مقاومة التغيير في التعليم

الخميس، 09 يناير 2025 03:40 م
مقاومة التغيير في التعليم
شيرين سيف الدين

 
"اللي نعرفه أحسن من اللي ما نعرفوش"، مقولة ومبدأ راسخ في عقول الكثير من أبناء الشعب المصري الذين يرفضون أي تغيير دون التأكد من مدى جدواه أو عدمه، وهو ما يعد إغلاق لأبواب قد تكون هي أبواب النجاة، فمن الضروري قبل مقاومة التغيير دراستة بدقة ومعرفه جوانبه الكاملة سواء السلبية أو الإيجابية.
 
وينطبق هذا الأمر بشدة على نظرة أولياء الأمور للمنظومة التعليمية وخصوصا في المرحلة الثانوية والمؤهلة لدخول الجامعات.
 
وبالرغم من المطالبة الدائمة بتطوير التعليم والاهتمام به أسوة بالدول المتقدمة، إلا أن المطالبين بالتغيير في العادة هم أول المعترضون على أي تطوير أو تعديل قبل معرفة تفاصيله والحكم عليه بموضوعية، وما إذا كان في مصلحة الطالب أم لا، وكأن التطوير الوحيد المقبول هو تقليل المناهج وحذف أجزاء منها وتسهيل الاختبارات النهائية!.
 
ما أثار استغرابي هي ردة الفعل الشعبية بالأمس على مقترحات السيد وزير التربية والتعليم بتعديل نظام الدراسة للمرحلة الثانوية والتحول لنظام البكالوريا، وهو ما لا أستطيع الحكم عليه بشكل شخصي في الوقت الحالي دون معرفة تفاصيله بدقة، إلا أن العجيب في الأمر هو الهجوم الشديد على الفكرة ورفضها بشكل مبدئي، وانتشار النكات على مواقع التواصل الاجتماعي من قبل أولياء الأمور والسخرية من مصطلح "بكالوريا"، باعتباره عودة للخلف ولزمن أفلام الأبيض والأسود والاستشهاد بحوار الفنان عماد حمدي "أنا أخدت البكالوريا يا نينة" على سبيل الاستهزاء.
 
إلا أنني في نفس الوقت أتفهم عدم تقبل البعض لفكرة مرونة المناهج، وهو ما ينبع من الجمود الفكري والتمسك بالثقافة التعليمية السائدة التي تميل إلى النظام التقليدي المعتمد على الحفظ والتلقين، وأيضا الخوف من أن يترك النظام الجديد ثغرات في تعليم الطلاب أو يؤثر على مستوياتهم ودرجاتهم المؤهلة للالتحاق بالجامعات مقارنة بالنظام القديم.
 
أعتقد أن الكثير من الرافضين ليسوا على دراية كافية بأنظمة التعليم الدولية، وقد يكون هناك سوء فهم للنظام وأهدافه الحقيقية، أو اعتقاد خاطئ بأنه مجرد "تقليد أعمى" للغرب دون مراعاة احتياجات المجتمع المصري، في حين أن هذه النوعية من الأنظمة الدراسية هي ذاتها التي يتلقاها طلاب المدارس "الانترناشونال" في مصر ومن أشهرها نظام "البكالوريا الأمريكية"، والتي يتكبد فيها الأهالي أموالا طائلة من أجل حصول أبناءهم على تعليم أفضل وأكثر مرونة، وهو ما ينظر إليه الآخرون باعتباره رفاهية وميزة نسبية لمن لديه الإمكانيات المادية لدفع مصروفات تلك المدارس المتميزة.
 
أكتب هذا المقال ليس بهدف الدفاع عن نظام جديد لا أملك معلومات كافية عنه ولا عن كيفية أو إمكانية تطبيقه على أرض الواقع، إنما بهدف تعريف البعض على نظام "البكالوريا الأمريكية" ولإيضاح أنه مصطلح لا يدعو للسخرية ولا يعني العودة للخلف، فهو منهج تعليمي يعتمد على التعليم الأمريكي الذي يعد الأكثر مرونة وسهولة مقارنة بالنظام الفرنسي أو البريطاني مثلا، وهو مطبق في العديد من المدارس حول العالم بما في ذلك الدول العربية ومصر، ويركز هذا النظام على إعداد الطلاب بشكل شامل لدخول الجامعات الأمريكية أو الدولية وبالطبع المصرية أيضا.
 
ويتميز هذا النظام ببعض الملامح الأساسية أهمها المرونة في اختيار المواد، حيث يتيح للطلاب اختيار المواد التي تتناسب مع اهتماماتهم وأهدافهم المستقبلية، ويشمل أيضا على مواد أساسية يجب على الجميع الإلمام بها.
 
كما يعتمد على نظام المعدل التراكمي "Grade Point Average" الذي يتم احتسابه بناءً على أداء الطالب في كل مادة على مدار السنوات، ويسمح للطالب بإعادة الامتحان لتحسين درجاته.
 
ويركز هذا النظام على التفكير النقدي وكيفية حل المشكلات، والعمل الجماعي، وإعداد المشروعات، والتدريب على البحث العلمي، وهو ما يؤهل الطالب ويساعده في الحصول على مِنَح تعليمية مجانية للدراسة في مختلف الجامعات الدولية على مستوى العالم، أو حتى الجامعات الخاصة المصرية وعلى رأسها الجامعة الأمريكية.
 
من المهم هنا أيضا التوضيح بأنه يتم توزيع المواد الدراسية على الطالب بشكل مرن خلال سنوات الدراسة، بمعنى تقسيم المواد وعدم تكرارها بحيث يغطي الطالب متطلبات التخرج خلال الثلاث سنوات، بهدف التركيز في كل عام دراسي على عدد محدود من المواد منها الإلزامي على مدار الثلاث سنوات، وعدد من المواد الأخرى تدرس بالتناوب بحسب اهتماماته سواء كانت علمية أو أدبية، كما يمكن للطالب اختيار مواد إضافية تُلائم اهتماماته المهنية أو الجامعية لزيادة فرص قبوله في الكليات المختلفة.
 
ما تم تقديمه هو مجرد محاولة شرح مبسطة لنظام "البكالوريا الأمريكية"، الذي يبدو أنه مشابه للنظام الدراسي الجديد المزمع تطبيقه في مصر، وهو ما ستوضحه الأيام بشكل أوضح.
 
في اعتقادي إن تبني نظام تعليمي مثل البكالوريا الأمريكية الذي يعتمد على حرية اختيار المواد وتلبية اهتمامات الطلاب يُعد نقلة نوعية نحو تعليم يركز على المهارات والميول الفردية، بدلًا من فرض منهج موحد لا يراعي الفروق بين الطلاب، وهو الأمر المطبق في أغلب الأنظمة التعليمية الدولية والتي اتجه إليها العديد من أولياء الأمور في مصر ولكن بتكبد مصروفات باهظة.
 
إن تحول التعليم الحكومي المصري المُدَعم لنفس نظام التعليم الدولي يجب أن يمنحنا الأمل في مستقبل أفضل، بدلا من أن يلاقي كل هذه المقاومة والتهكم عليه والسخرية منه!.
 
دعونا ننتظر ونتعرف بشكل أدق وأوضح على النظام المقترح قبل الحكم عليه.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق