لجواز تركيب "الفينير": ألَّا يترتب على استخدامه ضرر في العاجل أو الآجل؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» أخرجه ابن ماجه في "السنن"، والإمام أحمد في "المسند"، وتطبيقًا لِـمَا تقرر في قواعد الشرع أن "الضَّرَرَ يُزَالُ"؛ كما في "الأشباه والنظائر" للإمام السيوطي (ص: 83).
 
الخلاصة
بناءً على ذلك: فتركيب "الفينير" للأسنان أمرٌ جائزٌ شرعًا بشرط ألَّا يكون فيه ضرر على الإنسان سواءٌ في الحال أو المآل، ويستوي في ذلك النساء والرجال، وألَّا يُقصد به التدليس، وأن يتم تركيبه لدى الأطباء المتخصصين المرخَّص لهم بممارسة هذا العمل لضمان اجتناب الضرر، ولا يدخل ذلك في تغيير خلق الله المنهي عنه، ولا يؤثر على تحقق الطهارة في الوضوء والغُسل.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق