لكن نعمة الأمان تكفى.. قلوبنا معلقة بتنفيذ الهدنة..

الوجع يرتدى ثوبا جديد الناجون من حرب غزة لصوت الأمة: كانت ليال أشبه بأهوال يوم القيامة ... لم يتبقي لنا شيء تهدمت منازلنا وفقدنا ممتلكاتنا

الأحد، 19 يناير 2025 10:28 ص
الوجع يرتدى ثوبا جديد الناجون من حرب غزة لصوت الأمة: كانت ليال أشبه بأهوال يوم القيامة ... لم يتبقي لنا شيء تهدمت منازلنا وفقدنا ممتلكاتنا
هانم التمساح

 
الناجى الوحيد  من عائلة عودة : أخرجونى من بين الأشلاء وكانو يعتقدون أنى ميت ..سمعت صوتا يقول هذا حى يبدو أنه الناجى الوحيد.
 سنبدأ رحلة البحث عن المفقودين ..وقبور الأحباب 
 
 
 الوجع يرتدي وجهاً جديداً لسكان غزة الناجين من الحرب ، يطاردهم حيثما ظنوا أنهم  نجوا، ليبقى شاهداً أبدياً على ما كان، وعلى ما لن يمحوه الزمن أبداً،ذكريات مميتة تمزق قلوب الناجين ،ونفسياتهم التي طحنتها الحرب كما طحنت عظام ذويهم وبيوتهم ،هذا ما قراناه في حديثنا مع بعض الناجين من أبناء قطاع غزة عقب انتهاء الحرب التي عانو من ويلاتها على مدار عام وأربعة أشهر ،بعد أن نجحت الجهود المصرية والقطرية المكثفة بالتوصل الى اتفاق أخيرا، بعد عدة محاولات كان الاحتلال يتعنت في شروطه ،ويأبى إلا ان يقضى على ماتبقى من سكان غزة.  
 
 "ستنتهي الحرب، وستتسابق العائلات إلى لملمة شتاتها الذي مزقته القذائف وأحرقته النيران. أما أنا؟ سأبدأ رحلتي نحو البحث عن قبورهم، غادروا دون وداع، دون أن أرى وجوههم للمرة الأخيرة. سأبحث عن القبور التي احتضنتهم حين لم أكن هناك لأفعل ذلك بنفسي...
 
كنت في غيبوبة، غائباً عن الوداع وعن الصلاة وعن الدفن واليوم، رغم استيقاظي حينما نجوت بمفردي من مجزرة راحت فيها كل عائلتى ..وأخرجوني من بين الأشلاء وكانوا يعتقدون أنى ميت ..سمعت صوتا يقول هذا حى يبدو أنه الناجى الوحيد ..لم أكن أفهم أنهم كانو يتحدثون عنى فلم أكن أدرى بما يدور حولى كنت مصابا وفى حالة غيبوبة ، والآن بعد توقف الحرب أشعر وكأن الغيبوبة لم تنتهِ، وكأنني محاصر في حلم طويل لا أستطيع فيه الوصول إليهم. سأذهب لأحتضن التراب الذي يحتضنهم، ولأخبرهم بصوت مكسور أنني آسف... آسف لأنني لم أكن هناك حين دفنهم .."..بهذا الحديث يبدأ الشاب ابراهيم عودة حديثه لصوت الأمة بعد ,نجاح الجهود المصرية والقطرية والوساطة الأمريكية فى التوصل لإتفاق ,يوقف آتون الحرب المجنونة التى طحنت البشر والحجر فى غزة ".  
 
032549c3-6da0-4b29-958e-312337933b38
 
ويتابع عودة حديثه :"بعد أن تأكدت أن الصفقة قد تمت بالفعل، ، شعرت بخوف شديد وفراغ عميق في داخلي. خوفٌ من بداية مرحلة جديدة، مرحلة سأكون فيها مضطراً للتصالح مع فكرة أن فراق من رحلوا هو حقيقة يجب أن أتعايش معها  
 
الحياة ستعود، نعم، ولكنها ستعود بلاهم، بلا صوتهم، بلا وجودهم .....
لا أدري، هل علي أن أفرح لأن المقتلة ستتوقف، لأن الدماء ستجف، لأن الموت سيتنحى قليلاً عن طريقنا؟ أم أنني أحتاج لأن أحزن، لأن حربي الحقيقية، حرب الاعتراف بالحقيقة، ستبدأ الآن؟ في هذا الفراغ الذي أعيشه، حيث يبدو كل شيء مفقوداً، سأكتشف أن خسارتي الأكبر قد تكون في تلك اللحظة التي سأكتشف فيها أنني لا أستطيع العودة إلى نفسي بعد كل هذا الغياب". وعن الحالة النفسية التى يشعر بها بعد أن هدأت أصوات القصف وزخات الرصاص ،واحتفالات أهل غزة بقرار وقف الحرب ،ونزيف الدماء يقول عوده" أتحدى أن تجد غزّاوياً واحداً بمزاجٍ جيد. نحن جميعاً نعيش تحت وطأة نفسية مهشمة، ثقيلة، تكاد تسحق أرواحنا، وليس فقط بسبب الحرب وأهوالها التي لا تتوقف، بل لأننا نشعر، في أعماقنا، أن عزاءنا أقل قيمة من عزاء البشر، وأن دمنا أصبح شيئاً عادياً، رخيصاً، يُراق بلا حساب ولا اكتراث".   
 
