27 فبراير.. قمة العرب في القاهرة تطلق صرخة في وجه التهجير

السبت، 15 فبراير 2025 01:52 م
27 فبراير.. قمة العرب في القاهرة تطلق صرخة في وجه التهجير
محمود علي

القمة فرصة حاسمة لتوحيد الصف العربي وإعادة تأكيد الثوابت وتفعيل الجهود الدبلوماسية للضغط على القوى الدولية للاعتراف بالدولة الفلسطينية 
حامد فارس لـ"صوت الأمة": القمة ستكون استثنائية من حيث القرارات وآليات التنفيذ.. ومصر الحائط الأول في الدفاع عن القضية الفلسطينية

 
 
في قلب الشرق الأوسط، حيث تتشابك الأحلام مع الواقع الأليم، تمتزج الأرض بدماء الأبرياء، تظل فلسطين جرحًا مفتوحًا في الضمير الإنساني والدولي، شاهدةً على واحدة من أكثر المآسي إلحاحًا في العصر الحديث.
 
اليوم، يقف الشعب الفلسطيني عند مفترق طرق جديد من المعاناة، إذ لا تزال تداعيات العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة تتوالى بلا هوادة، بعد أن التهم الأخضر واليابس، وأحال المدن إلى أنقاض، والمنازل إلى أطلال، والأحلام إلى رماد، فمن غزة إلى الضفة الغربية، تترابط خيوط المأساة، فبينما عانى قطاع غزة على مدار أكثر من خمسة عشر شهرًا من آلة الحرب الإسرائيلية التي لم تميز بين طفل وامرأة وشيخ، تشهد الضفة الغربية تصعيدًا خطيرًا في حجم الانتهاكات، تتراوح بين عمليات اغتيال واعتقالات تعسفية، ومحاولات ممنهجة لتهويد القدس وضم الأراضي الفلسطينية، في تحدٍ صارخ للشرعية الدولية، وسعي محموم لفرض واقع جديد يقوض أي فرصة لقيام دولة فلسطينية مستقلة.
 
في هذه اللحظة الفارقة، تتحرك مصر، كما اعتادت على مر العقود، لاحتواء الأزمات التي تهدد القضية الفلسطينية، مدفوعةً بمسؤوليتها التاريخية، وبإيمانها الراسخ بعدالة المطالب الفلسطينية، مسخرةً كل إمكاناتها السياسية والدبلوماسية والإنسانية لرفع الظلم عن الفلسطينيين، والدفع نحو حلول حقيقية تضمن لهم حقوقهم المشروعة. ومن هنا، تكتسب قمة القاهرة العربية المرتقبة في 27 فبراير الجارى أهمية استثنائية، إذ تجمع القادة العرب على طاولة واحدة، في محاولة لرسم ملامح اليوم التالي في غزة، والتصدي لمحاولات تصفية القضية الفلسطينية وطمس معالمها.
وتنعقد القمة العربية بالقاهرة في توقيت حساس يتطلب من الدول العربية توحيد مواقفها لمواجهة التحديات المتزايدة التي تهدد القضية الفلسطينية، وتحديدًا المحاولات الإسرائيلية المستمرة لتصفية حقوق الشعب الفلسطيني، سواء عبر العدوان العسكري أو الاستيطان أو محاولات التهجير القسري.
 
تحمل القمة العربية في القاهرة أهمية كبرى، نظرًا لما تمر به القضية الفلسطينية من منعطف خطير، بعد أكثر من خمسة عشر شهرًا من العدوان الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة، وما صاحبه من دمار هائل طال البنية التحتية والمنازل والمرافق الحيوية، فضلًا عن استشهاد وإصابة الآلاف من المدنيين. وبهذا السياق، تأتي القمة العربية كفرصة حاسمة لتوحيد الصف العربي وإعادة تأكيد الثوابت التي طالما دافعت عنها الدول العربية، وعلى رأسها رفض التهجير القسري، وإدانة الانتهاكات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، والعمل على تفعيل الجهود الدبلوماسية للضغط على القوى الدولية للاعتراف بالدولة الفلسطينية ومساندة حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم. كما يتوقع أن تبحث القمة آليات دعم إعادة إعمار قطاع غزة، وكيفية توفير المساعدات الإنسانية لسكانه، خاصة في ظل الحصار الخانق الذي تفرضه إسرائيل على القطاع منذ سنوات.
 
وأكد الدكتور حامد فارس، أستاذ العلاقات الدولية، أن هذه القمة تُعقد في ظل ظرف استثنائي تمر به القضية الفلسطينية، مما يجعل هناك إجماعاً عربياً على ضرورة أن تكون قراراتها قابلة للتنفيذ، موضحاً أن هناك رغبات حقيقية لضمان أن تكون هذه القمة استثنائية من حيث القرارات وآليات التنفيذ، مشيراً إلى أن المنطقة تقف عند مفترق طرق تاريخي.
 
وأشار فارس لـ"صوت الأمة" إلى أن الدول العربية ستعمل خلال الفترة المقبلة على تنفيذ مسارين رئيسيين؛ الأول هو إعادة إعمار قطاع غزة، مع الرفض القاطع لتهجير الفلسطينيين، بحيث يتم الإعمار بوجودهم على أرضهم، دعماً لصمودهم. أما المسار الثاني، فيتعلق بالسعي نحو تنسيق المواقف العربية الأوروبية لعقد مؤتمر دولي للسلام، يكون الأساس لتنفيذ مبدأ حل الدولتين. ولفت إلى أن هناك رغبات إسرائيلية متزايدة لاستغلال تصريحات بعض الساسة الأمريكيين لتهديد الأمن القومي العربي، خاصة أمن الدول المجاورة لفلسطين، مثل مصر والأردن، من خلال محاولة تهجير الفلسطينيين. لذلك، لا بد أن يكون هناك موقف عربي قوي وموحد يوجه رسالة واضحة للولايات المتحدة وإسرائيل مفادها أن الفلسطينيين لن يتم تهجيرهم، مع ضرورة الإسراع في إعادة إعمار غزة بكل قوة.
 
وقبل انعقاد القمة المرتقبة، شهدت القاهرة اجتماعًا مهمًا لوزراء خارجية الدول العربية في 30 يناير الماضي، بحضور ممثلي مصر والأردن والسعودية وقطر والإمارات، إلى جانب مسؤولي منظمة التحرير الفلسطينية وجامعة الدول العربية. خرج الاجتماع ببيان قوي يُجسد الموقف العربي الموحد في دعم فلسطين ورفض السياسات الإسرائيلية، حيث شدد الوزراء على ضرورة وضع حد للعدوان الإسرائيلي، ووقف كل أشكال التهجير القسري، والالتزام بحل الدولتين كمسار أساسي لأي عملية سلام مستقبلية.
 
عكس البيان الصادر عن الاجتماع موقفًا عربيًا موحدًا، موجّهًا رسالة تحذير واضحة إلى المجتمع الدولي بأن الدول العربية لن تقبل بأي حلول تنتقص من حقوق الشعب الفلسطيني، ولن تقف مكتوفة الأيدي أمام السياسات الإسرائيلية التي تهدف إلى فرض واقع استيطاني جديد على الأرض. كما أشاد البيان بالجهود المصرية والأردنية في الدفاع عن حقوق الفلسطينيين، سواء عبر التحركات الدبلوماسية أو استضافة مؤتمرات دولية لمناقشة تطورات الأزمة.
 
ومع تسارع تطورات القضية الفلسطينية، أجرى وزير الخارجية الدكتور بدر عبد العاطي، زيارة رسمية إلى الولايات المتحدة الأسبوع الماضي، حيث التقى بعدد من كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية الجديدة وأعضاء الكونجرس. الأمر الذي يهدف إلى تعزيز العلاقات الثنائية والشراكة الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة، بالإضافة إلى التشاور بشأن التطورات الإقليمية.
 
وجاءت هذه الزيارة في توقيت حساس، خاصة بعد تصريحات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، التي اقترح فيها "نقل أهل غزة والاستيلاء على القطاع الفلسطيني". ووجه وزير الخارجية خلال الزيارة عدداً من الرسائل التي توضح الموقف المصري إزاء الخطط المطروحة حول غزة، حيث أكد عبد العاطي رفض مصر القاطع لأي محاولات لتهجير الفلسطينيين من أراضيهم، مشددًا على دعم مصر الكامل للسلطة الفلسطينية وخططها الإصلاحية، وأهمية تمكينها سياسيًا واقتصاديًا في قطاع غزة باعتباره جزءًا من الأراضي المحتلة. 
 
