بين السياسة والدبلوماسية.. دور مصر في صناعة السلام في غزة
الإثنين، 17 فبراير 2025 09:16 م
أحمد سامي يكتب:
منذ اندلاع الحرب في غزة، تؤكد مصر أنها ليست مجرد وسيط، بل ركيزة أساسية في أي حل يسعى لتحقيق الاستقرار ووقف نزيف الدماء، القاهرة، التي لطالما حملت على عاتقها مسؤولية تحقيق التهدئة وحماية الحقوق الفلسطينية، تواصل اليوم جهودها بكل قوة لإنجاح الهدنة وإتمام عملية تبادل الأسرى، رغم التعقيدات السياسية والميدانية.
هذه ليست مجرد تحركات دبلوماسية اعتيادية، بل معركة من أجل تحقيق توازن حقيقي في المشهد، يضمن حقوق جميع الأطراف ويضع حدًا للدوامة المستمرة من العنف والصراع، وهو ما تعمل عليه مصر، بموقعها وثقلها، تدرك جيدًا أن نجاح الهدنة ليس مجرد وقف لإطلاق النار، بل خطوة على طريق استعادة الحقوق الفلسطينية المسلوبة ومنع وقوع نكبة جديدة.
يمثل ملف تبادل الأسرى أحد أكثر الملفات حساسية في هذا النزاع، وبينما تتصارع المصالح الإقليمية والدولية، تعمل القاهرة بحكمة وهدوء على تحقيق معادلة عادلة بين الجانبين، تضمن تنفيذ الاتفاق بسلاسة وتجنب أي سيناريوهات تصعيد قد تفجر الوضع مجددًا.
مصر تدرك أن عملية تبادل الأسرى ليست مجرد صفقة تفاوضية، بل نقطة فاصلة يمكن أن تحدد ملامح المستقبل القريب للمنطقة، نجاحها في إتمام المرحلة الثانية من الاتفاق قد يكون بداية مسار جديد يفتح الأفق أمام تفاهمات سياسية أوسع، أما فشلها فسيعيد المنطقة إلى دائرة مفرغة من العنف والدمار.
لكن وسط كل هذه التحركات، هناك ملف لا يقبل المساومة، وهو رفض مصر القاطع لأي مخطط للتهجير القسري، لا يأتي هذا الرفض من منطلق عاطفي فقط، بل هو موقف استراتيجي راسخ، تدرك مصر أن قبوله يعني إعادة رسم خريطة المنطقة بطريقة تهدد الأمن القومي المصري والعربي ككل.
التهجير ليس مجرد مأساة إنسانية، بل قنبلة موقوتة تهدد بتحويل غزة إلى أزمة ممتدة لعقود، تمامًا كما حدث مع نكبة 1948، ومصر، التي دفعت ثمن الصراعات الإقليمية في أكثر من مناسبة، تعرف أن الوقوف بحزم ضد هذه المخططات ليس خيارًا، بل ضرورة للحفاظ على الاستقرار الإقليمي ومنع تكرار كوارث الماضي.
في عالم تتصارع فيه المصالح، وتغيب فيه الحلول العادلة، تبقى مصر الرهان الأخير على صوت العقلانية، بقدرتها على إدارة الملفات الشائكة، وتحركاتها التي تحظى بثقة جميع الأطراف، تواصل القاهرة دورها كصمام أمان يحول دون انفجار الوضع في المنطقة.
الرهان الآن ليس فقط على نجاح جهود التهدئة وتبادل الأسرى، بل على قدرة مصر في فرض معادلة جديدة، تضع حدًا لمحاولات فرض واقع جديد بالقوة، وتعيد للقضية الفلسطينية مكانتها الحقيقية كقضية شعب يبحث عن حقوقه، وليس كملف تفاوضي بين أطراف دولية تبحث عن مكاسب سياسية.
مصر، التي لم تتراجع يومًا عن التزاماتها تجاه قضايا الأمة، تؤكد مجددًا أنها الركيزة الأساسية للاستقرار في المنطقة، وصوت العقل في زمن تسوده الفوضى والمصالح المتضاربة، وسط التعقيدات السياسية والتوترات المتصاعدة، تبقى القاهرة الطرف الأكثر توازنًا وموثوقية، قادرة على تحقيق اختراقات دبلوماسية حيث عجزت القوى الأخرى عن تقديم حلول حقيقية، في جهودها لتثبيت الهدنة، وإنجاح تبادل الأسرى، ورفض محاولات التهجير القسري.