ويضيف :"كيف يمكن لإنسانٍ أن يعيش وهو يعلم أن حياته لا تُقاس بنفس الميزان الذي تُقاس به حياة الآخرين؟ أن العالم يرى موتنا وكأنه حدثٌ طبيعي، وكأننا أرقام تُضاف إلى إحصائيات بلا هوية، بلا دموع تذرف على أرواحنا، بلا كلمة عزاء صادقة؟ ...في غزة، الألم ليس فقط في الجراح والدمار، بل في الشعور الموجع بأنك أقل قيمة في هذا العالم، وأن صراخك لا يُسمع، وأن موتك، مهما كان قاسياً، لن يُحدث فرقاً ".
 
 
وتقول فداء عبدالله  من سكان حى التفاح :"فقدت أمى وابن أخى وفقدت كثيرين من العائلة ،وياللوجع والألم ،ولكن رغم ذلك لدى أمل وأشعر أنننى ارتجف فرحا وخوفا وفزعا ..شعور معقد لا استطيع وصفه ،أخيرا استطيع ان أضم عائلتى التي نزحت للجنوب ،بعد عام و4 أشهر ..تفرق الجميع كل  في وادى ..لكننا بقينا صامدين في الشمال في منزلنا بحى التفاح الذى قصفه الاحتلال مرات عديدة ،لم يبقى منه إلا بقايا حجرة ،لازلت أعيش فيه مع زوجى  وأبنائى ، لكن أهلى فقدو منازلهم وأصبحو جميعا بلا ماوى نزحوا جميعا للجنوب ،لكن أخاف كثيرا على ابنه اخى فهى مريضة لاتستطيع  أن تعيش في خيمة ،اذا نجت لحين وقف اطلاق النار تماما ،ولكن أعود وأقول رغم كل هذا الدمار وكل الفقد لكننا فرحين بوقف اطلاق النار ،فنعمة الأمان تساوى كل شيء ،كل شيء يمكن تعويضه ...والله لانعيد غزة ونبنيها وتكون أجمل بكثير مما قبل ..عهد علينا سنحررها ونعمرها ".
 
وتقول الدكتورة عادلة أبوخوصة :"اختى تعمل طبية قصف الاحتلال المشفى الذى تعمل به ،و كانت تجمع الشيكل على الشيكل  لحتى تدفعه مقدم شقة تمليك تسكن فيه مع زوجها وأولادها ،الاحتلال قصف دارهم ،فخرجت بأبنائها حافية القدمين ،نعم ستعود لحطام دارها لكنها ستعود بلا شيء بلا مأوى ولا ملابس ولا مكان عمل  ولا أي شيء لكنها تقول أضع خيمة مكان منزلي ولا أعيش لاجئة في أي مكان في الكون  "
  
 
 وسطرت جباليا ملحمة في الصمود ، جباليا التي شهدت إبادة جماعية  تستطيع ان تقول أنه ما بقي من المدينة أثر سوى بعض من نجو من الموت بأعجوبة بينهم  إبراهيم سالم " الملاحي" ابن مخيم جباليا .. إبراهيم سالم (36 عاماً)، أكبر إخوته الثمانية،   نشأ يتيم الأم وسط منزل بسيط لأسرة متعففة في مخيم جباليا. هذه الظروف جعلت من إبراهيم اللاجئ من بلدة دير سنيد المحتلة شخصاً جدياً وصلباً منذ الصغر، إذ تحمّل المسؤولية وشارك والده عاطف (58 عاماً) في إعالة إخوته. 
لديه من الإخوة وسيم (33 عاماً) يعمل في مركز دراسات في العاصمة التركية، وخليل (29 عاماً) يشتغل في أعمال حرة، ومحمد (26 عاماً) بائع متجول، وليث (25 عاماً) كاتب وشاعر، وأحلام (27 عاماً) وحنين (32 عاماً)، وبراء (18 عاماً).  
كان لإبراهيم صالون حلاقة، متزوج من ابنة عمته حنين (31 عاماً)، ولديه ثلاثة أبناء، فاطمة عشرة أعوام، ونانا ستة أعوام، ووسيم عامان. أما أخته أحلام فقد تزوجت من محمد أبو طبق (33 عاماً) وأنجبا طفلين، آدم خمسة أعوام، ورامي ثلاثة أعوام. فيما كان خليل عريساً حديثاً، إذ تزوج ابنة عمه قبل نحو شهرين من الإبادة على قطاع غزة.  
 