وتعليقاً على الدور المصري، أكد دكتور فارس في تصريحات لـ"صوت الأمة"، أن التجربة أثبتت أن مصر هي الحائط الأول في الدفاع عن القضية الفلسطينية، بفضل رؤيتها الثابتة التي لم تتغير منذ اللحظة الأولى للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. فقد التزمت مصر بحل الدولتين وحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، رغم الضغوط الأمريكية التي لم ترضخ لها، بل بقي موقفها ثابتاً كالجبل. وأكد أن إسرائيل تحاول استغلال الأوضاع الحالية للقضاء على الشعب الفلسطيني، والاستيلاء على الأرض الفلسطينية، إلا أن القاهرة بعثت رسالة واضحة إلى العالم بأن السلام في الشرق الأوسط لن يتحقق إلا بتنفيذ مبدأ حل الدولتين، وإلا فإن المنطقة ستشهد اضطرابات قد تضع السلام ومكتسباته في مهب الريح، في ظل التهديدات الإسرائيلية للأمن القومي العربي.
 
ولم تكن مصر يومًا مجرد وسيط في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، بل كانت ولا تزال طرفًا أساسيًا في الدفاع عن الحقوق الفلسطينية، وهو ما يتجلى في استضافتها المستمرة للمؤتمرات والاجتماعات الداعمة لفلسطين، ودورها الفاعل في محاولة التوصل إلى حلول سياسية تحمي الفلسطينيين من تداعيات الاحتلال، وقد شكّلت القاهرة على مدار العقود الماضية ملاذًا آمنًا للفلسطينيين، حيث قدمت الدعم الإنساني، وساهمت في التخفيف من معاناة سكان قطاع غزة عبر فتح معبر رفح الحدودي، وإرسال المساعدات الطبية والغذائية بشكل دوري.
 
وإلى جانب ذلك، بذلت مصر جهودًا متواصلة لتوحيد الصف الفلسطيني، وإيجاد حلول للخلافات بين الفصائل المختلفة، إيمانًا منها بأن الوحدة الوطنية الفلسطينية هي السلاح الأقوى لمواجهة الاحتلال ومخططاته التوسعية. كما لعبت القاهرة دورًا محوريًا في استضافة القمم الطارئة على مدار السنوات الماضية لمناقشة المستجدات الخطيرة التي تواجه القضية الفلسطينية، والدفع باتجاه اتخاذ قرارات عربية موحدة تدعم حقوق الفلسطينيين.
 
وفيما يخص اليوم التالي في غزة، أكد دكتور حامد فارس أن العديد من التقارير والتصريحات الأمريكية أكدت أن قطاع غزة بات أرضاً محروقة، وقد يستغرق إعادة إعماره من 10 إلى 15 عاماً. ومع ذلك، فإن الدولة المصرية، بقدراتها الفريدة، قادرة على إعادة إعمار القطاع خلال ثلاث سنوات فقط من تاريخ البدء في الإعمار، شرط أن يتم ذلك بوجود الفلسطينيين على أرضهم، الذين يرفضون بشكل قاطع مغادرة أراضيهم، ويؤكدون تمسكهم بها حتى إعادة الإعمار. كما شدد على أن التصريحات الأمريكية الأخيرة حول قطاع غزة غير منطقية ولا عقلانية، متسائلاً: من سيقبل الفلسطينيين إذا غادروا؟ وهل الفلسطينيون مستعدون لترك أرضهم؟ مؤكداً أن الإجابة واضحة؛ فالشعب الفلسطيني متمسك بأرضه، ولن تسمح الدول المجاورة بأي مخطط يؤدي إلى تهجيره، لأن ذلك يمثل تهديداً خطيراً للقضية الفلسطينية بأكملها.
 
والثلاثاء الماضي، أعلنت مصر عن اعتزامها تقديم تصور لإعادة إعمار قطاع غزة، يضمن بقاء الشعب الفلسطيني على أرضه، وقالت وزارة الخارجية المصرية في بيان إن مصر "تعرب عن تطلعها للتعاون مع الإدارة الأميركية بقيادة الرئيس دونالد ترامب، من أجل التوصل لسلام شامل وعادل في المنطقة، وذلك من خلال التوصل لتسوية عادلة للقضية الفلسطينية تراعي حقوق شعوب المنطقة".
 
وأكدت مصر في هذا السياق اعتزامها طرح تصور متكامل لإعادة إعمار القطاع، وبصورة تضمن بقاء الشعب الفلسطيني على أرضه، وبما يتسق مع الحقوق الشرعية والقانونية لهذا الشعب، مشددة على أن أي رؤية لحل القضية الفلسطينية ينبغي أن تأخذ في الاعتبار تجنب تعريض مكتسبات السلام في المنطقة للخطر، بالتوازي مع السعي لاحتواء والتعامل مع مسببات وجذور الصراع من خلال إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية، وتنفيذ حل الدولتين باعتباره السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار والتعايش المشترك بين شعوب المنطقة".
 
وفي الوقت الذي لا يزال قطاع غزة يعاني من آثار العدوان الإسرائيلي، تتسارع وتيرة الاستيطان في الضفة الغربية، حيث تعمل إسرائيل على فرض سياسة "الأمر الواقع"، عبر بناء المزيد من المستوطنات في القدس الشرقية ومناطق واسعة من الضفة، وبالتوازي مع ذلك، تستمر إسرائيل في إصدار قوانين تهدف إلى تسهيل ضم الأراضي الفلسطينية، مع تصاعد عمليات هدم المنازل وإخلاء السكان بالقوة، مما يهدد بشكل مباشر إمكانية إقامة دولة فلسطينية ذات تواصل جغرافي، ويفتح الباب أمام مزيد من التوترات والمواجهات في المنطقة.
 
وفيما يتعلق بالضفة الغربية، أوضح الدكتور حامد فارس أن الخطر الأكبر على القضية الفلسطينية يكمن في محاولات إسرائيل المستمرة لضم المزيد من أراضي الضفة، باعتبار ذلك جزءاً من العقيدة الصهيونية الدينية. وأشار إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يطلق على الضفة الغربية اسم "يهودا والسامرة"، وهو ما يفسر مخططات إسرائيل لضم المنطقة "ج"، التي تمثل ثلثي مساحة الضفة الغربية، وتضم ما لا يقل عن 300 إلى 400 ألف فلسطيني. وأوضح أن المخطط الإسرائيلي الأخطر هو السعي إلى تهجير ما تبقى من الفلسطينيين في الضفة باتجاه قطاع غزة، أو نحو الأردن، وفي حال نجاح هذا المخطط، فإن الاحتلال الإسرائيلي سيتمكن من تنفيذ مشروعه الأوسع، الذي يشمل ضم الجنوب اللبناني والجولان السوري المحتل، في إطار تحقيق ما يُعرف بـ"إسرائيل الكبرى".
 
وأكد أن هذا المخطط لن يُنفذ إلا إذا فشل الفلسطينيون في الصمود على أرضهم، مشيراً إلى أن الضفة الغربية هي أخطر جبهة تهدد إسرائيل، حيث ستتكبد الأخيرة خسائر لا تستطيع تحملها إذا اندلعت المواجهات فيها، وهو ما يجعلها تحاول تفادي تصعيد الأوضاع هناك.
 
وفيما يخص توحيد الصف الفلسطيني، أوضح فارس أن أحداث 7 أكتوبر رغم كارثيتها على الشعب الفلسطيني، قد تكون طوق نجاة للقضية الفلسطينية، إذا تم استغلالها لإنهاء الانقسام الفلسطيني وتوحيد الصف الوطني. وأشار إلى أن إسرائيل تستغل هذا الحدث كذريعة لمحاولة تصفية القضية الفلسطينية، مما يستوجب أن يكون هناك موقف فلسطيني موحد، بحيث لا تُستخدم حجة وجود حماس في غزة كذريعة لإسرائيل.
 
ودعا، فارس، حماس إلى اتخاذ خطوة إلى الخلف، وتسليم حكم القطاع إلى السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير، باعتبارهما المرجعيتين الشرعيتين المعترف بهما دولياً، والقادرتين على مخاطبة المجتمع الدولي للمشاركة في إعادة الإعمار. وأضاف أنه من غير المقبول استمرار الانقسام الفلسطيني، خاصة بعد سقوط أكثر من 50 ألف شهيد فلسطيني، مؤكداً أن القضية الفلسطينية أمام مفترق طرق تاريخي، وأن الهدف الأسمى الآن يجب أن يكون توحيد الصف الفلسطيني.
 
وأكد الدكتور حامد فارس على ضرورة مشاركة وفد فلسطيني موحد، يضم جميع الفصائل مع السلطة الفلسطينية، في القمة العربية المقبلة، لتوجيه رسالة قوية للعالم بأن الانقسام قد انتهى إلى الأبد، وأن القضية الفلسطينية تدخل مرحلة جديدة عنوانها الوحدة والصمود.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة