يوسف أيوب يكتب: لماذا لا ترسل الحكومة نظام البكالوريا إلى الحوار الوطنى؟
السبت، 15 فبراير 2025 01:38 م
يوسف أيوب
ثقة كبيرة تحظى بها دوماً مخرجات الحوار الوطنى، ثقة شعبية وسياسية وحزبية، ومردها حالة النقاش داخل جلسات الحوار الوطنى، التي تتيح للجميع، سواء كانوا سياسيين أو فنيين أو خبراء، أن يقول رأيه في القضية المطروحة، بكل حرية وشفافية، مع تجميع كافة الأراء والاتفاق على رؤية موحدة، وفى حال الاختلاف، يتم رصد الاختلافات ورفع هذه الرؤى فى شكل توصية إلى رئيس الجمهورية لأختيار المناسب.
آلية العمل داخل الحوار الوطنى، هي التي منحته هذه الثقة، وجعلت توصياته محل تقدير من الجميع، خاصة أن مجلس الأمناء يتعامل بحيادية تامة، ولا ينحاز لفكرة أو طرف، أو إلى جانب معين، بل يتولى الرصد بإيجابية شديدة ويجمع كل الأراء ويتم بلورتها في شكل توصيات نهائية، هي نتاج للحوار والنقاش، فالحوار الوطنى ليس طرفا وحكما في نفس الوقت، بل يمكن وصفه بالحكم، وهو ما منحه الحيادية المقبولة من كل الأطراف.
لذلك اتعجب كثيراً من عدم طرح مشروع الثانوية العامة الجديد المسمى بالبكالوريا على الحوار الوطنى، والاكتفاء بجلسات الحوار المجتمعى التي نظمتها وزارة التربية والتعليم لخبراء ومتخصصين، والأمر نفسه في مشروع قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين، فقد بدأت وزارة العدل في إجراء جلسات حوار مجتمعى حوله، ولم تفكر في الاستعانة بالحوار الوطنى لفتح باب النقاش حوله.
وسبب التعجب أن نظام البكالوريا، الذى اعلن عنه الوزير محمد عبد اللطيف، وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، وساندته في طرحه الحكومة، وتم عقد جلسات حوار مجتمعى حوله، لازال هذا المشروع محل نقد وانتقاد من كثيرين، خاصة في نقاط جوهرية، منها على سبيل المثال وليس الحصر، تلك المتعلقة بإضافة مادة الدين إلى المجموع، وهو المقترح الذى تسبب في انقسام مجتمعى حول فائدة ذلك وأضراراه أيضاً، ورغم كل هذه الانتقادات التي سمعها الوزير بنفسه خلال جلسات الحوار المجتمعى الا انه لازال متمسكا بطرحه وفكرته، حتى أن الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء، في مؤتمر صحفى حينما سأله احد الزملاء الصحفيين عن رأيه في هذه الجدلية، أكتفى بقوله إنه يتم العمل على تجميع كل الأفكار المتعلقة بنظام البكالوريا بما فيها مادة الدين. ولم يحدد لنا من سيقوم بتجميع هذه الأفكار، ومن يضمن أن يتم الاخذ بالانتقادات الموجهة للمشروع، والا يتم تجاهلها.
الحكومة تراهن على الحوار المجتمعى، وهذا حقها، لكن الموطان الذى وثق في الحوار الوطنى، يريد أن يكون له دور فاعل في هذا الملف تحديداً، لأنه يدرك أن كل الأفكار ستكون محل تقدير وتحليل ونقاش، لأن الحوار الوطنى حينما يناقش مقترح أو قضية، لا يتجاهل أي رأى، ولا ينحاز لأحد، بل الإنجياز دوما يكون في اتجاه المصلحة العامة، وما يراه مجلس الأمناء مفيداً للجميع.
الأمر ذاته ينطبق على مشروع قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين، الذى بدات وزارة العدل، الاثنين الماضى، في عقد أولى جلسات الحوار المجتمعي حوله، تحت رعاية المستشار عدنان فنجري وزير العدل، وذلك لاستيعاب كافة الآراء التي من شأنها تحقيق الاهداف المنشودة من القوانين لصالح الأسرة المصرية.
الجلسة الأولى التي عقدت بمقر وزارة العدل في العاصمة الإدارية الجديدة، تأتى كما قالت الوزارة، ضمن ثمانى جلسات ستضم جميع الطوائف المسيحية وممثلو الكنائس، ويتم فيها الاستماع إلى جميع الآراء ووجهات النظر المختلفة وصولاً إلى رؤية قانونية يتم التوافق عليها حتى يخرج مشروع القانون بصورة توافقية لجميع الطوائف، وخلال الجلسة الأولى أكد وزير العدل أن "مشروع القانون قد رُوعى فيه التوافق التام بين كافة الطوائف المسيحية في مصر على كل ما تضمنه من أحكام مع عدم المساس بالمسائل العقائدية للطوائف المعنية بالقانون، وأن مشروع القانون جاء شاملا لكافة مسائل الأحوال الشخصية سواء الاجرائية أو الموضوعية منها بالنسبة لجميع الطوائف المسيحية".
ما قاله وزير العدل بشأن مشروع القانون مهم، لكن الأهم بالنسبة للمخاطبين بهذا المشروع أن تكون هناك إدارة مستقلة للحوار بشأن مشروع القانون، وهذا ليس تقليلاً من دور واستقلالية وزارة العدل أو الحكومة بشكل عام، لكن ما ترسخ في العقول واستقر في الأذهان أن الحوار الوطنى بما يملكه من آليات سيكون قادراً على إدارة حوار قوى حول هذه الأمور، والتوصل إلى توصيات ورؤى تأخذ في الحسبان كافة الأفكار، وتكون مرشدة للحكومة وهى تعيد النظر في المشروع المطروح، كما ستضئ هذه التوصيات الطريق أمام مجلسى النواب والشيوخ، وهما يناقشون هذه القوانين، كما حدث مؤخراً في ملف الحبس الاحتياطي، خلال مناقشة مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد داخل مجلس النواب، فقد كانت توصيات الحوار الوطنى شاملة ووافية، ومكنت الحكومة اولاً ومن بعدها مجلس النواب من التوصل إلى صياغات واضحة وحاسمة تحقق المطلوب في هذا الملف الذى كان محل نقاش وخلاف كبير لسنوات طويلة.