عائلة  إبراهيم ذاقت تقريباً كل صنوف المعاناة من الاحتلال، استشهد جزء منها ودمر منزلهم، وفقد  إبراهيم  مصدر دخله الخاص، وأصيب أطفاله، وأخيراً اعتقل لمدة تزيد عن ثمانية أشهر. ليلة الجمعة، 2 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، استشهد شقيقه خليل العريس، بعدما مسحت الطائرات الحربية الجزء الشمالي لبلوك "7"، حين كان يحتمي مع أصدقائه في أحد المنازل. استطاع إبراهيم إخراج جثمان شقيقه، ودفنه في مقبرة بيت لاهيا، غرب مخيم جباليا.  
 
بعدها بشهر ونيف، وأيضاً في يوم الجمعة، لكن هذه المرة في التاسعة صباحاً، وتحديداً في تاريخ 8 ديسمبر/ كانون الأول 2023، قصف الجيش الإسرائيلي منزل إبراهيم سالم الذي كان يحتمي فيه قرابة 20 شخصاً. واستشهد على الفور، أحلام وأبناؤها، وشقيقها محمد، وأقارب زوجها، ومنهم سحر عابد (37 عاماً) وأطفالها الثلاثة، وأصيب آخرون بجروح متفاوتة، أخطرها كانت لأطفال إبراهيم الثلاثة، إذ تعرضت فاطمة لحروق من درجة ثالثة، فيما أصيبت نانا بشظايا في الرئة وكسر في الجمجمة، الأمر ذاته للصغير وسيم الذي دخل في غيبوبة بعدما تعرض لكسر في الجمجمة .
 
جرى نقل المصابين إلى مستشفى كمال عدوان الذي يبعد عن المنزل المدمر مسافة سير عشر دقائق، أول شيء فعله إبراهيم دفن شهداء العائلة في أكياس بلاستيك في حديقة المشفى، وضع أحلام وأطفالها في قبر، وشقيقه في قبر، ثم السيدة عابد وأطفالها في قبر، دفنهم بشكل مؤقت منتظراً انسحاب قوات الاحتلال التي كانت متمركزة في مقبرة بيت لاهيا في ذلك الوقت  ،ثم أسرع للاطمئنان على المصابين من العائلة، وجرى وضع أطفاله الثلاثة في غرفة العناية المكثفة. يقول: "أذكر أنه تم علاجهم على ضوء الهاتف المحمول، لم يكن هناك وقود لتشغيل مولدات المشفى". تنقل الأب من سرير لآخر ليطمئن على إخوته وأطفاله الثلاثة، لكن مجدداً اقتحمت قوات الاحتلال البوابة الرئيسية لكمال عدوان، كان ذلك ليلة 11 ديسمبر 2023 ". 
 
ويكمل إبراهيم: "دخل الجيش بجرافاته وتم حفر المكان الذي وضعت فيه جثث عائلتي وأخذوها، وحتى الآن لا نعرف مصيرها وماذا فعلوا بها" بعد سحب الجثث، جرى اعتقال إبراهيم بصحبة عشرات المرضى والمصابين ومرافقيهم الذين كانوا في المشفى. يستذكر هنا أول أيام اعتقاله: "لمدة يومين كاملين جرى تجريدي من ملابسي، وكانت الأجواء باردة جداً، كانوا يسألونني سؤالاً واحداً، هل شاركت في السابع من أكتوبر؟ 
طيلة مدة الاعتقال، مورس على إبراهيم أشد أنواع التعذيب الجسدي والنفسي، حتى إن أحد المحققين جاء له بصور جثامين إخوته، ليساومه مقابل إعادتهم بأن يدلي لهم بمعلومات عن المشاركين بالسابع من أكتوبر .
 
في الليلة التي اعتقل فيها إبراهيم استشهد شقيقه ليث بصاروخ من طائرة مسيرة خلال محاولته إنقاذ جيران له من عائلة أبو الفول، وقد علم إبراهيم باستشهاده بعد أن أفرج عنه، أي بعد ثماني شهور.  
يعيش إبراهيم  الآن وحيداً في خيمة وسط مدينة دير البلح، لكن زوجته وأطفاله الثلاثة الذين تحسنت حالتهم الصحية يعيشون في خيمة أخرى لكن في ملعب اليرموك وسط مدينة غزة بعد ما تم محاصرتهم لمدة 70 يوماً، في مخيم جباليا لا طعام ولا ماء لا دواء. وتنتظر العائلة سريان اتفاقية وقف إطلاق النار على أمل أن يتم لم شملها مرة أخرى ".
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق